خبر أمور تعلمتها من أبي مازن..إسرائيل اليوم

الساعة 09:04 ص|12 أغسطس 2010

بقلم: درور ايدار

تضمنت جلبة الايام الاخيرة نبأ أشك في أنه ظهر في مواضع كثيرة سوى "اسرائيل اليوم": ففي مقابلة مع محرري الصحف المهمة في مصر تناول رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، شروط اسرائيل لانهاء الصراع، وعلى رأسها اعتراف فلسطيني واضح في دولة اسرائيل على أنها الوطن القومي للشعب اليهودي. وقال أبو مازن على حسب النبأ إنه "لن يعترف أبدا بدولة اسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي".

        كان هذا النبأ يستحق أن تبدأ به جميع نشرات الاخبار بدل التنقيب المعتاد في السياسة الداخلية. اعتاد مواطنو اسرائيل دعوات متأثرة الى تجديد التفاوض مع الفلسطينيين، والتنديد بحكومة اسرائيل غير المعنية حقا بالسلام وسائر خضروات المعارضة المعروفة. لكن كلام أبي مازن هو أساس ولب الحكاية ها هنا: فالعرب بعامة، والفلسطينيون بكونهم ذراعهم التنفيذية، لم يعترفوا قط بحق اليهود في أرضهم.

        إن سائر الكلام ستار دخان يرمي الى اعماء عيون البرايا عن رؤية الحقيقة كما هي. يحسن أن نكرر الأمر مرة أخرى: يرى الفلسطينيون أن ليس لليهود حق في الاستيطان هنا. هذا هو موقف فتح "العلمانية"، ولم نبلغ حماس بعد، التي قالت في ميثاقها على نحو مباشر أنه لا داعي لمفاوضة اسرائيل لان هذه البلاد كلها كما يرون أرض وقف اسلامية. في ضوء هذا الفهم، يمكن أن نتناول تذمر أبي مازن من الضغوط الكبيرة التي تستعمل عليه لدخول محادثات مباشرة مع اسرائيل. ما الذي سيجري التحادث فيه اذا لم يكن الشيء الاساسي مقبولا عنده، ولماذا توافق اسرائيل على مطالب أخرى ان لم تحصل قط على الأساس؟

        ظهر أبو مازن منذ وقت غير بعيد أمام قادة يهود في الولايات المتحدة، وأعلن هناك باعتدال (كما أبلغ على الأقل) قائلا "لن أرفض أبدا حق الشعب اليهودي في أرض اسرائيل؛ هذا وارد في القرآن".

        فماذا نصدق اذن؟ أما قاله ليهود الولايات المتحدة أم ما قاله في المقابلة الاخيرة. وفي مقابلة ذلك هذا هو الأمر بالضبط – انه يفهم المعنى الحاسم للاعتراف بأن اسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي.

        إن الاعتراف المبدئي بحق الشعب اليهودي في البلاد مهم، لانه ايضا اعتراف بحقه في أن يحارب من أجل تحقيق هذا الحق، فمثلا كانت حرب 1948 عادلة ثم ما تلاها. وينتج عن هذا أيضا أن حق الشعب اليهودي في الدفاع عن نفسه ليس نظيرا مشوها للارهاب العربي، كما نجد أكثر من مرة في الخطاب الليبرالي الغربي وفي الخطاب العربي الاسلامي بطبيعة الامر. إن الاعتراف بحق اليهود  ينفي أساس "حق  العودة" لجموع اللاجئين الى اسرائيل، الذي ليس هو سوى القضاء على اسرائيل بخطاب انساني. لا يستطيع أبو مازن التخلي عن الرواية التأسيسية للجماعة التي يدعي أنه يرأسها (يدعي ذلك لانه أين غزة وحماس في هذه القصة؟).

        ولا تعترف مبادرة السلام السعودية ايضا التي يلوح كثيرون بها بحق الشعب اليهودي في أرضه. لا يمكن دخول المحادثة فيما يلي ذلك اذا لم يكن الأساس موجودا. أبعدت الحكومة الحالية السير الى مناطق خيالية في كل ما يتعلق بخطوات تبني الثقة مع الفلسطينيين مثل: قبول مبدأ "دولتين للشعبين"، وازالة الحواجز مع تعريض اسرائيليين للخطر، وتجميد البناء في المستوطنات وفي القدس – لكن الفلسطينيين من قبلهم راكموا شروطا أخرى فقط.

        الحقيقة أنه يصعب ان نطلب الى الفلسطينيين تغيير مبادئهم الأساسية اذا كانت توجد داخل المجتمع الاسرائيلي جهات – بعضها ذو تأثير كبير في مجالات كثيرة – تريد ان تجعل اسرائيل "دولة جميع مواطنيها"، أي الغاء مكانة تفضيل الشعب اليهودي في دولته الوحيدة وفتح القصة التاريخية من البدء، وهو ما يعني نهاية دولة اليهود. يجب على بنيامين نتنياهو أن يستمر على طرح هذا المبدأ على أنه شرط أساسي للمفاوضات السلمية. هذه هي ورقة الفحص عن صدق نيات الطرف الثاني ومن يرعونه في العالم العربي ايضا. ليس الامتناع من المحادثات المباشرة هو الذي سيعيد رياح الحرب الى المنطقة بل التراجع عن هذا الخط الأحمر الحيوي، الذي هو الوقوف المبدئي على الاعتراف باسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي.