خبر « الحرية » لقتلة المبحوح.. د. مصطفى يوسف اللداوي

الساعة 09:13 م|15 أغسطس 2010

" الحرية " لقتلة المبحوح.. د. مصطفى يوسف اللداوي

 

هذا ماكان يجب علينا أن ندركه منذ البداية، عندما اشترك في ارتكاب جريمة قتل المبحوح في دبي أكثر من ثلاثين رجلاً وإمرأة، يحملون جوازات سفر دولٍ أوروبية عدة، منها البريطانية والفرنسية والألمانية والأسترالية، إذ ما كانت هذه الجريمة لتتم لولا تعاون وتواطؤ الأجهزة الأمنية الغربية مع جهاز الموساد الإسرائيلي، فهم قد خططوا معاً، وقرروا مع حكومات بلادهم معاً، وعند التنفيذ كانت حكوماتهم على علمٍ مسبق بالجريمة، فقد وصل المجرمون جميعاً إلى دبي قادمين إليها من عواصمِ دولٍ أوروبية، مستفيدين من التسهيلات التي تقدمها حكومة دبي إلى مواطني الدول الأوروبية، ولم يكونوا وحكوماتهم يتصورون أن شرطة دبي ستكشف خيوط الجريمة، وستفضح المجرمين، وستكشف عن أسماءهم وصورهم، وجنسية بلادهم، وستضع بين يدي العالم كله بالصورة الدامغة، والأدلة القطعية، التفاصيل الدقيقة لتحرك المجرمين في دبي وقبل وصولهم إليها، وقد حاولت الحكومات الأوروبية ذر الرماد في عيون العرب، عندما أعلن مسؤولهم عن غضبهم واستياءهم من استخدام جهاز الموساد الإسرائيلي لجوازات سفر بلادهم في تنفيذ الجريمة، وقامت بعض الحكومات بطرد دبلوماسيين إسرائيليين من بلادهم، مدينين الجريمة الإسرائيلية، ولكن هذه الغضبة "المضرية" الأوروبية كانت غضبةً كاذبة، ومحاولة قذرة لخداع العرب والمسلمين، وامتصاص نقمتهم، والتخفيف من حدة غضبهم، فلم تكن خطواتهم جادة، كما لم تكن غضبتهم صادقة، فهم وإسرائيل شركاء في الجريمة، ويتقاسمون معها المسؤولية، ويتحملون معها تبعات الجريمة، ولكنهم تفاجئوا بما قامت به شرطة دبي، وبالحقيقة التي بدت عارية أمام العالم.

 

قد أخطأ الكثير من العرب عندما اعتقدوا أن إسرائيل قد وقعت في أزمة مع الدول الغربية، وأن علاقاتها قد تضررت مع حكومات دول أوروبا، وأن تداعيات توريط الموساد الإسرائيلي لحكومات الدول الأوروبية ستنعكس سلباً على تعاون ومساندة الدول الأوروبية لإسرائيل، التي ستتخلى عنها، وستحاسبها على جريمتها، ولن تغفر لها خداعها وتوريط بلادها، واستخدام التسهيلات التي تتمتع بها في تنفيذ الجريمة، وقد عبر الكثير من العرب عن ابتهاجهم للحماقة الإسرائيلية، التي أوقعتهم في شراك أعمالهم، والتي حولت جريمتهم إلى فضيحة كبيرة، لا يستر عيوبها نجاجهم في قتل المبحوح، وحبس كثيرٌ من المواطنين العرب أنفاسهم عندما قامت السلطات البولندية باعتقال عميل الموساد الإسرائيلي المتهم بالمشاركة في اغتيال المبحوح أوري بروديسكي، واستبشرت خيراً أن الحكومة الإسرائيلية ستبدأ في دفع ثمن جريمتها، وأن جهاز الموساد الإسرائيلي سيحاكم في أوروبا، وستكف يده في العواصم الأوروبية، وستحول دون قيامه بالتخطيط لأي جريمة أخرى على أرضها، وستتوقف أجهزة الاستخبارات الأوروبية عن التعاون معه، وتزويده بالمعلومات والوثائق التي يطلبها.

 

