خبر زبدة على الرأس..معاريف

الساعة 08:05 م|08 أغسطس 2010

بقلم: عوفر شيلح

للوهلة الاولى، يدور الحديث عن شيء يجب أن يتضح: مستشار استراتيجي ذو علاقات اصدر وثيقة تفصل خطة واضحة لتتويج رئيس اركان في ظل خلق نزاع بين وزير الدفاع ورئيس الاركان الحالي، او احد ما زيف مثل هذه الوثيقة في محاولة لافساد رائحة مسؤولين كبار، بمن فيهم اللواء نفسه. ظاهرا، يوجد هنا شيء يلقي بظلال ضخمة على عملية اختيار رئيس الاركان التالي، على سلوك المسؤولين الاكبر عن الامن، على أمور كل مواطن يجب أن يؤمن بانها نقية من أي ظل للشك.

        ظاهرا، صباح اليوم، يجب أن يبدأ تحقيق من المخابرات. في 1987 بعد أن كان التعيين لرئاسة الاركان في جيبه، أصر دان شومرون على تحقيق في موضوع الشائعات على تعيينه، والتي بثها مسؤولون كبار للغاية. وكان اول من وقف امام آلة الحقيقة وفرض على وزير الدفاع رابين وعلى الجهاز بأسره التحقيق الى أن تبين ما هو مصدر الشائعة، من بثها ومن استخدمها. لمنافس شومرون على رئاسة الاركان كانوا يسمونه ايهود باراك – لا، لم يكن هو مرتبط باي ارتباط بهذا الشأن.

        صباح اليوم، حسب سابقة شومرون، ملزم رئيس الاركان غابي اشكنازي بان يطالب بتحقيق من المخابرات، اساسه استخدام آلة الكذب، في ثلاثة مواضيع: اذا كان ضباط في الجيش الاسرائيلي مرتبطون بـ "وثيقة اراد" – حقيقية كانت ام مزيفة؛ اذا كان أي منهم التقى مع مستشارين استراتيجيين ووضع معهم خطة تحسن فرصه للترفيع، واذا كان أي منهم يرتبط بتسريب الوثيقة الى وسائل الاعلام. وذلك لانه ليس فقط كتابة الوثيقة، حقيقية كانت ام مزيفة، هي الامر الاشكالي: اذا كان ضابط كبير هو الذي سربها، بدلا من ان يضعها على طاولة رئيس الاركان والوزير والحرص على الاستيضاح، هذا ايضا يدل كم هي قيادة الجيش مصابة بالخروقات القيمية والاعتبارات الغريبة.

        هل هذا حصل؟ لنعش ونرى. توجد لاسرائيل تقاليد فاخرة إما ان تتضح ظاهرا حتى النهاية او ليمت العالم. ولقدر كبير من الاشخاص يوجد في هذه القصة امور لا يريدون أن يعرفوها حتى لو كانوا يرتبطون على نحو محدد بالوثيقة او بتسريبها: المسؤولون الكبار الذين جندوا لمساعدتهم مستشارين استراتيجيين (ويوجد اكثر من واحد)، المكاتب التي تعنى بالتسريب وباشعال النزاعات (ويوجد اثنان على الاقل). السبيل المقبول في مثل هذه الحالات هو قول شيء وانتظار الحرارة، المونديال او المأساة العائلية التالية لتصرف الانتباه عن الامر.

        الوحيد الذي نفى حتى الان بصوته وبصراحة ما ينسب اليه هو ايال اراد. اراد يقول انه نفسه لم يلتقِ منذ سنين بجلانت (اذا زعم بان شريكه ليئور حورف هو الاخر لم يلتقِ قائد المنطقة الجنوبية – فانا لم اسمع)؛ وهو يصرح بانه لم يكتب وثيقة كهذه ويقول انه يمكن الاثبات بان هذه الوثيقة هي تزييف سيء. وهو مستعد لان  يفتح حواسيب الشركة امام المحققين. اراد يعرف بان القصة تمس به وهو ملزم بان ينفيها: فاذا لم تدحض او لا تكون موضع شك كبير على الاقل، فانه يعرض كمتآمر كبير يتجرأ ليس فقط على اثارة النزاع بين وزير الدفاع ورئيس الاركان بل وان يتوج الجنرالات كما يشاء.

        اعرف اراد لسنوات طويلة. هو كل شيء الا ان يكون غبيا، ومن الغباء طرح امور كهذه في وثيقة حتى لو قيلت وتم التفكير فيها. كما أنني لا اعرف دورا له او لليئور حورف في اشعال النار بين اشكنازي وباراك: الوثيقة هي ظاهرا تعود لبضعة اشهر، والمجموعة التي عبرها تشعل النار ليست كبيرة على نحو خاص، وانا افترض باننا كنا سنسمع عنها شيئا ما. مكتبا وزير الدفاع ورئيس الاركان يقومان بعمل جيد جدا في هذا الشأن، دون أي مستشار استراتيجي. القصة بأسرها تبدو غير منطقية. هذا لا يعني شيئا بعد. والنفي القاطع هو ايضا لا يفعل الكثير الى أن يتم فحص كل شيء – وكما اسلفنا، عندي شك كبير في أن يتم فحصه.

