خبر الأقرب الى نصر الله..يديعوت

الساعة 11:28 ص|20 أغسطس 2010

 بقلم: سمدار بيري

تم اجراء اعتقال "الأمير"، وهو سياسي كبير ذو القرب والمعلومات الاستخبارية الغنية، بتهمة التجسس لمصلحة اسرائيل، بعملية مشتركة سرية. فبدل قرع باب شقته الفخمة في ضاحية التنزه الفوارة في جونية في الهزيع الاخير من الليل، واثارة ألسنة الجيران الطويلة، نجحوا في جر العميد (احتياط) فايز كرم الى موقع مغلق خفي.

        حتى كرم الذي أرسل اذ كان رئيس شعبة مكافحة التجسس في الاستخبارات العسكرية غير قليل من خلايا الاعتقال لم يسمع قط عن وجود الموقع الذي استدعي اليه في احتيال. كان على ثقة بأن مستضيفيه من "شعبة المعلومات" معنيون بسماع رأيه في مشتبه فيهم مستهدفين، يوشكون أن يعتقلوا في موجة الاعتقالات الطاغية. عندما جلس قبالتهم مستريحا، في الليلة بين الثلاثاء والاربعاء قبل اسبوعين، عرضوا عليه قهوة وسيجارة، وبغير اضاعة وقت أخرجوا سلسلة صور وثقته في لقاءات مع مشغليه في اوروبا، وقطعا من أحاديث هاتفية مشفرة الى خارج لبنان. ودقت فوق رؤوس المحققين ساعة: "اذا لم تنجحوا في استخراج اعتراف منه في غضون ساعة"، كما أرشدهم المدعي سعيد ميرزا، "أو نجح كرم في اقناعكم بأنه لا يعمل  من اجل الموساد – فأطلقوه من الفور".

        غير ان كرما وهو في الثانية والستين، وهو اليد اليمنى للجنرال الماروني ميشيل عون، زعيم حزب "القوميين الاحرار"، كسرت إرادته بعد خمسين دقيقة. على حسب رواية المحققين، لم تنشأ حاجة الى استخراج الاعتراف منه بالتعذيب. فلم يقيدوا يديه ورجليه، ولم يجلدوه ولم يهددوه. "أجرينا مع المشتبه فيه حديثا موضوعيا، وعرضنا سلسلة التعقب والصور، وقلنا له انه مستهدف لنا منذ ستة أشهر"، كما أبلغ احد المشاركين في الحادثة.

        بعد ان وقع على الاعتراف، نقلوا كرما الى موقع تحقيقات الاستخبارات العسكرية.

        تلقى رئيس لبنان، ميشيل سليمان، الذي يعرف كرما منذ ايام خدمتهما المشتركة في جيش لبنان التقرير عن الاعتقال اولا. وأبلغوا بعده الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن "السمكة السمينة في أيدينا". على حسب جميع الدلائل في الميدان، كان نصر الله هو الذي زود بالذخيرة، وضغط لتصفية الحساب مع كرم. وفي شأن ابلاغ الجنرال عون، انتظر المدعي العام ميرزا حتى السابعة والنصف صباحا من غد الاعتقال، واكتفى بحديث هاتفي قصير. "اعتقلنا فايز كرم، واعترف بالتجسس الخطير لاسرائيل". حسب عون الداهية من الفور مقدار الاضرار بصورة حزبه والتف بالصمت.

        خرجت وسائل الاعلام الفوارة في بيروت بعناوين صحفية ضخمة عن "ضربة شديدة"، ووصفت كيف استصرخوا من باريس هند، زوجة فايز كرم الحقوقية، وكيف انفجرت ببكاء هستيري في صالون بيت عون وحظيت باحتضان تسلية ومداعبة من الجنرال وزوجته. ومع ذلك لم يعد أحد بالتأييد او المساعدة القانونية لعائلة "الخائن". وكان رد عون المعلن: "لا يوجد ما نفعله، فحتى المسيح خانه احد الحواريين. من لا يأخذ في حسابه ضعف الانسان، ومن لا يستعد لامكان الخيانة هو أحمق خالص". لكن الرد عاد اليه مثل عصا مرتدة في اسلوب: "سيأتي دوره أيضا".

