خبر تزاحم طريق الدبلوماسية مع لغة الوعيد والعقوبات.. علي بدوان

الساعة 10:40 ص|11 أغسطس 2010

تزاحم طريق الدبلوماسية مع لغة الوعيد والعقوبات.. علي بدوان

 شهد موضوع الملف النووي الإيراني تصعيداً ملحوظاً في وقت واحد من عدة أطراف خلال الأسبوعين الماضيين، كان أوله تصعيد دول الاتحاد الأوروبي التي أصدرت عقوبات جديدة بحق إيران، وكان تاليه التلويحات الإسرائيلية المتواترة بشأن إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران. بينما كان الثالث إعلان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأدميرال مايك مولن بأن الجيش الأميركي لديه خطة جاهزة لم يذكر تفاصيلها لشن عمل عسكري على إيران لكنه استدرك تصريحاته بقوله انه «قلق جدا» إزاء الانعكاسات المحتملة لهذه الضربة التي تعارضها العديد من الجهات الأمنية النافذة في الولايات المتحدة، حيث استتبعت تصريحات الأدميرال مولن بتحذيرات أطلقها مسؤولون سابقون في الاستخبارات الأميركية في مذكرة أرسلت إلى الرئيس باراك اوباما بعنوان «الحرب مع إيران»، وبحسب المذكرة فان «احتمالات شن الحرب تتصاعد في ظل تقديرات تشير إلى تجدد المحادثات بين إيران والمجتمع الدولي في الشهر القادم بشأن صفقة تخصيب اليورانيوم»، حيث نصحت المذكرة الرئيس اوباما بعدم الوثوق برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو خاصة وأنه يستطيع التأثير على أداء الإدارة الأميركية بدعم من الكونغرس. وجاء في نهاية المذكرة أنه لا يوجد أي ضمان أن تؤدي الحرب إلى نتائج جيدة حتى بتدخل أميركي.

 

وبالمقابل، فان ايران وان بدت وكأنها تطلق تصريحات حامية، الا أن لغة الدبلوماسية تسود في الخطاب السياسي لطهران من بين تصريحات التشدد المتناثرة هنا وهناك. بينما بدا الأوروبيون بدورهم يبادرون لفعل الشيء نفسه.

 

ففيما تتوالى التصريحات الأوروبية الناعمة بشان الملف النووي الإيراني، لجأت دول الاتحاد الأوروبي، إلى فرض عقوبات ذات حجم غير مسبوق بحق إيران بل واعتبرها البعض بـ «أنها رزمة من أكبر العقوبات التي تبناها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق بحق إيران أو أي بلد آخر»، واستهدفت خصوصاً قطاع الطاقة الاستراتيجي، على أمل حمل طهران على التفاوض مجدداً حول برنامجها النووي المثير للجدل، وقد ذهبت تلك الإجراءات إلى أبعد بكثير من سلسلة العقوبات التي تبناها مجلس الأمن الدولي في التاسع من يونيو الماضي، بهدف معاقبة إيران على مواصلة نشاطات تخصيب اليورانيوم، التي يرى فيها كثيرون بوادر صنع سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران مؤكدة أن أهدافها مدنية بحتة. والجديد في العقوبات أن أوروبا تستهدف هذه المرة قطاع صناعتي الغاز والنفط. ويتوقع أن تحظر الاستثمارات الجديدة والمساعدة التقنية ونقل التكنولوجيا، لا سيما في حقلي التكرير وتسييل الغاز.

 

وفي هذا الإطار فان الأوروبيين الذي استصدروا سلم عقوبات جديدة بحق طهران، لم يغلقوا ميدان العمل الدبلوماسي، وهو ما أكدته عليه مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون حين قالت في بروكسل «إن العقوبات ليست هدفا بحد ذاتها، بل هي إحدى الوسائل الرامية لإقناع القادة الإيرانيين بالعودة لطاولة المفاوضات»، حيث رحبت آشتون بإعلان إيران استعدادها لاستئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووي وأبدت رغبتها بالاطلاع على التفاصيل.

 

ومع ذلك فان التحولات الملحوظة في الموضوع الإيراني لاتشجع الولايات المتحدة على القيام بمغامرة عسيرة من الوزن الثقيل ضد إيران. فروسيا والصين اللتان وقفتا مع القرار الدولي الأخير بشأن العقوبات على إيران، بدت كل منهما الآن تتحسس مصالحها أكثر فأكثر، في إدراك مدروس لمخاطر الانسياق وراء الرغبات الأميركية الداعية للتصعيد مع طهران.

