خبر في الخطاب السياسي العربي..علي عقلة عرسان

الساعة 03:20 م|20 أغسطس 2010

في الخطاب السياسي العربي..علي عقلة عرسان

 

ما هو الخطاب السياسي، ولمن يوجه ولأي غرض، وما الذي ينطوي عليه مما يميزه أو يمايزه عن أي خطاب آخر؟! وهل هو لغة ذاتية أم لغة موضوعية، وبمعنى آخر هل هو كلام صاحب الخطاب أم خطاب صاحب المسؤولية والصلاحية في التعبير عما ينتهجه نظام من سياسة وما يتخذه بلد من قرارات عبر مؤسساته الرسمية، مما يريد أن يتعامل معه الخطاب بطريقة ما، وكيف يتجلى ذلك كله في الخطاب؟!

وهل الخطاب السياسي لغة ذات خصوصية في الأداء والتوصيل والصوغ والإقناع، أم أنه منطق شخص وأسلوبه يعطيان للخطاب واللغة خصوصية وقوة تأثير، وقدرة على الإقناع في أثناء الأداء؟! أم هو مجرد طريقة في استخدام الأدوات والانفعالات وعوامل التأثير الأخرى وتوظيفها لجعل المتلقي يقتنع بوجهة النظر التي يحملها صاحب الخطاب، أو تلك التي يريد أن يوصلها إلى الآخرين؟! وهل الخطاب السياسي يمتلك القوة في ذاته ومعطياته، أم أن قوته تنبع من عوامل القوة التي تقف خلف الخطاب وتشكل سنداً له، وهي قدرات البلد والمواقف التي تعطي للكلام مصداقية ومدلولاً عملياً وتجعله مشبعاً بالموحيات ومستنبَتاً للاستنتاجات؟!

هل الخطاب السياسي كلام في المبدئية والأخلاق والثوابت القومية والوطنية والقيم الإنسانية، أم أنه مجرد صياغات كلامية مدروسة بعناية أحياناً، تخفي ما تخفي من الحقائق والمواقف، وتلوِّح بما تريد أن تلوِّح به من الحقائق والمواقف، لجعل الاحتمالات المؤدية إلى تحقيق مصالح أو دفع مخاطر أكثر قدرة على التحقق، وأكثر قدرة على التأثير في المتلقي؟!

وهل هو خطاب يلتزم بالاستراتيجية السياسية والأيديولوجيا ويعبر عنهما ويدافع عن ثوابتهما وأهدافهما واختياراتهما، أم أنه تكتيك ومناورات وعوامل تمويه، تؤدي إلى إشغال المتلقي عن الأهداف الاستراتيجية، وتساهم في صرف النظر عن حقائق الفعل الذي يعتمده السياسي أو يسعى إليه؟؟

وهل ينطوي الخطاب السياسي، أو ينبغي له أن ينطوي، على الصدق أم أنه فضاء يراوغ المتكلم في مجالاته للوصول إلى الأهداف والمنافع والأغراض الشخصية أو العامة؟!

إن سؤال الأخلاق والسياسة سؤال مركزي عند ملامسة الخطاب والتعامل معه فهماً وتفسيراً وتحليلاً، ولكن السياسة التي تستند إلى مبدئية خلقية وثوابت حقّانية قد تفلس وتسبب الكوارث إذا كانت لا تملك قوة كافية تحمي التعبير المبدئي والقيمة الخلقية، والحقّانية التي ينطوي عليها الموقف موضوع الخطاب، وفي هذه الحالة ما هو الموقف من الخطاب وفيه؟! وما هو الحكم عليه وعلى مضمونه وعلى النتائج التي قد يسفر عنها أو يقود إليها؟!

السياسة فن الممكن في بعض الاجتهادات، والسياسة مصالح عند الكثير من السياسيين وفي معظم السياسات، والسياسة تنطوي على منظومات قيم وأخلاق عند سياسيين وسياسات وتتنكر لها عند آخرين وأخريات. والمذاهب السياسية أكثر من أن تُعد أو تُحصى إذا ما أخذنا بالاعتبار نوع الخطاب وقائله وهدفه ومردوده ومنطلقاته وغاياته وأساليب توظيفه ومرجعياته وأدائه، ولكن يبقى من الأهمية بمكان أن نتوقف عند الخطاب السياسي لنفهمه ونتعامل معه، لأنه يتعلق بالحياة والمصير، باليومي والمستقبلي في آن معاً، ليس بوصفه نصاً منفصلاً عن الأداء والظرف والمناخ العام الذي اقتضاه، داخلياً وخارجياً، بل بوصفه خلاصة تفاعل عضوي للسياسي مع الاجتماعي والوطني والقومي والدولي، في أداء لا تقيده  حدود ظاهر نص.