        هب لمساعدة كرم العميد (احتياط) هشام جابر، الذي جرى بين قنوات التلفاز كي يتوسل قائلا: "انتظروا اسبوعا آخر وستتضح الحقيقة. لا أصدق أنه كان لكرم دافع الى خيانة وطنه: فقد أتى من عائلة شريفة، وكان والده جنرالا ولم تكن له مشكلات مالية. فلماذا يعمل مع استخبارات العدو؟" كذلك رفض العميد زياد محروس، صديق كرم ان يصدق. "من يتابع ما يحدث اليوم في لبنان، يستطيع ان يخمن بسهولة من الذي يلفق له القضية".

        مر اسبوع آخر، ونقل كلام بدل ان يحرر من الاعتقال من المدعي المدني الى الجنرال صقر، المدعي العام العسكري، ويعني هذا انه اذا وجد مذنبا فينتظره الحكم عليه بالموت. ويوصي هذا ايضا السفراء والدبلوماسيين أن لا يحاولوا التدخل. ألقي على التحقيق تعتيم كامل، وتلقت وسائل الاعلام رسالة تهديد شديدة، تحذر من يحاول نشر كلمة واحدة عن القضية بغرامات مالية باهظة. يقول عضو مجلس الشعب سيمون ابو رامية: "اذا خان فايز كرم فانه لم يفعل ذلك من اجل المال بل من اجل الانتقام من سورية وحزب الله وكل من أمروا حياته".

        اتهم كرم بثلاث مواد تجسس: الاتصالات الطويلة (30 سنة!) بمندوبين عن جماعة استخبارية لدولة معادية، وجمع ونقل معلومات، وزيارات لاسرائيل من أجل توجيهات وجها الى وجه مع مستعمليه وتلقي مهمات. ويزعمون أنه قال في تحقيقاته إن مستعمليه هم الذين أوصوا (وربما مولوا ايضا) بأن ينشىء شبكة حوانيت في باريس ليسوغ أسفاره الكثيرة الى الخارج.

        تعذيب في السجن السوري

        صور "الأمير" مع قبعتيه بكونه سياسيا ورجل سر ميشيل عون، حليف حزب الله، وضابط استخبارات ممتازا، عرف أدق أسرار أجهزة الاستخبارات، صور على أنه كنز ثمين لمشغليه. صحب عونا في زياراته لعناوين نصرالله السرية، وكان شاهدا على أحاديث مع مسؤولين كبار من العالم العربي والاسلامي، واعتاد لقاء قمة القيادة العسكرية في نادي الضباط. وكان يستطيع بتحليلاته ان يربط بين المزاج العام السياسي والسلوك الأمني. وهكذا في استشاطة غضب قبل بداية محاكمته، قضى نصرالله حكمه وطلب ألا يؤجل تنفيذ العقوبة. "ما دمنا نتردد ونؤجل الحكم بالموت على الخونة، فستظل استخبارات العدو تحتفل وتعمل في لبنان بغير عائق".

        عرضت لفايز كرم ثلاث مرات على الاقل في طول حياته العسكرية في القمة، وهو من مواليد زاجرتا شمالي لبنان، فرص لقاء نظرائه الاسرائيليين. في 1972 أرسل لدورة استكمال للمشاة في مونبليه في فرنسا، مع ضباط من الجيش الاسرائيلي، وبعد مرور أربع سنين جرت عليه في قواعد للجيش الامريكي سلسلة استكمالات استخبارية مهمة الى جانب اسرائيليين هذه المرة ايضا. وفي 1982 أصبحت قيادات الجيش في بيروت موقعا للحج، وخطط ضباط من الجيش الاسرائيلي ومن جيش جنوب لبنان برعاية المرشح للرئاسة بشير الجميل، خططوا معا كيف يفكون قبضة سورية على لبنان.

        على حسب الشبه، اجتمع عون مع كرم فقط في تلك الايام مع الضيوف من اسرائيل. بعد مرور ثماني سنين، عندما شدد جيش سورية قبضته على لبنان، القي كرم في سجن "المزة" السيء السمعة في سورية، وجرى عليه تعذيب شديد، وسرح بعد خمسة أشهر، وهرب الى أثر صديقه الجنرال الى جلاء طويل في فرنسا. غير أن عونا هرب بحماية الاستخبارات الفرنسية اما كرم فساعده الاصدقاء من الكرياه في تل أبيب.