 

روسيا وايران وخيوط التجاذب

 

فعلى الجانب الآخر من المعادلة الدولية المتصلة بالموضوع الإيراني، وبالرغم من سيل الانتقادات التي وجهتها طهران لروسيا جراء موقفها الأخير في مجلس الأمن الدولي وتصويتها على القرار (1929) والمتعلق بفرض عقوبات جديدة على إيران، بالرغم من ذلك فان خيوط التجاذب مازالت مشدودة بين طهران وموسكو، وليس أدل على ذلك إدانة وزارة الخارجية الروسية للعقوبات الجديدة بحق إيران والتي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي، فالبيان الروسي الصادر عن وزارة الخارجية أعلن أنه «من غير المقبول فرض عقوبات أحادية أو جماعية خارج إطار نظام العقوبات المعتمد في مجلس الأمن الدولي»، مضيفاً أن ذلك «لا ينسف فقط جهودنا المشتركة لإيجاد تسوية سياسية دبلوماسية حول البرنامج النووي الإيراني، بل يثبت أيضاً الاستخفاف بالبنود الدقيقة لقرارات مجلس الأمن»، وان العقوبات التي وافق عليها الاتحاد الأوروبي وكذلك مجموعة التدابير المتشددة التي تبنتها قبل ذلك الولايات المتحدة، «تذهب إلى أبعد بكثير من أهداف الحد من الانتشار النووي».

 

وسارت موسكو أكثر من ذلك عبر إعلان مدير وكالة الطاقة النووية الروسية سيرغي كيرينكو، أن الأشغال التحضيرية لإطلاق العمل بأول محطة نووية إيرانية بنتها روسيا في بوشهر جنوب إيران ستنتهي بنهاية أغسطس، مضيفا أن موعد إطلاق العمليات «مسألة تعود للجانب الإيراني».

 

وعليه، فقد أُستتبعت المواقف الإيرانية المتشددة من روسيا ومن الرئيس مدفيديف، بمواقف ايجابية ترحيبية لاحقة من قبل الرئيس أحمدي نجاد للعودة إلى طاولة الحوار مع مجموعة (5+1) المكونة من : الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بالإضافة إلى ألمانيا،

 

فالرئيس نجاد الذي أطلق عدة تصريحات قاسية وغير مسبوقة بحق الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف شخصياً، إلى درجة اعتبره فيها بأنه أصبح «المتحدث باسم مشروع أعداء إيران»، عاد وأطلق مواقف ايجابية صدرت من بين خيوط التشدد الإيراني الرافض والمعترض على منطق العقوبات والقرار الدولي الأخير رقم (1929)، وقد تزامنت المواقف الإيرانية الأخيرة مع تأكيدات كل من أنقرة وبرازيليا على السير سلمياً في معالجة الأزمة النووية بين إيران والغرب، مع تحذيرات وانتقادات إيرانية حادة للأميركيين.

 

وبالفعل فقد جدّدت كل من تركيا والبرازيل، تصميم كل منهما على المساهمة الفاعلة في حل الموضوع النووي الإيراني بالطرق السلمية، وذلك عشية اجتماع أمني تركي إيراني عقد مؤخراً في طهران، فيما أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد أن أي دولة تشارك في «السيناريو الأميركي الجديد سنعتبرها عدوةً لإيران وسنرد عليها بحزم».

 

العقوبات لايران والخسارة للجميع

 

وبالتأكيد، فان كلاً من انقرة وبرازيليا تنطلقان من رؤية سياسية تستند إلى مصالح كل منهما. فتركيا ترى واقعياً بأن العقوبات الموجهة إلى طهران تنعكس عليها ضرراً بشكل كبير، خصوصاً في مجالات التجارة وقطاع الاقتصاد والاستثمار. بينما تسعى البرازيل لترسيخ حضورها وفعلها السياسي في منطقة باتت هي الأهم على صعيد جذب الاستثمارات العالمية.

 

وعليه، فإيران لن تكون الوحيدة في المعاناة جراء العقوبات الدولية، بل ستكون تركيا من أولى الدول المتضررة، وحتى الشركات الأوروبية ستتضرر أيضاً، وهو ما دفع بعض الدول الأعضاء (في الاتحاد الأوروبي) لتجاوز الكثير من العقوبات السابقة التي تم اتخاذها بحق ايران من قبل مجلس الأمن أو من قبل دول الاتحاد الأوروبي. وفي السياق ذاته، دافعت الصين عن علاقاتها التجارية مع إيران رداً على مطالبة واشنطن لها بالالتزام بالعقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية التي أعلنت قبل أيام حصولها على منظومتين من صواريخ إس 300 الروسية من مصادر متعددة ليست موسكو من بينها. كما رد بيان المتحدثة باسم الخارجية الصينية على تصريحات روبرت أينهورن المستشار الخاص في وزارة الخارجية الأميركية، وعلى عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إيلينا روس ليتانين، اللذين طالبا بوقف عمل الشركات الصينية المملوكة للدولة والتي تستثمر في قطاع النفط والغاز الإيراني، معتبرين إياها من مصادر التمويل الرئيسية للبرنامج النووي الإيراني.