في الخطاب السياسي العربي ثوابت، وفيه الكثير من أساليب التعبير عن هذه الثوابت، وفيه أيضاً ما هو مضمَر أو منسي أو ما يُراد له أن يكون مضمراً منسياً ومموهاً من تلك الثوابت، وفيه المسكوت عنه وما لا يشاء السياسي أن يصرح به أو يؤخذ عنه أنه خاض فيه، كما أنه يحتوي على إشارات لما لا يريد أن يقوله وكأنه تنكر له أو تملَّص منه على نحو ما في الخطاب.

وقد مر هذا الخطاب بمراحل وحالات منذ موجة الاستقلال الوطني- القطري حتى الآن، وتغير فيه ما تغير سواء أكان ذلك في الأسلوب أم في اللغة والمفردات وطريقة التعبير، أم في المستوى العام للأداء؛ ولكن يبقى فيه ما هو ثابت ولو في صيغ الكلام الرسمي.

فهل الخطاب العربي يحمل في طياته ازدواجية الوجه والقناع؟! أم أنه خطاب لا صلة له بجوهر الأهداف التي يتكلم عنها ويدور حولها، ولا بجوهر الاستراتيجية المعتمَدة ظاهراً على الصعيد القومي، وهو مجرد تكتيك يخدم مصلحة النظام أو المصلحة القطرية، ويراعي ما تطلبه الجماهير من عبارات حماسية ومواقف قومية للإرضاء والاستهلاك ليس غير؟! وإذا كان ذلك كذلك فمن أين جاء هذا ولأية أسباب يستمر؟!

وهل الخطاب السياسي العربي هو خطاب شخص الحاكم أم خطاب النظام، أم خطاب الدولة، أي الهياكل الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات القائمة في البلد المعني بالخطاب، أم أن التداخل في هذا لا يترك مجالاً للسؤال والبحث، لأن نسيج البنية أصبح " عضوياً" بين الشخص والنظام والدولة على نحو يصعب معه الفصل أو التمييز بين الخاص والعام، الذاتي والموضوعي؟‍!.

أم أن الخطاب في حقيقته خطاب يملي على الداخل شيئاً ويقول للخارج شيئاً آخر، ويريد أن يرضي الداخل بكلام قوي يفهمه الخارج على أنه للاستهلاك المحلي، ويفهمه الداخل على أنه تعبير عن ثوابت الموقف وقوته، بنوع من الصلابة والشجاعة؛ فيدخل في المراوغة التي لا تكشفها الذاكرة الشعبية، ويطوي ذكرها ودواخلها النسيان مع فيض الزمان؟!

في الخطاب السياسي العربي مواقع ومواقف يحسُن بنا أن نتوقف عندها طويلاً لأن الخطاب يؤثر أكثر مما نتصور في حياة الناس ومصائر البلدان، وفي التكوين والتفكير وأوجه التدبير الممتدة من البيت إلى أكبر المؤسسات المعنية بالتنمية ورسم السياسات العليا مروراً بالمدرسة والجامعة!!

ومما ينبغي التوقف عنده من معطيات الخطاب السياسي العربي وشواغله وثوابته، في الماضي القريب والحاضر المليء بكل المؤثرات والمؤشرات والإنذارات المستقبلية: الوحدة العربية- قضية فلسطين- الصراع العربي- الصهيوني والموقف منه- التضامن العربي ـ القومية العربيةـ الديمقراطية- حقوق الإنسان والحريات العامة- التنمية - الأمن على الصعيدين القطري والقومي بالمفهوم الشامل للأمن: مائي، غذائي، ثقافي، عسكري .. إلخ ـ الاستقرار الاجتماعي- الإرهاب- الأيديولوجيا- الإسلام- العلاقة مع الغرب.. الخ..

