خبر «لا أحد يخوض معارك الآخرين»..بلال الحسن

الساعة 10:01 ص|15 أغسطس 2010

«لا أحد يخوض معارك الآخرين»..بلال الحسن

هذه هي «الحكمة» التي يمكن استخلاصها من «المفاوضات حول المفاوضات» التي يديرها الرئيس محمود عباس مع الأطراف العديدة المتعاملة مع الموضوع. من المبعوث الأميركي ديفيد ميتشل، إلى بعض الرؤساء العرب الذين يطلب مشورتهم، مروراً ب"إسرائيل" واللجنة الرباعية الدولية.

لنحدد أولاً موقف الرئيس محمود عباس.

إنه يذهب إلى الجامعة العربية، ويقول لهم إنه يتعرض لضغوط كبيرة وغير مسبوقة من الولايات المتحدة لكي يقبل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة مع "إسرائيل". وهو يذهب إلى الجامعة العربية ليقول لهم إن لديه رسالة ضمانات من الرئيس الأميركي حول مستقبل المفاوضات، حيث يتعهد الرئيس الأميركي بدعم مبدأ حل الدولتين. فماذا تكون النتيجة؟ يستمع العرب إلى الرئيس عباس، ويلاحظون الطريقة التي يعرض بها قضيته عليهم، ويلاحظون أن الرئيس عباس لا يطرح عليهم احتمال موقف فلسطيني يقول برفض الضغوط الأميركية، ولا يطرح عليهم احتمال موقف فلسطيني باعتبار التعهد الأميركي غير كاف، ويستنتجون أن الرئيس عباس يريد الذهاب إلى المفاوضات المباشرة، أي قبول الضغط الأميركي عليه، وقبول الضمان الأميركي غير الملزم المقدم إليه، ولكن بشرط أن يكون هناك تبن عربي لهذا الموقف.

ولقد سبق لعرب الجامعة العربية، أن استمعوا للموقف نفسه من الرئيس عباس قبل أشهر، وقدموا له ما يريد. أي قدموا له تبنياً عربياً لموقف الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة. ولكن عرب الجامعة العربية رفضوا أن يقدموا للرئيس عباس التبني العربي المطلوب للذهاب هذه المرة إلى المفاوضات المباشرة، واختاروا موقفاً آخر، وكانت خلاصة هذا الموقف كما يلي:

أولاً: نحن، عرب الجامعة العربية، لن نخوض المعركة السياسية، نيابة عنك.

ثانياً: نحن، عرب الجامعة العربية، نتعرض مثلك لضغوط أميركية من أجل الموافقة على انخراطك في المفاوضات المباشرة.

 

ثالثاً: نحن، عرب الجامعة العربية، قبلنا وسنقبل ضغوط الولايات المتحدة، لكي نستفيد من العلاقات الودية معها، ولذلك فإن موقفنا هو قبول السعي الأميركي للمفاوضات المباشرة.

 

رابعاً: أما بالنسبة إليك، وإلى موقف السلطة الفلسطينية هل تذهب أو لا تذهب إلى المفاوضات المباشرة، فهو أمر تقرره أنت، ولا علاقة لنا به، فقرر بنفسك إن كنت ستقبل أم لا. إننا ندعمك إن ذهبت إلى المفاوضات المباشرة، ولكن القرار هو قرارك.

 

وخلاصة هذه النقاط الأربع التي شكلت صياغة الموقف العربي، أن الرئيس عباس ازداد حيرة فوق حيرته، وأحس بأنه يقف وحيداً أمام القرار المصيري الذي يريده ويتمناه، وأحس أيضاً أن العرب يريدون منه أن يخوض معركته بنفسه، وأن العرب لن يخوضوا معركته نيابة عنه، وأن عرب الجامعة يعبرون بذلك عن «الحكمة» التي استخلصوها من كل هذا الذي يجري حولهم.

 

وهنا ظهر ديفيد ميتشل، هذا الوسيط العجيب الغريب الذي لم ينجح حتى الآن في أي مهمة سوى مهمة إرضاء "إسرائيل". وهنا أيضاً ظهر بنيامين نتنياهو، وقال بصراحة مطلقة إنه يرفض الذهاب إلى مفاوضات مباشرة على أساس إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967، وهو الشرط الوحيد والأخير الذي طرحه الرئيس عباس ليحفظ به ماء الوجه فقط.