        انضمت اليه في باريس زوجته هند وولد لهما الابن وجيه والبنت ميرا. هذا الاسبوع، عندما امتلأت وسائل الاعلام في بيروت بتسريبات "عن اعترافات الجاسوس الكبير الدراماتية"، هددت ميرا بدعاوى تعويض على "من يصرون على نشر الاشاعات والاكاذيب". لكن القضية المثيرة لم تختف. حاول محللون في بيروت الالتفاف على أوامر منع النشر، وأثاروا سؤال كم سنة عمل كرم مع الاستخبارات الاسرائيلية، ولماذا لم تجهد "آذان العدو وعيونه" في تحذير "الأمير"  بأنه مستهدف.

        اصبح أفاضل المحللين في لبنان مستعدين اليوم بأن يقسموا بأن سني العيش الـ 13 في الجلاء استغلها مستعملو كرم استغلالا جيدا ويزعم آخرون ان كرما انتهت مهمته من جهة اسرائيل بعد ثلاثين سنة، ولهذا لم يجهدوا أنفسهم في تحذيره،  ولم يحاولوا تهريبه مرة اخرى.

        أصبح منزل الزوجين كرم موقع لقاءات المسؤولين الكبار الذين اضطروا الى مغادرة بيروت، لكن أتى أيضا زوار بالاخفاء "من دولة مجاورة غير صديقة". وفي أثناء ذلك افتتح كرم سلسلة مغاسل للتنظيف الجاف وانضم الى صفقات استيراد وتصدير الى لبنان ومنها.

        أحتاجك قربي

        في 2005، بعد 11 يوما من هرب آلاف جنود الجيش السوري من لبنان، أنهى عون وكرم الفصل الفرنسي وعادا الى الوطن. لم يسترح عون لحظة واحدة فقد أنشأ حزب "القوميين الأحرار"، وانضم فجأة الى بشار الأسد، وأصبح حليف نصرالله، وعين كرما الامين العام للحزب. لكن هذا لم يكف كرما. فقد حاول مرتين ان ينافس على مقعد في البرلمان، واضطر في السنة الماضية الى التخلي عن خططه السياسية، عندما أبلغه الجنرال عون قوله: "أحتاج اليك قربي".

        هكذا انضم الى اللقاء السري مع نصرالله وهكذا، كما يزعم المحققون الان، علم مستعملوه في الوقت المناسب لا أين يختبىء نصر الله على وجه الدقة فقط بل ما الذي يخطط له.

        قبل أشهر معدودة من اعتقاله اهتم "المكتب الثاني" للاستخبارات اللبنانية وهو صيغة مدنية – عسكرية من الموساد، بتصوير اللقاءات وتوثيق التفصيلات والتواريخ. يزعمون ان كرما نجح في الهرب من لبنان بمساعدة أصدقائه الاسرائيليين، الذين انتظروه غير بعيد عن بلدة جزين جنوبي لبنان، وحملوه في طائرة.

        حرص كرم في جميع اللقاءات الصحفية مع وسائل الاعلام اللبنانية، بطبيعة الامر، على اظهار موقف وطني متشدد من العدو الاسرائيلي. قال: "لبنان غير معنية بالتوقيع على اتفاقات متكلفة مع عدو لا ينوي سلاما كاملا حقيقا. يجب عليهم قبل ذلك انهاء قضيتهم مع سورية، والخروج من المناطق المحتلة من لبنان وسورية، وبعد ذلك سنرى ونقرر".

        الان، بعد الدهشة التي اصابت القيادة في بيروت، وبعد أن لم يسرح "الأمير" بعد اسبوع، من المثير أن نعلم صورة كرم صدعت لكنها لم تفن. يرفض الرئيس السابق أمين الجميل أن يلصق به صورة الخائن، ويقول احد رجال الاكاديميا: "في لبنان، كما في لبنان، لا تستطيع  ان تضمن حياتك بغير ان تعمل لمنظمة استخبارية اجنبية: الامريكيين او الفرنسيين او المصريين او المخابرات السعودية او الحرس الثوري في ايران او المخابرات السورية او الموساد. لا نتجر بالسلع فقط"، يقول بغير ان يتلعثم. "ربونا منذ سن مبكرة على أن نتجر في كل يقع تحت أيدينا ونحن نعمل بحسب العرض والطلب".