        الاكثر اثارة للدهشة هو أن كل الباقين يسكتون في هذه الاثناء. في اليوم الذي مر منذ نشر الوثيقة لم نسمع شيئا من الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي والذي يتجند بشكل عام بسرعة للدفاع عن السمعة الطيبة للجيش. لم نسمع شيئا من وزير الدفاع، الذي سقط ظل ثقيل بذلك على عملية اختياره لرئيس الاركان. جلانت نفى في حديث لغير النقل مع صحفيين ومقربين، ولكن ليس بصوته. هذا لا يعني بانه كان ضالعا بالفعل. هذا يعني فقط أن لقدر كبير من الاشخاص يوجد قدر كبير من الزبدة على الرأس، ولا يبدو ان ايا منهم يرغب في الالتزام بشيء.

        اختيار رئيس الاركان لم يكن ابدا عملا نقيا من السياسة، النبش والمقربين. باراك لم يكن مشاركا في المؤامرة الحقيرة ضد شومرون، ولكنه استخدم طيفا من النواب، من ايهود اولمرت ودان مريدور من اليمين وحتى يوسي سريد من اليسار، وغير قليل من المقربين الاكثر حميمية لرابين كي يعين رئيسا للاركان منذ 1987. سياسيون من شاس اجتهدوا لدى فؤاد بن اليعيزر من اجل عاموس ملكا في 2003؛ محفل المزرعة حبذ ليس فقط دان حلوتس، بل وايضا موشيه كابلنسكي كمرشح لخلافته. هكذا هو في عملية السياسيون هم الذين يحسمونها والمنتخب هو سياسي بالقوة، وكل من يفكر خلاف ذلك ساذج او متساذج.

 ولكن القضية الحالية مختلفة. "وثيقة اراد" هي الخطة الاكثر تهكما لتتويج قائد للجيش سبق أن رأيناها هنا في أي وقت من الاوقات، او التزييف الاخطر في مثل هذه العملية. بشكل مشوق تأتي بعد ثلاث سنوات وأكثر اعلن فيها اشكنازي الحرب  على علاقات الضباط – وسائل الاعلام وحيث أن جيل الجنرالات الحالي اكثر براءة نسبيا من اسلافه. يبدو ان الضباط كانوا ذات مرة اكثر خبرة في العمليات السرية.

كما أنه لا يمكن لنا الا نعزو ذلك الى الطريقة الخرقاء التي يقود بها باراك العملية. الاعلان الزائد عن انهاء ولاية اشكنازي، قبل عشرة اشهر من الموعد وعندما يكون هذا محدد على أي حال في القانون وغير قابل للتمديد؛ ادخال المزيد من الجنرالات الى الدائرة (الامر الذي يظهر في الوثيقة، وعلى حد قول من يدعي بانه ملفق فقط يدل على انه خطط له في "هندسة مسبقة" من قبل شخص دس فيها عناوين صحف)؛ الافتتاح الاحتفالي لحملة الحجيج للمرشحين نحو الوزير، كل هذا خلق اجواء من الطبيعي فقط أن يعملوا فيها من عمل، وان يسربوا فيها من سرب.

ولكن ليس باراك وحده هو المذنب: الاقوال بان "رئيس الاركان لن يكون دافيد ليفي" سمعها كل من عني في هذا المجال مرات عديدة، وليس من رجال وزير الدفاع. حملة التشهير، ولا سيما بين رئيس قيادة باراك يوني كورن والناطق بلسان الجيش الاسرائيلي آفي بنيهو، خرجت منذ زمن بعيد عما رأيناه في ايام اخرى من التوتر بين المكتبين. من لم يحدث نظاما في هذا الشأن على مدى اشهر لا يجب ان يفاجأ اذا استيقظ ذات صباح مع رأئحة كريهة كهذه.

وكلمة أخيرة عن رئيس الوزراء: بنيامين نتنياهو يتصرف على طول الطريق وكأن هذا ليس شأنه. ليس شأنه أن المسؤولين الكبيرين عن الامن يتقاتلان كقطتين في الشارع، ليس شأنه من سيكون رئيس الاركان التالي، الرجل الكفيل بان يكون الاكثر تأثيرا من كل شخص آخر على ولايته. الان قيادة الجيش غارقة في التوافه، التي التحقيق النشط فقط يمكنه أن ينظف بعضا منها. تخمين معقول؟ هذه المرة ايضا لن يقول بيبي شيئا ولن يفعل شيئا.