خبر السفير اللبنانية: كلام السيد نصر الله يضع التحقيق الدولي أمام الإخبار والاختبار

الساعة 10:11 ص|11 أغسطس 2010

 السفير اللبنانية:  كلام السيد نصر الله يضع التحقيق الدولي أمام الإخبار والاختبار

فلسطين اليوم-السفير اللبنانية

خلط المؤتمر الصحافي للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الاوراق في ملف جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعدما فرض التعامل مع «الفرضية الاسرائيلية» بجدية في أعقاب خمس سنوات من الإهمال المتعمد لها.

ولم تنجح أصوات النشاز الداخلية التي تعاطت مع كلام نصر الله بخفة حينا، وبكيدية حينا آخر، في تعديل وجهة السير الجديدة لاتجاهات الريح الاتهامية، لا سيما ان بعض المواقف صدرت على قاعدة «عنزة ولو طارت»، بل ان هناك من رفض ما طرحه نصر الله قبل ان يتكلم، استنادا الى «محاكمة النيات».

والمفارقة، ان ردود الفعل الدولية، كالفرنسية على سبيل المثال، ظهرت أكثر رصانة من بعض التعليقات المحلية الصادرة عن قوى وشخصيات في فريق 14 آذار استخدمت الشتائم في مواجهة القرائن، واستعجلت إصدار الاحكام المسبقة على كلام نصر الله مناقضة حرصها المعلن على كشف الحقيقة، ومختزلة رأي لجنة التحقيق والمحكمة.

وقد التقت مصادر قضائية وقانونية على التأكيد لـ«السفير» ان كلام نصر الله هو من النوع الذي لا يمكن القفز فوقه او تهميشه، وان لجنة التحقيق الدولية ملزمة بالتعاطي معه والتدقيق فيه، بمعزل عن تقييمها النهائي له، بحيث لم يعد ممكنا الاستمرار في استبعاد احتمال وقوف اسرائيل خلف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ويبدو واضحا ان نصر الله نقل «كرة الإحراج» من ملعب حزب الله الى ملعب لجنة التحقيق الدولية، بعدما وضعها امام الثنائية الآتية: «الإخبار والاختبار». ذلك ان كلامه جاء بمثابة إخبار علني، يوجب على لجنة التحقيق الدولية التحرك فورا، من تلقاء ذاتها، للنظر في ما تضمنه من معطيات وقرائن تتهم اسرائيل، وبالتالي فإن الامين العام لحزب الله يكون بذلك قد وضع اللجنة امام اختبار جديد لمصداقيتها وموضوعيتها، سيتم الحكم على نجاحها او رسوبها فيه تبعا للخطوة التالية التي ستُقدم عليها.

من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم المحكمة فاطمة العيساوي، لـ«المركزية» تعليقا على كلام نصر الله ان مكتب المدعي العام ينظر في كل الادلة الموثوقة كما انه دعا سابقا ولا يزال يدعو كل من لديه ادلة ذات علاقة باعتداء 14 شباط 2005 الى ان يقدمها اليه. وهو دوما يؤكد ان اي افادة تستند الى عناصر موثوقة يتم تقديمها اليه تؤخذ بجدية ويتم فحصها بعناية.

وفي سياق متصل، قال الوزير السابق بهيج طبارة لـ«السفير» ان من واجب لجنة التحقيق ان تدقق في المعطيات والقرائن التي قدمها السيد نصر الله وان تنظر اليها بجدية، فيما أبلغ المدعي العام للتمييز القاضي سعيد ميرزا «السفير» ان لجنة التحقيق ملزمة من حيث المبدأ بأن تتابع المؤشرات والقرائن التي قدمها السيد نصر الله، واوضح ان العمل جار على جمع معلومات حول العميل غسان الجد، مشيرا الى ان الامر قد يحتاج الى بعض الوقت.

ولعل من المفارقات المدوية في هذا الاطار، ان يكون «الشاهد الحقيقي» في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري العميل غسان الجد قد هرب او هُرب في ظروف غامضة وغير مفهومة في العام 2009، في حين يتلهى التحقيق منذ عام 2005 بروايات شهود الزور التي ضللت العدالة وشوهت الحقيقة طيلة السنوات الماضية.

وإذا كان حزب الله قد امتنع عن وضع معطياته بتصرف لجنة التحقيق لعدم وثوقه بها، إلا ان الحكومة اللبنانية تبدو قادرة على ان تبني جسرا جانبيا بين الجانبين، من خلال مبادرتها بشكل او بآخر الى الدخول على الخط، وتسليم القرائن التي كشفها نصر الله للجنة التحقيق الدولية، كما ان بإمكان المدعي العام دانيال بيلمار ان يطلب رسميا من السلطات اللبنانية الحصول على الوقائع المستجدة، من خلال آلية سيكون القضاء اللبناني بموجبها مساعداً لمكتب بيلمار، وذلك استناداّ إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين «الحكومة اللبنانية ومكتب النائب العام» في حزيران 2009.

ومن المتوقع ان تظهر مؤشرات حول الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة مع ما طرحه نصر الله في جلسة مجلس الوزراء التي يفترض ان تنعقد في الايام القليلة المقبلة بعد عودة الرئيس سعد الحريري خلال الساعات المقبلة الى بيروت في ختام إجازته، علما بأنه التقى امس الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مقر إقامة الرئيس الفرنسي الصيفية في جنوب فرنسا.