قضايا كبيرة وقضايا أخرى أكبر قد يلامسها الخطاب وقد لا يتعرض لها أبداً، وقد يكون الخلاف حولها حاداً بين خطاب وخطاب؛ مما يشكل مجالاً واسعاً للجدل والاختلاف والاستقطاب، وربما للاتهام والاقتتال. ولا أزعم أن هذا المجال يتسع للدخول في تفاصيل الخطاب حول هذه المواضيع وسواها مما يشكل مجال اهتمام الخطاب؛ وقد تكون المحطات القليلة والوقفات القصيرة عند بعض النقاط حافزاً على مقاربة أوسع لها في المستقبل، أو دعوة للقيام بتلك المقاربة.

يحاول بعض العرب أن ينال من الخطاب السياسي العربي وأهله، لا سيما خطاب العقود الثلاثة الأولى من النصف الثاني من القرن العشرين، والهدف فيما يبدو تحميل ذلك الخطاب نتائج الكوارث لا لتحقيق يقظة ونهضة ومجاوزة لتلك الأوضاع وذلك الخطاب، وإنما لتسويغ خطاب من نوع آخر يجري العمل على تسويقه وإعلاء شأنه ورفع اختياراته ونهجه فوق كل اختيار ونهج آخر، خدمة لسياسة ترمي إلى فرض "سلام الاستسلام" على العرب. 

إن خطاب الاستنهاض والحشد الذي اعتمده سياسيون عرب لمواجهة العدوان والاحتلال، وللدفاع عن الإرادة والرؤية المستقبلية والحق والأرض، ليس خطاباً مداناً لمجرد كونه خطاب استنهاض؛ ربما كان في بعض الأساليب المتبعة بعض ما يدعو للتفكير بالحكم عليه وليس له، ولم يكن خطاباً مسؤولاً عن الهزيمة أو مسبباً لها لأنه خطاب أخذ هذا النوع من التوجه؛ إنما كان المسؤول عن ذلك بالدرجة الأولى: المناخ العربي العام الممزق، الموزع الولاء، المنخور بالعملاء والتبعية للاستعمار، وأخطاء في الحسابات أو تآمر على الحسابات الاستراتيجية، أو ازدواجية مراوغة بين الخطاب والحساب من جهة، والارتباط السياسي لبعض الساسة العرب مع جهات معادية أو حليفة للعدو، وإعلائها للشأن والمصلحة القطريين على القومي بصيغه كافة من جهة أخرى.

الذين يقدمون عبد الناصر: رجلاً انفعالياً عاطفياً مغامراً واهماً ومشيعاً للوهم ومسؤولاً عن خطأ الحسابات وعن انحطاط الخطاب السياسي، لا يدركون جيداً الأدوار التي قام بها سياسيون ومسؤولون آخرون، وأنظمة عربية تواطأت ضد الخط الذي انتهجه عبد الناصر وساهمت في إخفاقه، ولا يأخذون بالاعتبار معطيات المرحلة وشراسة التآمر الاستعماري الصهيوني. إن حرب حزيران، على سبيل المثال، لم تكن سوى مؤامرة وتوريط من نوع مدروس شاركت فيهما ـ إلى جانب عوامل القصور والتقصير والخطأ الذاتي وسوء التقديرـ قوى عديدة منها الأصدقاء السوفييت، إمّا عن غفلة أو عن تسميم إعلامي أميركي-صهيوني مدروس، وإما بإدراك ووعي قامت به عناصر موالية للصهيونية من داخل سدة الحكم السوفييتية؛ وشارك في التوريط والتآمر ساسة عرب وكذلك مسؤولون مباشرون منهم عبد الحكيم عامر المحارب الذي لم يحارب، والرجل الذي لم يشأ لعبد الناصر أن ينتصر أو أن يحارب أصلاً، لاعتبارات كثيرة منها قصور وقصر نظر، واعتبارات شخصية.

