خبر عام من مؤتمر بيت لحم : هل تنجح حركة «فتح» في تجديد شبابها ؟ -- علي بدوان

الساعة 06:14 ص|09 أغسطس 2010

عام من مؤتمر بيت لحم : هل تنجح حركة «فتح» في تجديد شبابها ؟ -- علي بدوان

 

قبل عام مضى، عقدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مؤتمرها العام السادس في بيت لحم في فلسطين، بعد سنوات طويلة من انعقاد مؤتمرها العام الخامس في تونس العاصمة، وبعد نقاشات وسجالات ومماحكات طالت واستطالت داخل الأطر الفتحاوية في فلسطين والشتات وسبقت انعقاد المؤتمر، وكادت في لحظات منها أن تطيح بامكانية عقد المؤتمر السادس نتيجة الهوة السياسية والتنظيمية بين العديد من رموز المفاصل القيادية داخل أطر ومؤسسات البيت الفتحاوي بما في ذلك داخل اللجنة المركزية والمجلس الثوري.

وصادفت الذكرى السنوية الأولى لأعمال مؤتمر فتح السادس، انعقاد الاجتماع الدوري للمجلس الثوري لفتح في رام الله قبل أيام خلت، في جلسة كانت هي الأهم من بين جلساته التي عقدها منذ انتخاب أعضائه بتشكيلته الجديدة، التي باتت تضم في غالبيتها وجوها جديدة من شبان وكوادر حركة فتح، ومن أبناء الضفة الغربية على وجه الخصوص.

فكيف كانت اجتماعات المجلس الثوري لحركة فتح في دورته الأخيرة، وهل نجحت أعمال الاجتماع في تقييم الأداء الفتحاوي خلال عام مضى، وفي وضع تصورات دقيقة للمرحلة التالية من العمل السياسي الفلسطيني؟

اتجاهان بالنسبة للمفاوضات المباشرة

في الاجابة على التساؤلات أعلاه، فان العديد من المصادر الفتحاوية تشير إلى أن جدول أعمال الاجتماع الأخير للمجلس الثوري كان مثقلاً ومتخماً بالعديد من القضايا الهامة والحساسة. فقد تعرض لعدد من أبرز القضايا التي وضعت على جدول أعماله، بمناحيها السياسية الفلسطينية والعربية والاقليمية العامة، وقضايا السلطة الفلسطينية وحكومة سلام فياض ودور حركة فتح في هذا الصدد. اضافة للقضايا التنظيمية التي تخص حركة فتح وقضاياها الداخلية المتعلقة بأمورها المالية وحالة الشح في المصادر التي تتعرض لها (حسب مصدر فتحاوي)، فضلاً عن مناقشة أوضاع ممتلكاتها الموجودة في عدد من البلدان العربية كسوريا ولبنان ومصر والأردن.

وحسب العديد من المصادر الموثوقة، وفي التقييم العام، فإن نتائج اجتماعات المجلس الثوري الأخيرة وحواراته ونقاشاته، وان كانت حامية شيئاً ما، الا أنها كانت أقل من مستوى طموح ورغبات العدد الأكبر من أعضاء المجلس الثوري. فقد سادت مناخات من التباين بشأن الموضوع السياسي في ظل الضغوط التي يتعرض لها الرئيس محمود عباس والسلطة في رام الله للعودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع «إسرائيل»، وانقسام أعضاء المجلس الثوري لفتح بين اتجاهين اثنين بالنسبة لموضوع المفاوضات.

فقد دعا أصحاب الاتجاه الأول لاعلان موقف حازم وصريح وواضح برفض المفاوضات المباشرة مع «إسرائيل» دون ضمانات مؤكدة (مائة بالمائة) ليس من قبل الولايات المتحدة فقط، بل ومن قبل المؤسسة الدولية الأولى (الأمم المتحدة) واللجنة الرباعية الدولية.

بينما دعا أصحاب الاتجاه الثاني لموقف يدعو لاعتماد لغة «أكثر دبلوماسية ومرونة» في التعاطي مع الضغوط الأميركية، سيما وأن الرئيس الأميركي باراك اوباما كان قد سلم مؤخراً وعبر مبعوثه السيناتور جورج ميتشل رسالة واضحة لمحمود عباس وفيها تهديد أميركي واضح للسلطة في رام الله، يخيرها بين العودة لطاولة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل» أو الاستعداد لتلقي موجات جديدة من الضغوط المؤذية والمؤلمة (من نمط استمرار أعمال الاستيطان والتهويد والحصار واكثار الحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومقاطعة السلطة في المحافل الدولية، اضافة لممارسة الضغوط المالية عليها من قبل الدول المانحة وغيرها).