ولكن قرار السلطات الألمانية التي تمكنت من استلام عميل الموساد الإسرائيلي من الحكومة البولندية، بعد إجراءاتٍ قضائية وسياسية بين حكومتي البلدين استمرت شهراً كاملاً، بإطلاق سراح المتهم الإسرائيلي بالمشاركة في جريمة اغتيال محمود المبحوح لم يكن مفاجئاً، رغم أنه خيب ظنون البعض الذين كانوا يراهنون على نزاهة الحكومات الأوروبية، ولكن المطلعين على حقيقة العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، كانوا يدركون أن الحكومات الأوروبية لن تتخلى عن إسرائيل، ولن تتركها تواجه وحدها تداعيات الجريمة، ولن تسمح لحكومة دبي بمواصلة ملاحقة المجرمين القتلة، وأنها ستقف في وجه الإجراءات الإماراتية، وستجهض جهودها، وستضع العراقيل أمام خطواتها، إذ لم يمض يومٌ واحد على تسلم الحكومة الألمانية للمجرم أوري بروديسكي من الحكومة البولندية التي ألقت القبض عليه، حتى سارعت بالافراج عنه، ونفي التهمة عنه، والسماح له بمغادرة الأراضي الألمانية، والعودة إلى "إسرائيل"، في خطوةٍ وقحة، وتحدٍ كبير لمشاعر العرب والمسلمين، واستخفافٍ بالقرائن والحقائق والأدلة، فكانت رسالة ألمانية واضحة لإسرائيل، أنها لن تتخلى عنها، ولن تترك مواطنيها نهباً للتحقيقات والتوقيفات، وأنها لن تسمح للقضاء بالتدخل في علاقاتها مع إسرائيل، وأنها تساند الحكومة الإسرائيلية في جريمتها، وتؤيد ما قامت به، فهي وحكومات الدول الأوروبية يرون أن الشهيد المبحوح كان يهدد السلم والأمن في المنطقة، وأنه كان يعرض أمن إسرائيل للخطر، لهذا وجب قتله وتصفيته، وأن على العالم كله أن يتفهم الأسباب الموجبة التي دعت الحكومة الإسرائيلية لقتل المبحوح، والتخلص منه، وكأنها بخطوتها تشرع للحكومة الإسرائيلية الشروع في جرائم جديدة، وتمنحها الغطاء السياسي لمواصلة جرائمها ضد أبناء الأمة العربية.

 

ما قامت به الحكومة الألمانية، وما ستقوم به حكومات الدول الأوروبية الأخرى إساءةٌ كبيرة للعرب والمسلمين، واستخفافٌ بالجهود الإماراتية الكبيرة التي قامت بها حكومة وشرطة دبي، وهو أمرٌ تحفه الشبهة، ويكتنفه الغموض، وتشوبه أمارات التآمر والخيانة، إذ أن ألمانيا جاهدت مدة شهرٍ لاستلام المشتبه به من الحكومة البولندية، بحجة أنه ارتكب جريمةً تزوير وثائق رسمية ألمانية، وأن جريمته منصوصٌ عليها في القانون الألماني، ولذا طالبت باستلامه لمحاكمته أمام المحاكم الألمانية، ولكنها بعد يومٍ واحدٍ من استلامه، عقدت له محكمة سرية، لم يحضرها أحد، ولم تسمح لوسائل الإعلام بتغطيتها، ونقل حيثيات المحاكمة، وبسرعةٍ فائقة، قررت الافراج عنه بموجب كفالة مالية، وقضت بأنه حر، ويستطيع مغادرة الأراضي الألمانية إذا شاء، إذ أن التهمة الموجهة إليه ليست خطيرة، وأن الغرامة المالية التي سيدفعها تفي بالعقوبة، وأنه يجب مراعاة أنه قضى في السجن في بولندا مدة شهر، وهذه المدة كافية، وقد بات من المؤكد أن إجراءات محاكمة يوري بروديسكي كانت إجراءات سياسية، وأن المستشارة الألمانية قد تدخلت شخصياً لدى أعضاء المحكمة، ولدى جهاز المخابرات الألماني، وأنها طالبت بطي الملف، وعدم تعريض العلاقات الألمانية الإسرائيلية إلى أزماتٍ جديدة، وليس من المستبعد أن يكون مسؤولون أوروبيون آخرون قد تدخلوا لدى الحكومة الألمانية، وأنهم طالبوها بسرعة طي الملف، وإنهاء التحقيقات مع المتهم.

 

الحقيقة التي يجب أن ندركها جميعاً، والتي يجب على المراهنين على العدالة والنزاهة الأوروبية أن يعوها جيداً، أن حكومات الدول الأوروبية لن تنصفنا، ولن تقف مؤازرةً لنا في قضايانا المحقة، وأنها لن تتخلى عن إسرائيل، وستدافع عنها، وستقف إلى جانبها، وستبرر جرائمها، ولن تسمح لأحدٍ بكف يد مؤسساتها الأمنية والعسكرية عن العبث والقتل والتخريب، بل ستمنح إسرائيل المزيد من الثقة، وستطالب الحكومات العربية بالكف عن مطالبتها بملاحقة قتلة المبحوح، وأن تتوقع تكرار ما حدث في ألمانيا في عواصم أوروبية أخرى، وستطالبها بأن تتفهم مبررات اغتيال المبحوح، وضرورات الحرية والبراءة لقتلته، ذلك أن جريمتهم ضده كانت ذات دوافع إنسانية، ولها مبررات أمنية منطقية، وأن الحاجة إليها كانت ضرورية، ودوافعها كانت ملحة، لذا فإن الحاجة إلى منح الحرية لقتلته أصبحت واجبة ومبررة ويجب تفهمها.