خبر كتب :أحمد الأشقر .. « فياض » ينتظر الجندي الاسرائيلي حتى يربط حذاءه!

الساعة 11:55 ص|19 أغسطس 2010

كتب :أحمد الأشقر .. "فياض" ينتظر الجندي الاسرائيلي حتى يربط حذاءه!

ليس حزنا اعتياديا ذلك الذي يعتريك حين تشعر بمرارة القهر تتكرس في أبهى تجلياتها على حاجز الاحتلال العسكري قرب 'بيت ايل'، انت ورئيس الحكومة تقفان سوية في طابور من السيارات تنتظر العبور الى رام الله، كل مرة يفتح الحاجز أبوابه للسيارة الفارهة ذات لوحة الأرقام الاسرائيلــــية التي تقل الدكتور سلام فياض القادم من القـــــدس، أصبحت أحس بالألفة مع المكان لأن ذلك الأمر يحدث كل يوم وبشكل اعتيادي جدا وكأن الـــــحاجز نقــطة عبور فلسطينية ولوحة الأرقام الاسرائيلية لسيارة دولة الرئيس أمر اعتيادي جدا، نحن هنا كل يوم في طابور صباحي يضم حشدا من كبار موظفي الحكومة ننتظر العبور، يا الله كم ينقصنا نشيد وطني هنا ..

هذا اليوم بدا الأمر مختلفا نسبيا، لم يفتح الحاجز ابوابه بهذه السرعة المعتادة، الدكتور سلام فياض الذي وصفه بيريس 'ببن غوريون' فلسطين يتأخر هذا اليوم عن دوامه الحكومي خمس دقائق هو الذي اعتاد موظفوه ان يقف على رؤوسهم عند مطلع الثامنة صباحا، الجندي الاسرائيلي الذي يقف على الحاجز فضل أن يربط حذاءه قبل ان يشير لسيارة رئيس الوزراء بالعبور. الموظفون القادمون الى دوامهم الرسمي في تلك اللحظة انتبهوا للامر ووضعوه في سياق الاوضاع الاعتيادية التي لا تشكل فرقا، امتعضت كثيرا حينما أحسست أن ذلك الجندي القميء يتعمد التأخير بطريقة ساخرة جدا، تساءلت، هل للامر علاقة بالمفاوضات المباشرة وغير المباشرة، ماذا نسمي التفاوض مع هذا الجندي حتى يسمح لنا ولرئيس وزرائنا بالعبور سريعا، مفاوضات مباشرة ام غير مباشرة؟

الأمريكيون الذين يركبون سيارات سوداء ضخمة تراها منتشرة في شوارع رام الله يعرفون ماذا يحدث هناك، هذا الجندي الواقف على حاجز بيت إيل ربما يكون ابناً لأحد الحاخامات الذين يرون بسلام فياض خطرا كبيرا على مشروعهم التوسعي، أو على الأقل هكذا يبدو الأمر، لكن الأمريكيين هؤلاء يغمضون عيونهم كي لا يروا عكس ما يقول بيبي نتنياهو ويرسلون ميتشيل للضغط على الفلسطينيين الذين لا زالوا ينتظرون على الحاجز وفي مقدمتهم رئيس وزرائهم بانتظار إشارة هذا الجندي للعبور، فهل في الأمر مفارقة؟

السفراء العرب الذين يجوبون شوارع رام الله بسياراتهم الدبلوماسية ويزورون مقر الرئاسة الفلسطينية يعرفون ان هذا المقر المشهور باسم 'المقاطعة' يبعد سبعمائة متر تقريبا عن حاجز بيت إيل الذي يقف عليه هذا الجندي وان منزل الرئيس يبعد حوالي أربعمائة متر عن هذا الحاجز فقط، السيد الرئيس الذي مر موكبه البارحة عن حاجز بيت ايل تتقدمه إحدى سيارات الشرطة الإسرائيلية مثلما يحدث حين يقرر مغادرة رام الله يستقبل العرب بحفاوة وهو يعرف أنهم يمرون من امام هذا الحاجز مثله تماما ويرون كل هذه المستوطنات والقضم اليومي للأرض الفلسطينية، 'هنا تسقط الحصانات الدبلوماسية أمام هذا الجندي'، هؤلاء العرب الواقفون على الطابور يمارسون ضغوطا هائلة على الرئيس الذي لا يملك من أمره شيئا أمام جنون العظمة الاسرائيلي ويستعرضون عضلاتهم عليه في حين يقول سائق الدبلوماسي المصري للجندي الاسرائيلي الواقف على حاجز بيت إيل 'بوكرتوف' قبل ان يعرض عليه جوازات السفر ويبتسم له ابتسامة دبلوماسية جدا .

في طريق الدخول او الخروج من حدود دولة رام الله المؤقتة إلى غيرها من الكنتونات التي جاءت بها أوسلو لا بد ان يمر كل زوار رام الله من الدبلوماسيين وغيرهم من على حاجز بيت إيل، هذه حقيقة الاحتلال التي أراها كل يوم في الطريق الى رام الله، أصبح هؤلاء يرون مثلنا عشرات المستوطنات التي تبنى على رؤوس الجبال، عشرات الكرفانات التي تتنقل في مشهد دراماتيكي مريع، المستوطنون ذوو الطواقي الصغيرة على الرأس والذقون الطويلة والسوالف التي تمتد حتى الخصر ينتشرون في كل مكان وهم يحملون أسلحتهم الرشاشة القصيرة، نساء المستوطنين يجلسن بانتظار من يقلهن الى أماكن بعيدة ربما الى تل أبيب أو القدس المحتلة، آمنين مطمئنين أن لا فعل مقاوم هنا، أصبح المكان مريعا جدا وتفوح منه رائحة الكراهية حتى من شجر الزيتون الذي يرمق الرجال والأطفال والنساء المقهورين في كل بقاع فلسطين المحتلة، في طريقي اليومية الى رام الله بت مقتنعا أن الأرض هنا مصابة بسرطان الثدي وأن حليبها مشوه تماما كواقعنا السياسي .

سيقول لي أحدهم 'نحن يجب أن لا نقبل بالتفاوض المباشر، يجب أن نفاوض بشكل غير مباشر.

حسنا، سأحاول إقناع الجندي الواقف على حاجز بيت ايل بذلك.

 

' كاتب من فلسطين