وفي الحقيقة، فإن ما تناولته وسائل الاعلام، صحيح بالنسبة للضغوط الأميركية على رئيس السلطة محمود عباس الهادفة للانتقال إلى المفاوضات المباشرة، فالسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها يتعرضان لحملة ضغوط مكثفة أميركية وإسرائيلية بغرض اجبارها على العودة لطاولة المفاوضات المباشرة بغض النظر عما تم تحقيقه في مفاوضات التقريب (غير المباشرة)، وهو ما أكده عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور أسعد عبد الرحمن في تصريح وزعه على وسائل الاعلام في العاصمة الأردنية عمان قبل أيام خلت، كما أكده أعضاء آخرون في اللجنة التنفيذية للمنظمة تسنى لنا اللقاء معهم.

وفي هذا المجال والمتعلق بالجانب السياسي والمفاوضات، كان البيان الختامي لاجتماعات المجلس الثوري لحركة فتح، فضفاضاً حين أكد بالعموميات ودون حزم على متطلبات الانتقال من المباحثات التقريبية غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، باشارته إلى ضرورة الوقف التام لأعمال الاستيطان والتهويد فوق الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما في ذلك القدس وكذلك وجود مرجعية واضحة للمفاوضات تتمثل في حل الدولتين على أساس حدود 1967، وعلى ضرورة تناول أية مفاوضات لقضايا الحل النهائي كافة وفي مقدمتها القدس واللاجئين وضرورة وجود سقف زمني محدد لهذه المفاوضات، وانهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بشكل كامل، وتنفيذ اتفاقية المعابر لعام 2005 بما يضمن دخول وخروج البضائع والأفراد، ووصل قطاع غزة بالضفة الغربية. واستعادة وحدة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967وتكاملها الاقليمي (ولكن هل لهذه المطالب من مستجيب خصوصاً مع الموافقة العربية على العودة للمفاوضات المباشرة).

ومن المهم في هذا السياق الاشارة إلى تأكيد غالبية أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح في مداخلاتهم في الاجتماع الأخير، بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية، تبقى من أولى الأولويات للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وهي سر صموده، وتحقيق هذه الوحدة والانطلاق منها مرتكز استراتيجي للحركة الوطنية الفلسطينية. معتبرين ان ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، يجب أن يكون بالنسبة لحركة فتح «استراتيجية وطنية عليا لأنها تعتبر حركة الشعب الفلسطيني بأكمله، ودون المصالحة الحقيقية لا يمكن انجاز أية ملفات أخرى، سواء المفاوضات أو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني».

فتح وشطحات سلام فياض

وفي جانب آخر له علاقة بأوضاع السلطة الفلسطينية في رام الله سادت أجواء من التباين داخل اجتماعات المجلس الثوري لحركة فتح بشأن تقييم عمل حكومة سلام فياض ومطالبة غالبية أعضاء المجلس بإعادة تعديلها والكف عن ابعاد حركة فتح عن مفاصلها، بل وتحدث البعض عن وجود «ازدواجية البرامج» بين حكومة فياض وحركة فتح، حيث إن برنامج فياض المعلن لإقامة الدولة غير مقبول من قبل كثير من قيادات حركة فتح، وبينهم أعضاء في اللجنة المركزية، معتبرين أن سلام فياض بات «يشطح كثيراً» في مواقفه المتسرعة بالحديث عن قرب اعلان الدولة، وعن اكتمال بناء مؤسساتها .. الخ، وهو ما أثر على الانضباط داخل حركة فتح، وأدى إلى فشلها في اعداد قوائم موحدة لها في الانتخابات المحلية، قبل تأجيلها على سبيل المثال.

ويذكر أن الأصوات الفتحاوية كانت قد بدأت تتعالى منذ فترات طويلة، منادية باستعادة الموقع التاريخي لحركة فتح، واستعادة موقع رئاسة الوزارة من يد سلام فياض وحزبه غير المعلن على حد تعبير البعض (يطلق البعض عليه اسم : حزب كاديما الفلسطيني).

كما باتت الأصوات ذاتها تتحدث بوضوح، محذرة من محاولات تجري لتهميش حركة فتح، وهو ما حدا بالبعض للقول «ان هناك شعوراً لدى العشرات من قيادات حركة فتح بأن هناك مخططاً لإضعاف فتح أولاً ومن ثم تهميش دورها»، وهو ما افترض لديهم خشية مضمرة أن يؤدي نهج سلام فياض إلى تشكيل بديل سلطوي على حساب حركة فتح.