 

من هنا، وانطلاقاً من رؤية مشتركة، دعت تركيا والبرازيل، ومعهما روسيا والصين، دعت إيران إلى التفاوض بـ«ليونة وشفافية» وإظهار سلوك مرن في الحوار القادم المتوقع مع مجموعة فيينا (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والوكالة الدولية للطاقة الذرية مع الدول الغربية) انطلاقاً من ان حل معضلات الملف النووي الإيراني هو لمصلحة الجميع في المنطقة والعالم بشكل عام.

 

ومن هذا المنطلق، فان تركيا تعمل الآن على إعادة إرساء الأسس لمحادثات مباشرة وعميقة بين كبير المفاوضين في المحادثات النووية الإيرانية، سعيد جليلي، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين اشتون، انطلاقاً من الاتفاق الثلاثي الموقع بين تركيا والبرازيل وإيران بشأن مبادلة الوقود النووي، الذي وقع في طهران في مايو الماضي، بين تركيا والبرازيل وإيران، وهو الاتفاق الذي رسم إطاراً لتدابير بناء الثقة، ولم يهدف أساساً لتسوية نهائية للمشكلة.

 

وبهذا الصدد، فإن المعلومات تشير إلى أن إيران تفضّل بالفعل العودة لخيار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن برنامجها النووي عقب انتهاء شهر رمضان المبارك في النصف الأول من شهر سبتمبر القادم. كما تشير المعلومات المؤكدة بأن طهران سلمت للوكالة الذرية خطاباً مكتوباً عبرت فيه عن استعدادها الكامل لعقد مفاوضات بشأن الوقود النووي من دون أي شروط، استناداً إلى العناصر الرئيسة للاتفاق المبرم مع البرازيل وتركيا، والبدء فوراً بالمفاوضات حول تفاصيل تبادل الوقود، على أن تشارك تركيا والبرازيل.

 

الاتفاق الثلاثي عصا الرحى الايرانية

 

ان إيران، تصر على المرور عبر الاتفاق الثلاثي الذي جرى توقيعه بين إيران والبرازيل وتركيا والقاضي بنقل (1200) كيلو غرام من اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب إلى تركيا لمبادلته بوقود نووي عالي التخصيب بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باعتباره لايزال (عصا الرحى) ويمثل أساساً مناسباً لإعادة الثقة بين طهران ومجموعة فيينا وهو ما جاء مؤخراً على لسان علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية لتخصيب اليورانيوم يمكن أن تتقبلها الأطراف كافة.

 

التأكيدات الإيرانية تعكس نية طهران وسعيها نحو الحوار والتفاوض وعدم التصعيد وفقاً للقوانين والأعراف الدولية، في حين تصعد الدول الغربية من مواقفها والتي كان آخرها فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة تطول قطاعي الغاز والنفط عبر حظر أي استثمار جديد أو مساعدة فنية أو نقل للتكنولوجيا، وهو ما يدل على أن الدول الغربية ماضية في تبعيتها للمشيئة الأميركية التي تتخذ من التصعيد والتهديد أساساً لعلاقاتها مع الدول التي لا تمالئ سياستها ولا تدور في فلكها ومن ضمنها إيران التي تتمسك بحقوق شعبها في امتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تمارسها الدول الغربية عليها وفداحة المشاريع المبيتة لها والتي كشف تفجير زهدان الأخير عن وجود خيوط أميركية تقف خلفه.

 

في هذا السياق، فإن طهران التي تكابد وتعمل بكل جهدها لإثبات حقها الطبيعي في امتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية، تعمل على تقوية موقفها التفاوضي، من خلال تحقيق انجازات علمية ملموسة ومؤثرة، حيث أعلن الرئيس الإيراني أن بلاده تعتزم إرسال رجل إلى الفضاء في 2019، رداً على القوى العظمى التي تضغط عليها لتعليق برنامجها النووي. فيما أعلن رئيس الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية، علي أكبر صالحي على هامش حفل إطلاق خطة الانصهار النووي الوطني، إن إيران أنشأت صندوقاً بمبلغ ثمانية ملايين دولار لإجراء أبحاث «جادة» في مجال الالتحام النووي، الذي يمكن من خلاله إنتاج الطاقة النووية عبر دمج النوايا الخفيفة.

 

وخلاصة القول، أن القرار الأخير لدول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على طهران يبقى قراراً فضفاضاً ستقاطعه حتى غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي انطلاقاً من حسابات المصالح. كما انه لا يعد أداة مؤثرة، وإنما من شأنها أن تؤدي للمزيد من تعقيد الأوضاع، ولا يساعد على حلحلة الحوار الدبلوماسي مع إيران بل يدفع باتجاه التصعيد المتزايد بعد فترة من الهدوء وسيادة التفاؤل بإمكانية الوصول لحل دبلوماسي. فسياسة العصا والجزرة ومعها الانتقائية الموسومة بازدواجية المعايير، لايمكن لها أن تصل بالموضوع الإيراني إلى بر الأمان، والى تخوم الحلول المطلوبة التي ينشدها أنصار السلام والعدالة في العالم.