لقد وقعت هزيمة حزيران وتحمل عبد الناصر وشركاؤه في الخسارة مسؤولية عنها، وتدخلت الجماهير لتبقي عبد الناصر في سدة المسؤولية بعدما اتجه الظن إلى أنها سوف ترضى به كبش فداء وترى في انصرافه عن الحكم مخرجاً. ولم تسكت المدافع أو تضعف المقاومة طوال فترة حرب الاستنزاف والإعداد والاستعداد لمحو آثار العدوان. وليس الإحباط أو الهزيمة في معركة أو معارك دليلاً على خطأ مبدأ الحشد والاستنهاض في الخطاب السياسي –عربياً كان الخطاب أم غير عربي- لأنه من غير المعقول قبول الخطاب البديل ـ خطاب التيئيس ـ الذي هو حرب على إرادة الشعب ووعيه وصموده وحقوقه وتاريخه، لإلحاق اليأس به وجعله يقبل الذل والهزيمة ويستسلم للتبعية والاستعمار!؟

صحيح أن الخطاب السياسي العربي يحتاج إلى مراجعة ليكون أقل عاطفية وانفعالية وشعاراتية وطوباوية، وأكثر موضوعية وعلمية وواقعية ومعلوماتية وسعة رؤية، وأكثر اعتماداً على الحسابات الدقيقة والإمكانيات الحقيقية؛ ولكن ما يحتاج إلى تدقيق وحسابات أصلاً هو مؤسِّسات القرار الذي يعبر عنه الخطاب أو يستند إليه، ومقوماته ومسنِداته وأركانه التي يقوم عليها. وذلك يتصل بالإرادة السياسة وبالمعطيات التي تشكل قوام القوة وعواملها وأرقام الحساب، تلك التي تعطي للخطاب في النهاية مصداقية ومعنى وقيمة على الأرض.

الخطاب السياسي العربي المتعلق بفلسطين وبالصراع العربي الصهيوني وبما يتصل بذلك من عوامل ورؤى وتصورات واستعدادات، خطاب يأخذ بالاعتبار الواقع من جهة والممكن من جهة أخرى؛ ولكنه محكوم في منطلقه وأهدافه البعيدة بتطلعات شعب وبآمال ينبغي ألا تموت، وبحقائق تاريخ وحقوق أمة يجب أن تؤخذ بالاعتبار، وبثوابت صراع تاريخي مع الاستعمار والصهيونية وبمعطيات ذلك ومستجداته ومتغيراته؛ وهو ما ينبغي ألا يغيب عن الوعي أو أن يخرج من دائرة الحسابات الدقيقة. وكل حسابات تؤدي إلى استنتاجات ليست في صالح الأمة وقضاياها العادلة على المدى القريب لا تسوِّغ إعادة النظر بالحق والمبدأ، وإنما ينبغي أن تدفع باتجاه تعزيز ما يحتاج إلى تعزيز من مقومات القرار والقوة والحساب، ليأتي الحساب مؤيداً لقرارات سياسية تخدم الأهداف والاستراتيجيات البعيدة والمبدئيات الثابتة.

لقد كان السؤال منذ البداية يتصل بالحق وبالقوة على تثبيت ذلك الحق. إن النظر إلى إمكانيات الأمة وقدراتها البشرية والاقتصادية وتجربتها التاريخية يؤهل صاحب الخطاب للتعامل مع "واقع ممكن" يقوم على تلك المعطيات في حال توظيفها وتفعليها بشكل علمي سليم، لا سيما وهي تستند إلى قضية عادلة وحق تاريخي وروح شعبي متعلق بالقضية والعدل والحرية والكرامة، ومستعد للتضحية من أجل ذلك.

ولكن وجه الحساب الآخر متعلق بالآخرين من جهة، وبالشركاء الداخلين في الحشد والإعداد وتوظيف الطاقة والإمكانيات، على أرضية الاقتناع التام بجدوى خيار التحرير والتمسك به، وبضرورة امتلاك القوة واستخدامها، من جهة أخرى.

في الشق المتعلق بالآخرين هناك العدو وقدراته، ومن يدعم العدو ويتحالف معه ويعزز قدراته على أرضية تحالف عضوي وشراكة استراتيجية أو التزام خلقي -ديني- عاطفي.. تاريخي ـ أو ارتباطات مشبوهة … الخ. وهناك ميزان القوى الدولي وتوجهاته والمصالح التي تحكم تلك التوجهات؛ وهناك الصديق أو الحليف الذي يستند إليه صاحب القرار والخطاب العربي، لأنه لا يملك – ولم يسعَ إلى أن يملك للأسف – مقومات القوة المحررة للقرار والإرادة: علمياً وتقنياً وعملياً، تلك التي تجعله متحرراً من أشكال الضغط والقمع والشلل، التي تقود إلى تدمير الإرادة السياسية أو تجميدها.