 

وحين وصلت الأمور إلى هذا الحد، كان لا بد من تشاور جديد مع العرب، وتم اختصاره هذه المرة بلقاء مع الرئيس حسني مبارك. ولا نعرف ما جرى بين الرجلين، ولا نعرف ماذا كانت نصيحة الرئيس المصري، ولكننا نعرف أن مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قالت علناً ورسمياً بعد هذا اللقاء، إن الرئيس عباس أصبح قريباً جداً من إعلان الموافقة على الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.

 

المعضلة أمام الرئيس عباس لها الآن وجوه عدة، فهو إذا قبل الوضع الراهن كما هو، وذهب إلى المفاوضات المباشرة بقرار فلسطيني بحت، وليس بقرار عربي، ومع قبول للرفض الإسرائيلي لمرجعية حدود 1967 حسب موقف نتنياهو، يكون قد تراجع عن آخر شرط من شروط حفظ ماء الوجه، في مفاوضات وصفها هو نفسه بالعبثية. ويكون أيضاً وهذا هو الأهم، قد تخلى عن مبادرة السلام العربية، وجوهرها انسحاب "إسرائيل" كامل (ومن دون تبادل أراضي) مقابل تطبيع عربي كامل. فهل يستطيع عباس أن يتحمل وزر هذه المسؤولية تجاه المبادرة العربية؟ يمكن أن نقول نعم سيفعل، ويمكن أن نقول لا لن يفعل. ويمكن أن نخمن أيضاً شيئاً مما دار بينه وبين الرئيس حسني مبارك، حيث الحجة المصرية الدائمة تقول: هل لديك خيار آخر؟ وتقول الحجة المصرية أيضاً: هل تستطيع أن تقف وحدك في وجه أميركا؟ وحيث الحجة المصرية تذكره بأن عرفات قال «لا» للرئيس الأميركي بيل كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد 2000، وكانت النتيجة قتل عرفات بالسم على يد الإسرائيليين. فهل سيستمع عباس إلى النصيحة المصرية، ويذهب حسب هذا الوضع كله إلى المفاوضات المباشرة؟ الأرجح أن نقول: نعم سيذهب، وسيعود ليطرح مقولته الأساسية: نحن طرحنا كل حقوقنا ولكن هذا هو ما استطعنا الحصول عليه.

 

إن الرئيس عباس يواجه هذا الوضع الصعب، بعد أن تخلى بنفسه عن كل الأسلحة الفلسطينية التي كانت مرفوعة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. والسلاح الأول هنا هو سلاح مقاومة الاحتلال الذي كان يجبره دائماً على التفكير في التفاوض. وقد تخلى عباس عن مبدأ «المقاومة»، وقال علناً مرات ومرات، إنه ضد المقاومة، وضد السلاح، وإنه مع التفاوض، ومع التفاوض فقط. وها هو التفاوض الآن يطبق على عنقه كحبل المشنقة. ولم يكتف عباس بالتخلي عن سلاح المقاومة، بل هو أعلن رسمياً مرات ومرات، أن العنف في الانتفاضة الفلسطينية أضر بالقضية نفسها. ولم يكتف عباس بالمواقف المعلنة، بل هو شجع ضرب وتفتيت تنظيم حركة فتح المقاوم للاحتلال، ووافق على إنشاء أجهزة أمنية أشرف عليها الجنرال دايتون تولت مهمة ملاحقة مقاتلي فتح وتطويعهم، ولذلك فهو لا يملك الآن أي سلاح يمكن له أن يستعين به، ليس من أجل مقاومة الاحتلال كمبدأ، بل من أجل تحسين وضعه التفاوضي فقط. ولذلك لم يعد أمام الرئيس عباس سوى السير في الممر الإجباري الذي اختاره حتى النهاية.

 

إن هذا الوضع الذي يواجهه الرئيس عباس الآن، لا يمكن وصفه بأنه وضع صعب، إنه أكثر من ذلك، إنه وضع مأساوي، وضع تراجيدي، وضع يرفع راية خفاقة تقول إن منهج التسوية سقط نهائياً. وهو لم يسقط سياسياً فقط (تم ذلك في مؤتمر كامب ديفيد 2000)، ولكنه يسقط الآن في يد "إسرائيل"، أي في يد العدو، والعدو الآن هو الذي سيقرر الحدود التي سينسحب إليها، والحدود التي ستكون لما يسمى الدولة الفلسطينية. وفي صيغة من هذا النوع لن تنشأ دولة فلسطينية، بل ستنشأ سلطة موظفين تعمل لدى الاحتلال. وهذه مأساة كبرى.

 

وكثيرون من الفلسطينيين يتذكرون الآن بمرارة، تجربة «روابط القرى» سيئة الذكر، وهي تعود بصيغة جديدة أخبث وأخطر.