خبر لكثرة الاشجار..هآرتس

الساعة 08:08 م|08 أغسطس 2010

بقلم: جدعون ليفي

لا نرى الغابة أحيانا لكثرة الاشجار حقا. والغابة هي غابة العنصرية الرسمية، وعنصرية الحكم والسياسة، هي معتمة مظلمة. إن شجرة واحدة في الغابة تهيج الان اسرائيليين كثيرين وهي معاملة دولتهم لاولاد العمال الاجانب. تفيء الى ظل شجرة اخرى معاملة آباء هؤلاء الاولاد وهي أقل اثارة للعواطف. بيد انه توجد اشجار سامة كثيرة أخرى تنمو في الغابة مثل: قوانين الجنسية، وقوانين الولاء، وقوانين التهويد، وهدم قرى البدو في النقب بل قصة المبعوث العربي الذي تنكر بزي يهودي واتهم بالاغتصاب. كل واحد منها أثار للعمل دوائر ما في المجتمع، ومن الحسن ان الامر كذلك، لكن قلة ترى الصورة العامة التي هي أسوأ بأضعاف مضاعفة من مجمل جميع تفصيلاتها.

        تأتي الاضاءة من جهة غير متوقعة: وقد كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خاصة، من بين جميع الاشخاص هو الذي أحسن تعريف المشكلة. قال في تطرقه الى أبناء الاجانب إن الحكومة حائرة بين "الجانب الصهيوني" و "الجانب الانساني". الصهيونية من جهة، والانسانية من جهة أخرى. إن رئيس حكومة اسرائيل ليس غيره يعرضهما على أنهما قيمتان متناقضتان، وهذه هي القصة كلها في قشرة جوزة. يجب بطبيعة الامر مناضلة الامراض المختلفة لكن لا يمكن الى جانب ذلك أن ننسى أن كل شيء يجتمع في صورة واحدة عامة، أساسية جدا وهي أن تعريف اسرائيل على أنها دولة يهودية يقضي علينا بأن نعيش في دولة عنصرية. هذا هو المعنى الجديد للصهيونية الذي تبنيناه لانفسنا لا غير. ولن نستطيع حتى نفهم هذا ان  نجتث جميع الاعشاب الوحشية التي نبتت هنا في المدة الاخيرة. ألن نطرد أبناء العمال الاجانب، لكن سنستمر على هدم قرى البدو؟ لم نحل شيئا اذا. سنظل حائرين بين مظلمة وأخرى حتى نسمي الولد باسمه، وليس الولد هو الولد الاسرائيلي فقط للعامل الاجنبي بل الولد هو طابع الدولة العنصري.

        إن العنصرية ترفع رأسها الان لا في اسرائيل وحدها. فأوروبا والولايات المتحدة تغرقهما موجة ظلماء من كراهية الاجانب. بيد ان هذه العنصرية في اسرائيل كامنة عميقا في القيم الاساسية: فليست عندنا حتى الان دولة ثبتت فيها قوانين الهجرة على نحو صريح بين، على دماء من يطرقون أبوابها. إن الدم اليهودي، الأصيل او المريب أحيانا هو دم حلال اما الدم الآخر أي دم أبناء جميع الديانات او القوميات الاخرى فمرفوض. لا تفتح اي دولة ابوابها لكل من هب ودب لكن في حين تقوم سياسة الهجرة في دول اخرى على اعتبارات اقتصادية وثقافية واجتماعية، اسم اللعبة في اسرائيل هو رابطة الدم. على هذا النحو فقط يمكن ان ندرك كيف يمكن أن يجد مولود في البلاد متحدث بلغتها محترم لقيمها بل يخدم في جيشها،  نفسه مطرودا منها في حين تفتح أبوابها على مصارعها لابناء "سبط منشيه" من الهند أو أحفاد شبه يهودية من كازاخستان. بخلاف ما يذيعون عندنا، لا يوجد جدل ذو شأن في العالم، ولا في البلاد بطبيعة الحال في حق اليهودي في دولة. إن الجدل الذي يثور الان هو في طابعها. ولا جدل أيضا في عدل قانون العودة الاسرائيلي: فاسرائيل هي مكان اليهود الذين يريدون العيش فيها. يدور الجدل الحقيقي في وحدانية هذا القانون وفي كونه لليهود فقط. من هنا يبدأ كل شيء. كان يمكن بعد المحرقة تفهم الحاجة، وكان يمكن في السنين الاولى للدولة فهم الضرورة، لكن بعد 62 سنة من اقامتها وبالنظر الى قوتها المدهشة، حان وقت أن  نفحص من جديد عن المفاهيم التي أكل الدهر عليها وشرب منذ زمن.

        أيعلم أحد حقا ما هو معنى تعبير "دولة يهودية"، الذي نكثر التلويح به؟ هل معناه دولة لليهود فحسب؟ أليس الحديث عن "نقاء العرق" من نوع جديد؟ هل يهددها الخطر السكاني أكثر من خطر تحولها الى حكم عنصري ديني أو دولة فصل عنصري؟ أليس أفضل أن نعيش في دولة ديمقراطية عادلة؟ وكيف يمكن أصلا الحديث عن دولة "يهودية" و "ديمقراطية" في سياق واحد؟ بيد أن كل من يحاول أن يمد يده الى نار هذا النقاش، وكل من يحاول أن يفكر خارج صندوق الكليشيهات الرثة المغسولة، حكمه واحد في اسرائيل وهو سلب شرعية آلي وحملة تشهير. سلوا ابراهام بورغ الذي أعلن في نهاية الاسبوع بنيته انشاء حزب جديد، لهذا الروح حقا.