من هنا، برزت دعوات متكررة من قبل قيادات فتحاوية في رام الله طالبت الرئيس محمود عباس باجراء تعديل على حكومة فياض، وتوزير أعضاء منها في بعض الوزارات الهامة. بل وحدا البعض للمطالبة بضرورة القفز عن سلام فياض كمرشح محتمل لأية حكومة قادمة، ليس استجابة لمطالب حركة حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية، بل استجابة لأغراض لها علاقة برؤية فتحاوية. فيما مازال آخرون يرون أن سلام فياض المرشح الأفضل من زاوية القبول الدولي خصوصاً الأميركي، وهو أمر لابد منه (حسب رأيهم) كي تقلع أية حكومة فلسطينية قادمة في برنامج عملها، مشددين على أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل التصعيد في مواجهة سلام فياض الذي يحظى بدعم الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي، ومعتقدين بأن سلام فياض خبير اقتصادي يعمل بلا كلل، حيث «نجح في كسب ثقة الغرب لجهوده في تحسين القطاع المالي الفلسطيني بعد سنوات من سوء الإدارة».

ومن نافل القول إن الخلاف الفتحاوي على حكومة سلام فياض والمطالبة بتعديلها على الأقل، يعكس أيضاً وفي جانب هام منه حال التيارات التي تتباين في رؤيتها داخل صفوف حركة فتح، والتي تشكل انعكاساً لحالة الحركة الفتحاوية ومواقفها بعد مؤتمرها السادس، حيث مرت خلال العام المنصرم سلسلة استحقاقات كبرى مازالت تترك آثارها على مسار وعمل حركة فتح ان كان على المستوى السياسي العام، أم على المستوى المتعلق بأداء حكومة سلام فياض في رام الله، في ظل الانتقادات التي يتعرض لها فياض من قبل بعض القادة الفتحاويين على مستويات مختلفة.

قضايا البيت الفتحاوي

أما بشأن قضايا البيت الفتحاوي، والتي تحمل عناوين كثيرة ومتعددة، بدءاً من الأوضاع التنظيمية الداخلية في مختلف الساحات والأقاليم في فلسطين والشتات، وصولاً للقضايا المالية في ظل تعالي صراخ البعض من الجفاف المالي الذي تعانيه حركة فتح.

ففي الوضع الفتحاوي الداخلي، رأى البعض أن حركة فتح لم تحقق على المستوى الداخلي انجازات ملموسة بعد عام من انتهاء أعمال المؤتمر السادس. وطالب بعضهم بـ (تقليم الشجرة الفتحاوية وقصقصة بعض الأغصان اليابسة فيها) لـ (تصبح أقوى)، وحتى لاتصبح حركة فتح «كغثاء السيل أو كالطحالب الضارة التي تخرج عنها في كل مرحلة» على حد تعبير أحدهم.

وعليه، فالاتجاه العام داخل اجتماعات المجلس الثوري في دورته الأخيرة، طالب بتوحيد وتفعيل وتجديد دور حركة فتح على كافة الأصعدة، وهو ما يقتضي إعادة بناء حركة فتح الواحدة الموحدة، والعمل على استعادة الدعم والحضور الجماهيري لها، واستعادة الخط النضالي الذي ميزها على الدوام، والتأكيد على استمرارها كحركة تحرر وطني لا تتخلى عن مقاومة الاحتلال. كما في استعادة الموروث الكفاحي، الذي ميز حركة فتح عند انطلاقتها، وتأكيد قيم المحاسبة وتكريس الالتزام بعقلية المؤسسة، وبتجديد قانون المحبة في التعامل بين أبناء الحركة للحفاظ على وحدتها. وإعادة البناء الحركي بإعادة التنسيب وفق النظام الأساسي، وإحياء وتفعيل الأطر من القاعدة، حتى قمة التنظيم، وإنهاء ظاهرة الكادر غير المؤطر تنظيمياً (وهي ظاهرة منتشرة في صفوف حركة فتح في كل مكان)، وايجاد صيغة فاعلة لتأطير العسكريين (خصوصاً المحالين على التقاعد وغالبيتهم لم تتجاوز سن الستين عاماً)، وتفعيل دور اللجنة المركزية. والاصرار على تشكيل الهيئات والمؤسسات والأطر التنظيمية بالانتخاب، وانتظام عقد المؤتمرات الحركية لكل المواقع التنظيمية في فلسطين والشتات. وتحقيق وحدة الحركة بين الداخل والخارج، وبين شباب الحركة وشيوخها. وتجديد شبابها والتعاون بين الأجيال. وتكريم قدامى المناضلين. والحرص على استقلال حركة فتح في اطار منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية.

أما بالنسبة للمسألة المالية، فقد تم الحديث الجدي عن أهمية تنمية مالية حركة فتح بالاعتماد على الذات في ظل شح مصادر الدعم والتمويل، وإعادة بناء النظام المالي، بما يضمن الشفافية والمحاسبة ووضع حد للتسيب، بما يتيح الفرصة الأوسع للرقابة والمحاسبة.

فهل تنجح حركة فتح في ذلك، وهل تنجح في الفصل بين دورها كتنظيم في صفوف الشعب الفلسطيني وبين مواقع السلطة وامتيازاتها بعد أن ضاعت بين السلطة والتنظيم، وتماهت لحزب السلطة كما هي حال سلطة الحزب الواحد في بعض دول العالم الثالث .. ؟