        يزعم أحد كبار مسؤولي جيش لبنان الجنوبي في السابق، وقد فتح أبواب الحدود لكرم في دخوله وخروجه من لبنان ان اعتقاله يرمي الى ان يكون تحذيرا  لحليفهم عون بقولهم "لا يوجد أصدقاء في السياسة ونحن نعلم كل شيء عنك ايضا".

        لا أعلم من أجل من

        في غضون اقل من سنتين ،وبعد ضغوط لا تنقطع من نصر الله وبمساعدة معدات أمريكية محكمة، اعتقل في لبنان أكثر من 120 مشتبها فيهم بالتجسس لاسرائيل. "كما تجمع اسرائيل المعلومات من كل من تستطيع – الشيعة والمارونيين والسنيين والارمن من القدماء والصغاء الشأن – تستعمل لبنان حلبة تجسس على حزب الله والجيش ورؤساء الحكم وكبار المسؤولين من العالم العربي، والمفوضيات الاجنبية وكل ما يجول"، يبين خبير استراتيجي قديم من بيروت. "في مرات كثيرة لا يعلم العميل البتة انه يعمل من اجل الاستخبارات الاسرائيلية. فان المستعملين يعرفون انفسهم بأنهم روس او فرنسيون او عرب ويحصل المجند على دفعات ثابتة ولا يحلم بأنه يبيع الموساد الاسرار".

        حتى اليوم حكم على 5 فقط بالاعدام ممن دينوا بالتجسس لاسرائيل، بعد أن أثبت المدعي العام أن نشاطهم أفضى "الى اغتيال مركز مخطط له لمواطنين لبنانيين". في حالة "الامير"، ليس واضحا حتى الان كيف ستنتهي القضية. فحزب الله يسعى من جهة الى الاعدام، الذي ينضم الى جهود نصر الله في اتهام اسرائيل باغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري. ومن جهة يوجد لكرم الكثير جدا من الأصدقاء وعندهم أيضا ما يقولونه.

        بعبارة أخرى: المعركة التي تجري من وراء ستار وفي تعتيم تام تنحصر في السؤال الرئيس وهو من يسيطر اليوم على لبنان حقا. اذا حكموا على كرم بالموت، على غير رضا من رئيس الحكومة الحريري ومقربيه (الذين قضوا أياما وليالي مع كرم في باريس)، فسيكون هذا انتصارا مثلثا لنصر الله: فهو سيصفي الحساب مع من سلم اسراره، وسيصفي حسابا طويلا من أجل الاسد ويرسل تحذيرا تهديدا للعدد الكبير من العملاء والمتعاونين.

        في هذه الاثناء، حتى تقديم لائحة الاتهام، يوجد لـ "الامير" أمل وان يكن ضعيفا في الخلاص من الاعدام. يرددون في بيروت الان قصة عن صفقة تعقد لاتهام كرم باجراء اتصالات بالعدو فقط، ونقل مزاج عام سياسي وتقديرات وضع سياسية. ان فم نصر الله الكبير، وعلى غير عمد مهد الطريق للصفقة عندما افتخر بمبلغ اهمية حياته للاسرائيليين. "بسبب الخائن تتبعوا أثري ولم يحاولوا اغتيالي برغم ذلك".

        تتعلق حياة العميد فايز كرم مهما يبدو ذلك ساخرا، بمصير نصرالله والأسد الان. فاذا ألقت لجنة التحقيق الدولية عليهما المسؤولية عن اغتيال الحريري فانه ينتظرنا عرض مرعب مع الكشف كيف أرسل الموساد والاستخبارات الاسرائيلية وكثيرون في القدس  وتل ابيب كرما لتنظيم القاعدة من أجل الاغتيال. واذا لم يصدر فيهما أمر تسليم فسيقضي "الأمير" شهورا طويلة في السجن العسكري وربما يظهر ذات يوم في مكان ما بعيد عن لبنان.