إن مقاتلاً يعتمد في أدواته ومعداته ووسائل دفاعه وهجومه على ما يقدمه - أو يتحكم بتقديمه- الآخر له، هو مقاتل أسير على نحو ما، ومقاتل ومهزوم في لحظة ما؛ لا سيما إذا كان من يستند إليه في الإمداد بالأدوات والمعدات والوسائل القتالية موالياً بشكل ما لعدوِّه أو معترفاً بحق لذلك العدو، يدخل في صلب ذلك الصراع،  ويرى أن على المقاتل ألا يتجاوزه.

لقد كنا وكان خطابنا السياسي وقرارنا السياسي وإرادتنا في الفخ على نحو ما، وكان الذي يكفل لنا الحركة والصمود هو إرادة شعبنا وجماهيرنا، ورغبة ذلك الشعب وتلك الجماهير في التحرك التحرري والاستعداد للتضحية من أجل التحرير، مهما كان ثمن ذلك كبيراً ومكلفاً. وقد ظهرت هذه الإرادة الجماهيرية وتم التعبير عنها والاستناد إليها، ودفعت الفعل السياسي نحو الأمام- على الرغم من قوة العدو وكثافة العدوان- في مواقف منها: حرب السويس 1956 وعدوان حزيران 1967 ونتائجه الكارثية والإصرار القومي على بقاء عبد الناصر في الحكم بعد الكارثة الحزيرانية - حرب تشرين أكتوبر 1973- اجتياح لبنان وحصار بيروت 1982 ـ رفض اتفاقيات الإذعان ورفض التطبيع من العدو على المستوى الشعبي والثقافي على الأقل، وفي حروب 1996، 2000، 2005، و2006، وحرب العدو الصهيوي على غزة.

إن حرب اليوم تنصب على الإرادة الجماهيرية وعلى روح الأمة ومواطن القوة والصمود والعزيمة فيها. ولذلك يوجَّه الخطاب المعادي والخطاب الانهزامي، " خطاب الواقعية الانهزامية "، معاً إلى الأمة، سواء أكان خطاب أعدائها أم خطاب أبنائها المرتبطة مصالحهم بالأعداء والمنهزمين أمام العدو منذ زمن بعيد؛ يوجَّه ذلك الخطاب ليدمر إرادة الأمة ومقومات وعيها وصمودها وروحها المعنوية، وليلحق اليأس لا الإحباط، بأبنائها، ويغرس الإحساس بالدونية في نفوس أجيالها القادمة؛ ويسوغ بنظر أولئك جميعاً سلام الاستسلام وخطواته واتفاقياته، ويقدم رموزه المهزومة والمتواطئة أبطالاً وحكماء ونماذج حضارية؟! كما يسوِّغ نبذ التطلعات والطموحات العادلة والمشروعة والكريمة: المقاومة،التحرير، النهضة، إقامة المشروع القومي، امتلاك العلم والتقانة ومقومات القوة، المحافظة على الذاكرة والوجدان القوميين سليمين من النخر والتخريب والتشويه؛ والدعوة إلى الاستعاضة عنها بالخنوع والاستكانة وتدني سقف الرؤى والطموحات والتطلعات الفردية والجماعية.

إن الخطاب الانهزامي وخطاب الهزيمة و" الواقعية الانهزامية" للموالين للصهيونية والغرب الاستعماري، كل ذلك ينصب على عقل العربي ووجدانه وروحه وذاكرته وشخصيته الثقافية وعقيدته، في كل لحظة من لحظات الليل والنهار، ليغرس فيه الدونية ويجعله "يختار" الاستسلام والهزيمة الأبدية.

إن أعشاش الهزيمة مليئة بالفراخ، فهل يستنسر البغاث بأرض العرب الرافضين للهزيمة، أم تراهم يهزمون التخاذل وأعشاشه والصهيونية والإمبريالية الأميركية وما تزرعانه من عملاء، ما تنشرانه من تثبيط وبؤس ويأس، في إطار ترويجهما لمشروعهما الاستعماري -العنصري الاستيطاني، الذي يشكل النقيض التام والضد القوي لأي مشروع نهضوي عربي، يحفظ وجوداً متطوراً، ويحقق حضوراً فاعلاً في كل مجالات الحياة؟!