خبر نعم للتحقيق! -هآرتس

الساعة 08:59 ص|19 أغسطس 2010

نعم للتحقيق! -هآرتس

بقلم: ألوف بن

 (المضمون: يجب التحقيق في قضية وثيقة غلانت لاستخلاص الدروس  - المصدر).

        وقعت "قضية لافون" قبل أن أولد. عرفت  بها من قراءة الكتب، التي كان أنجحها كتاب شفتي تبات "كلبان – لماذا سقط دافيد بن غوريون؟". لا يوجد مصدر افضل منه لفهم السياسة الاسرائيلية، وهو يقرأ ككتاب توتر عاصف فهناك قضية تجسس، وعلاقات جنسية في  القمة، ومؤامرات في الجهاز السري، ودسائس سياسية وحيل وسائل الاعلام. ويكمن فيه خاصة درس مهم للصحفيين من المؤلف الذي كان من أسود المهنة وهو أننا لن نعلم أبدا كل شيء، وأن وراء كل قصة ننشرها تكمن قصة أعمق وأكثر أسرا.

        نظرت هذا الاسبوع من جديد في الكتاب ليكون مفتاحا لفهم "قضية غلانت" التي تهدد بنقض القيادة الأمنية. الخلفية والفترة مختلفتان، لكن الشبهة متشابهة: ففي القضيتين، زيف ضباط وثائق من اجل توريط وزير الدفاع واسقاطه. أفضى بنيامين غبلي ومرؤوسيه في أمان في الخمسينيات الى عزل الوزير بنحاس لافون، بعد ان الصقوا به المسؤولية عن "عمل الخزي". الذي كان أعمال تجسس وتخريب في مصر انتهت الى سقوط الشبكة الاسرائيلية. بعد ذلك بخمس سنين، عندما علم لافون بتزييف الادلة عليه، ثار وخرج لنضال عن سمعته الطيبة. انشق الحزب الحاكم من الداخل؛ وأبعد لافون عن قيادة الهستدروت، وفي طريقه الى أسفل جر وراءه مؤسس الدولة دافيد بن غوريون.

        يسأل تفات لماذا سقط بن غوريون ويجيب: لانه امتنع من تحقيق الشبه للتزييف في أمان، بعد أن دخل وزارة الدفاع بدل لافون. علم بالمعلومات التأثيمية واستجاب ضغوط القيادة العسكرية وترك الأمر. "اخفاق عدم التحقيق" منح الهدوء في الأمد القصير، لكنه عمل مثل جرثومة سممت الجهاز من الداخل، حتى انهار فوق مؤسسه. رفض بن غوريون أن يصم الجيش الاسرائيلي، العزيز على نفسه، بشبه بأعمال غير اخلاقية، ودفع الثمن بسقوطه عن الحكم وتحطيم مباي.

        الدرس من القضية القديمة واضح وهو انه لا يحل طمس الحقائق ومن الواجب التحقيق، لان طمس الحقائق يحدث عفنا وينقض الجهاز. لكن الدرس لم يستوعب. فقد كان ميل رؤساء الاركان والساسة الطبيعي وما يزال تجاهل الشبه غير اللذيذة وتفضيل الراحة السياسية، مؤملين ان يتلاشى السم من تلقاء نفسه. لا يريد أحد ان يمس وثيقة ساخنة قد تحرق اصابعه. يسهل تسويغ الامر بالزعم الباطل من قبيل "دعوا الجيش ينتصر ولا تجروا الضباط على غرف التحقيق"، أو "سيشل الجيش اذا زود كل ضباط بمحام". هذه غوغائية. سينقض الجيش اذا أكل من الداخل بالشبه والشكوك لا اذا كشف عن الحقيقة. هذا ما حدث بالضبط في سلاح الجو في قضية الضابط الوغد رامي دوتان، الذي تمتع بدعم وتأييد قادته حتى أسقط ثقل الادلة معارضتهم التحقيق وأفضى الى اعتقاله وسجنه.

        اذا تحققت الشبه الحالية، فان "وثيقة غلانت" كانت كثمرة علاقة داخلية في الجيش او في محيطه المباشر (ضباط الاحتياط الكبار)، الذين زيفوها في محاولة لتوريط وزير الدفاع ايهود باراك واللواء يوآف غلانت وليلصقوا بهما استعمال العلاقات العامة والاحتيالات السياسية والاعلامية لتعيين غلانت رئيسا للاركان. كادت المؤامرة تنجح: فبعد ان سربت الوثيقة الى القناة الثانية، نشأ انطباع ان مقربي باراك مشاركون في مؤامرة قذرة لتعظيم غلانت ووصم رئيس الاركان غابي اشكنازي ونائبه بني غنتس. تبدلت الريح الان فقد اصبح باراك وغلانت يبدوان ضحيتين ويبدو اشكنازي محتالا.

        مثل بن غوريون في حينه، اخطأ اشكنازي ايضا بـ "اخفاق عدم التحقيق" عندما وصلت الوثيقة الى يديه. واذا كان قد حدث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عنها فان نتنياهو ايضا أخفق بعدم الزعامة. واذا علم نتنياهو أن رئيس الاركان ووزير الدفاع في خصومة بلغت أن لا يتحدث أحدهما الى الاخر، كيف سافر الى الخارج وترك للخصمين علاج القافلة البحرية التركية؟ ألم يدرك أن شقاقا كهذا في القيادة الأمنية سيكون مدعاة الى كارثة ساعة الامتحان؟

        لو أن القضية حققت في أسرع وقت – فأشكنازي يملك الوثيقة منذ نيسان – لخرج الصديد قبل قضية القافلة البحرية بكثير، ولاستطاع نتنياهو وباراك ترتيب الامور في قيادة الجيش. كلف اخفاق عدم التحقيق رؤوس الدولة والجيش تهاوي سلطتهم، وتسويد صورتهم، والاخلال بالاخلاق والمسؤولية وأخوة المحاربين في الجيش، كما حدث بالضبط لاسلافهم في قضية لافون.