خبر درس هيروشيما .. معاريف

الساعة 01:03 م|10 أغسطس 2010

بقلم: أدام راز

قبل يومين احتفلت البشرية، بهدوء نسبي، بالذكرى السنوية الـ 65 بالقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي. القاء القنبلة النووية فتح عصرا جديدا وغير القواعد في المجال العسكري والسياسي. الثمن الذي جبته القنبلة الفظيعة بلغ نحو 200 الف قتيل ياباني، وبقي لنا ان نتعلم درس هيروشيما.

اليوم، مقبول الرأي في الجمهور الامريكي وفي اوساط معظم المؤرخين بان القاء القنبلة جاء، على حد قول ترومان، "لانقاذ الاف ارواح الشباب الامريكي". هذا الرأي دحض تماما على مدى السنين. فقد ادعى المؤرخون، استنادا الى تصريحات قادة الجيش الامريكي وعلى رأسهم الادميرال وليم ليهي، الذي كان في حينه رئيس الاركان، بان "استخدام السلاح البربري هذا في هيروشيما ونجازاكي لم يساعد مساعدة حقيقية في حربنا. فقد كان اليابانيون قد هزموا وكانوا مستعدين للاستسلام".

الخلافات بين هاتين الفكرتين يدعي النهج الاخير بان القاء القنبلة لم يكن الفعل الاخير للحرب العالمية الثانية، بل الفعل الاول للحرب الباردة. بمعنى، كان موجها ضد السوفييت ليس ضد اليابانيين، الذين كانوا مستعدين للاستسلام. هذا الادعاء يستند الى الافتراض بانه كان ينبغي تلقين السوفييت درسا في مدى القوة الامريكية لمنع عدوانهم وسيطرتهم على شرقي اوروبا. افتراض آخر هو انه كانت الادارة الامريكية بحاجة الى تبرير ملياري دولار استثمرت في المشروع الذري.

هذا النهج يضع عدة مصاعب. اولا، في الاتحاد السوفييتي لم تكن في هذه الفترة صحافة حرة، وفي السنوات الاولى بعد الحرب لم يبلغ في وسائل الاعلام السوفييتية عن القاء القنبلتين، بحيث أن ابادة المدينتين اليابانيتين ما كانت لتؤثر على زعماء الاتحاد السوفييتي من خلال الرأي العام. اضافة الى ذلك فمن أجل تلقين القيادة السوفييتية درسا عن قوة السلاح النووي الذي كان في حينه لا يزال احتكارا امريكيا، كان يكفي اجراء تجربة نووية علنية.

الجدال بين هذين النهجين نشأ نهج ثالث. وحسب هذا النهج فان القنبلة الذرية لم توجه ضد اليابانيين ولا ضد الاتحاد السوفييتي بل كانت وسيلة في يد مؤيدي السلاح النووي في القيادة الامريكية ضد معارضيهم من الداخل. مؤيدو النهج الثالث يدعون بانه ساد جدال في القيادة الامريكية حول السياسة التي ينبغي اتخاذها بعد انتهاء الحرب. وكانت مجموعة معنية بحرب باردة وشددت على العداء الضروري بين الكتلتين، فيما عارضت مجموعة ثانية وادعت بان التعاون بين الكتلتين ممكن وضروري من اجل امن العالم ورفاهيته. في هذا الجدال، الذي جرى على مدى كل الحرب، كانت يد مدرسة الحرب الباردة هي الاعلى.

الذري الامريكي اختفى في 1949 عندما اكتسب الاتحاد السوفييتي لنفسه سلاحا مشابها. ونشأ وضع راهن كان واضحا فيه بان ايا من الكتلتين لن تلقي قنبلة نووية على خصمها وذلك منعا للابادة المتبادلة. وأثر هذا الوضع اساسا على السياسة الداخلية في كل دولة في أنه عطل كل امكانية لحسم تقليدي في النزاعات الاقليمية، وسمح فقط بحروب محدودة في العالم وعزز مدرسة الحرب الباردة في كل موقع وموقع. في هذا المفهوم، فان القنبلة على هيروشيما أدى الى 45 سنة من الحرب الباردة.

اسرائيل الوضع مشابه جدا. هنا ايضا، من بداية المشروع النووي نشأ خلاف قسم القيادة الاسرائيلية. في هذا السياق يجدر بنا أن نتذكر اقوال ارئيل شارون الذي كان من المعارضين البارزين للتحول النووي في الشرق الاوسط، في ايار 1977 حين ادعى شارون بوجود نظرية في قسم من القيادة السياسية التي تتحدث عن خلق ردع نووي مستقبلي بين اسرائيل والدول العربية، يؤدي الى "ميزان رعب". وادعى بان "وجود سلاح نووي لدى الطرفين، ميزان الرعب النووي اياه، لا يمنع الحروب التقليدية وبالتأكيد لا يمنع حروب الارهاب والاستنزاف".

شارون تدل على أن قسما من القيادة السياسية والاكاديمية تعلمت درس هيروشيما. لاسفنا، يوجد قسم لم يتعلمه بعد. وهؤلاء – كما ينبغي القول بصوت عال يريدون خوض حرب باردة في الشرق الاوسط.