وإزاء العنصر الدراماتيكي الذي طرأ على مسار قضية اغتيال الرئيس الحريري بعد المؤتمر الصحافي لنصر الله، بدأت بعض الاوساط السياسية والقضائية المطلعة تتداول في إمكان تأجيل صدور القرار الظني الى ما بعد نهاية السنة الحالية، فيما ذهبت بعض التقديرات الى استبعاد صدور القرار قبل شهر آذار المقبل، وهو التاريخ الذي سيضع المحكمة امام استحقاق آخر يتمثل في تأمين التمويل لها لسنة إضافية.

تجدر الاشارة الى ان مراجع أمنية أبلغت «السفير»، تعليقا على ما أورده نصر الله حول عبوتي الزهراني اللتين كانتا تستهدفان الرئيس نبيه بري في 18 كانون الثاني 2005 ، ان التحقيق الذي أجراه الجيش أظهر لاحقا ان هناك تشابها فنيا بينهما وبين نوعية العبوات التي استعملت في تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري.

بري: ما بعد المؤتمر غير ما قبله

وفي ردود الفعل الداخلية على كلام الامين العام لحزب الله، قال الرئيس نبيه بري لـ«السفير» ان ما بعد المؤتمر الصحافي للسيد نصر الله هو غير ما قبله، موضحا انه وضع كل المواقع الحركية في أجواء

هذا الموقف. ودعا السلطات اللبنانية الى ان تتخذ الخطوات المناسبة حيال ما كشفه نصر الله، من دون ان يحدد محتواها، معتبرا ان المعنيين هم أدرى بما يجب ان يفعلوه.

وفي موضوع تسليح الجيش اللبناني، أكد بري ان «من حق الجيش الحصول على السلاح من أي مكان في العالم، وإذا شاؤوا فأنا مستعد أن أساعد في تسليحه. المهم هو الحفاظ على عقيدته القتالية والوحدة الوطنية». واستغرب ان تشترط واشنطن على لبنان مقابل منحه فتات الاسلحة عدم استخدامها ضد اسرائيل في حين انها لا تشترط على تل ابيب عدم استعمال السلاح المتطور الذي تحصل عليه ضد لبنان. واعتبر ان إصرار الولايات المتحدة على ألا يوجه الجيش اللبناني سلاحه نحو الجيش الاسرائيلي المعتدي يعني بكل بساطة انها تريد ان يُوظف هذا السلاح في الداخل ضد بعضنا البعض.

وقال الرئيس عمر كرامي لـ«السفير» ان السيد نصر الله كان كعادته صادقا وواقعيا ومنطقيا، لكنه استبعد ان تتجاوب المحكمة الدولية مع ما طرحه، لأن ما تقوله اميركا واسرائيل في امر المحكمة هو الذي سيمر.

ولفت الرئيس نجيب ميقاتي الانتباه الى ان المعطيات والمعلومات التي قدمها السيد نصر الله دقيقة ومهمة، ولا يجوز ان «نضبّها في الأدراج». ورأى ان على الرئيس سعد الحريري ان يأخذ ما ادلى به السيد نصر الله بعين الاعتبار ويحيله على الخبراء والمختصين لدرسه.

ورحبت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها الأسبوعي في قريطم برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بـ«كل جهد بالمطلق يسهم في تقديم أي معلومات أو معطيات أو قرائن أو دلائل تؤدي إلى كشف المجرمين». واعتبرت ان «المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان هي الجهة الصالحة والمخولة التحقيق والملاحقة والبحث عن الأدلة». ورأت ان «يصار إلى وضع كل المعطيات والملفات المتوافرة والوثائق بما في ذلك ما عرضه السيد حسن نصر الله والتحليلات التي قدمها في يد المدعي العام الدولي».

إسرائيل مرتبكة

خارجيا، ردت اسرائيل بأشكال مختلفة على كلام نصر الله، إذ عمدت وزارة الخارجية إلى الاستخفاف به واعتبار ما ورد فيه «أكاذيب تثير السخرية»، فيما أنكر الجيش الإسرائيلي القرائن التي عرضها. لكن خلافا للموقف الإنكاري الذي اتخذه الجيش الإسرائيلي إزاء قرائن نصر الله بخصوص اغتيال الحريري، أشار الجنرال غابي أوفير الذي ترأس لجنة التحقيق في كمين أنصارية الذي سقط فيه 12 من جنود وضباط وحدة الكوماندوس البحري، إلى أن أقوال نصر الله «قد تكون صحيحة». وأوضح أوفير في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه لا ينبغي إنكار احتمال أن تكون صور طائرات إسرائيلية من دون طيار قد وصلت الى «حزب الله» وأتاحت له الاستعداد لنصب كمين للجنود، كما قال نصر الله.

وأعلنت فرنسا عن تمسكها بالمحكمة الخاصة بلبنان «كجهة وحيدة لمحاكمة الجناة»، مشددة على «استقلاليتها»، بينما نأت ايران بنفسها عن السجال الحاصل حول كلام نصر الله، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست، ان متابعة ملف اغتيال الحريري «قضية لبنانية بحتة».