خبر مقياس السعادة.. معاريف

الساعة 01:02 م|10 أغسطس 2010

بقلم: بن درور يميني

في بداية السبعينيات صعد الى الحكم ملك جديد في بهوتان، جيمي سينجي فينغشوك. وهو يعيش في دولة مطمئنة، سكانها، برأيه، يعيشون بانسجام مع المحيط، ينتجون لانفسهم كل شيء تقريبا، ولكن لا احد يوليهم اعتبارا. فهم غير محسوبين. وعليه فقد قرر انتاج جدول جديد: ليس GNP آخر (انتاج قومي خام – Gross National Product) كجدول رائد وأعلى، بل GNH (سعادة وطنية – Gross National Happiness). هل غني وتعيس، وفقير وسعيد؟ ليس بالضبط ولكن العكس ايضا ليس صحيحا. زيادة ألف شيكل للانسان الذي معاشه 500 شيكل ستجعل شخصا فقيرا سعيدا (على الاقل في المدى القصير).

في العقود الثلاثة الاخيرة توجد بحوث لا حصر لها تحاول الخروج عن المعطيات الموضوعية في صالح معطيات اخرى. فيمكن للمرء ان يكون سعيدا حتى مع دخل متوسط. لا يوجد مقياس واحد متفق عليه. الميدان مفتوح بعض الشيء. كثير وطيبون حاولوا قياس السعادة. جامعة ميشغان نشرت استطلاعا في 2004. اسرائيل وصلت فيه الى المكان الـ 34، فيما يسبقها اسبانيا وبعدها ايطاليا، ليس مكانا فظيعا، اذا نظرنا الى العمليات التي عربدت في الشوارع والى احساس المراوحة في المكان لتلك السنين. الدنمارك وصلت الى المكان الاول.

بعد سنتين من ذلك نشرت جامعة لستر البريطانية "خريطة السعادة العالمية"، واسرائيل وصلت الى المكان الـ 58 الاقل احتراما بعض الشي. ومسيرة الاستطلاعات مستمرة. صندوق العلوم الوطنية للولايات المتحدة نشر مقياسا مشابها قبل سنتين. اسرائيل احتلت المكان الـ 38. مرة اخرى ارتفعنا الى مكان معقول. الدنمارك وصلت مرة اخرى الى المكان الاول، تماما مثلما في باقي الاستطلاعات. الدول السعيدة، كما يتبين، هي أساسا البلدان الباردة. معظمها في المنطقة الاسكندنافية، وكذا كندا في القائمة. يوجد على الاقل استطلاع واحد مع معطيات مختلفة تماما، يضع دول مختلفة تماما في رأس جدول السعادة، دون دولة اوروبية واحدة في العشرية الاولى. اسرائيل تحتل المكان الـ 67 غير المحترم، ولكن قبل فرنسا وبريطانيا، بهوتان في المكان الـ 17. حلم الملك فينغشوك تحقق. فقراء ولكن سعداء.

لغرض اجراء ترتيب الفوضى في الاستطلاعات، دخل ايضا معهد غالوب الاعتباري الى الصورة. وجرى البحث على مدى اربع سنوات (2005 – 2009). مستطلعو المعهد فحصوا آلاف الاشخاص في 155 دولة. الدنمارك مرة اخرى في الريادة وبعدها فنلندا، النرويج،  السويد وهولندا. لا جديد. هذه هي الدول الرائدة بشكل عام. من رائد آخر ايضا؟ من الصعب التصديق، ولكن يدور الحديث عن اسرائيل. مباشرة الى المكان الثامن. هذا معطى مذهل جدا، على خلفية حقيقة انه في الـ 4 سنوات هذه اجتازت اسرائيل حربين، حيال حزب الله وحيال حماس، مع آلاف الصواريخ على اسرائيل. ورغم كل هذا، وصلت اسرائيل الى العشرية الاولى. قبل استراليا، سويسرا والولايات المتحدة. وقبل كل باقي دول اوروبا. اذا كان يخيل لنا اننا ابطال العالم في التذمر، يتبين ان هذه الاسطورة هي الاخرى تتحطم. بالعكس. خير لنا هنا.

وهذا ليس كل شيء بعد. زارعو الشرور في داخلنا سيروون بأن هذه السعادة هي عن حق، بمعنى بسبب، الاحتلال الوحشي. نقمعهم. نستغلهم. نعيش على حسابهم. وبالفعل، هذا ايضا غير دقيق. فالفلسطينيون وصلوا الى المكان الـ 96 – ليس بالضبط مكانا محترما، الا ان مكدونيا، تركيا وحتى هنغاريا جاءت بعد الفلسطينيين المظلومين.

في مقاييس اخرى، الفلسطينيون في وضع افضل بكثير. سبق ان كتبنا بأن الوضع الانساني في قطاع غزة افضل منه في تركيا، لبنان وايران، التي تطلق "مساعدات انسانية" الى القطاع، بل وافضل مما في غلاسكو. الان يتبين انه في جدول السعادة الفلسطينيون هم قبل الاتراك. وهم يسبقون ايضا مصر، المغرب، الهند، سوريا والصين بحيث ان اسطورة "الازمة الانسانية" تتحطم مرتين. مرة في المعطيات الموضوعية (مدى العمر، وفيات المواليد وما شابه)، ومرة اخرى مع معطيات ذاتية. الفلسطينيون اكثر سعادة من معظم سكان الدول المجاورة، ولاسرائيل مصلحة في مواصلة تحسين وضعهم.

المكان العالي لن يفعل لنا شيئا. فالطوابير لجوازات السفر أمام قنصليات هولندا او هنغاريا لن تقصر. ولكن يجدر بنا ان نتذكر بأن ساحتنا الخضراء، رغم ورغم، اكثر خضرة. نحن في العشرية الاولى. وماذا عن الساحة الخضراء في بهوتان التي بادر الحاكم فيها الى مقياس السعادة؟ صغيرة جدا. استطلاع غالوب لا يوليها اعتبارا.