خبر حماس وتحديات الراهن..سمير حمدي

الساعة 08:09 ص|05 أغسطس 2010

حماس وتحديات الراهن..سمير حمدي

منذ فوزها في الانتخابات التشريعية تعرضت حركة حماس (والحكومة التي شكلتها) إلى حصار شامل ومحاولات مستمرة لمنعها من تنفيذ برامجها ومن إدارة الشأن العام وهي التي رفعت شعار الإصلاح والتغيير وأطلقت مقولة يد تبني وأخرى تقاوم.

وقد تحالفت أطراف عدة من اجل محاصرة هذه التجربة الوليدة والسعي إلى وأدها قبل أن تصبح نموذجا مؤثرا ليس على المستوى الفلسطيني فحسب بل وعلى المستوى الإقليمي أيضا.ومن هذا المنطلق كان الحصار مركَبا تواشج فيه العامل المحلي ممثلا في سلطة أبي مازن والمجموعات المتنفذة في حركة فتح ،والعامل الإقليمي كما تجسم في موقف مايسمى بدول "الاعتدال"العربي وقد شكل النظام المصري رأس حربة فيه باعتبار الموقع الجغرافي والدور الأبوي الذي لعبته مصر في تعاملها مع القضية الفلسطينية،وأخيرا العامل الدولي الذي كانت الولايات المتحدة هي من يمسك بخيوط لعبته في تناسق تام مع سلطات الاحتلال الصهيوني العدو الأساسي للشعب الفلسطيني. ومن هنا كان على حركة حماس أن تواجه تحديات عديدة على واجهات كثيرة يمكن توصيفها على النحو التالي :

1 ـ فك الحصار :

فرض الكيان الصهيوني الحصار الشامل على غزة بتاريخ 15 ـ 6 ـ 2007 وعمد إلى إغلاق جميع المعابر الدولية والتجارية ومنع أي اتصال خارجي بالقطاع برًا وبحرًا وجوًا ،وفي 19 ـ 9 ـ 2007 اتخذت حكومة الاحتلال المصغرة قرارا باعتبار قطاع غزة "كيانا معاديا " وقررت اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي من شانها أن تشدد الحصار .غير أن كل هذه التدابير ما كان لها أن تنجح لولا تواطؤ طرفين أساسيين أولهما النظام المصري الذي عمد إلى تشديد حصار غزة عبر إغلاق معبر رفح ومن ثم بناء الجدار الفولاذي لمنع التهريب عبر الأنفاق كل هذا بالتنسيق مع سلطة رام الله الحليف الموضوعي لها باعتبار سعي كلا الطرفين إلى الإطاحة بالحكومة القائمة في القطاع .

لقد حافظت حماس من جهة على شعرة معاوية مع النظام المصري على الرغم من تصرفاته العدائية الواضحة بالنظر إلى ما تشكله الجغرافيا السياسية من ثقل في علاقتها مع دولة مجاورة تمثل المنفذ الوحيد للشعب الفلسطيني في غزة ، ومن جهة أخرى كان لحسن إدارتها للقطاع واعتمادها على إمكاناتها الذاتية دورا أساسيا في صمودها أمام حصار جائر لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلا (بالنظر إلى ضيق مساحة القطاع المحاصر وشح موارده وقلة الخيارات المطروحة أمام أهله للتصرف) وكان لهذا الصمود وخصوصا أمام العدوان العسكري الصهيوني والذي كان يهدف إلى الإطاحة بحكم حماس أو على الأقل دفع الشعب إلى الثورة عليها ،دورا أساسيا في بداية تصدع الحصار ومن ثم ليفتح الباب أمام قوافل التضامن الإنسانية وليٌتوج بالدور التركي الحاسم في إثارة الانتباه إلى حصار غير شرعي لا يستند إلى أي أساس قانوني ،بحيث يمكن القول إن استراتيجيا الحصار قد بدأت تتآكل وتفقد فاعليتها في ظل إقرار دولي وان بدرجات متفاوتة بضرورة إعادة النظر فيه إن لم يكن رفعه وبصورة كلية وقد بدأت كثير من الحكومات الغربية تحاول التواصل مع حكومة غزة ـ وان بصورة غير معلنة ـ وهذا أمر يحسب لحركة حماس ويمثل نجاحا لها.

2 ـ انجاز المصالحة :

بالتوازي مع جهود فك الحصار سعت حركة حماس إلى مجاوزة حالة الانقسام الفلسطيني فكان أن انخرطت في جلسات الحوار التي لعب فيها النظام المصري دور الوسيط ولكن بطريقة اقل ما يقال عنها أنها تقوم على مبدأ الأمر الواقع بحيث وجدت حماس نفسها أمام خيار واحد وهو أن تقبل مايٌفرض عليها دون إبداء أي تحفظات وهو شرط يهدف من خلاله النظام المصري إلى تجيير مكاسب هذه المصالحة لطرف محدد هو سلطة رام الله وجماعة أبي مازن ومن ثم إعادة حماس إلى مربعها الأول ،مجرد تنظيم فلسطيني معارض من حقه إبداء الاحتجاج وليس من حقه صنع القرار.

لقد رٌفع شعار مواجهة الانقسام الفلسطيني كفزاعة في وجه حماس وكأن استعادة الوحدة تمثل غاية في حد ذاتها على حساب برنامج المقاومة والتحرير ومن ثم القبول بما يُطبخ للقضية الفلسطينية في دهاليز السياسة الدولية في أفق تصفيتها تماما من خلال دولة منزوعة السلاح ودون سيادة ،تصفية قضية اللاجئين وتوطينهم حيث هم بحسب ظروف المكان والزمان وأخيرا توفير الأمن للكيان الصهيوني والإقرار به دولة يهودية. ومن هنا فإن موقف حماس الممتنع عن التوقيع هو الحامي لخيار المقاومة بل هو ما يمنح حتى لخصومها من أنصار التفاوض الأزلي قيمة لدى شركائهم في دولة الاحتلال وحاميتها الإمبراطورية الأمريكية.

3 ـ صفقة شاليط :

لم يكن اسر الجندي جلعاد شاليط سابقة في حد ذاته ،ولكن الجديد في الأمر هو نجاح آسريه في الحفاظ عليه داخل القطاع والمساومة على إطلاق سراحه مقابل الإفراج عن أسرى الشعب الفلسطيني من ذوي المحكوميات العالية وكالعادة كانت الضغوط كبيرة على حركة حماس للإفراج عن المجرم شاليط وبالنظر إلى الاستقلالية التي تتمتع بها الحركة تجاه الدول الغربية والأنظمة العربية كان من المستحيل أن تنصاع للمطالب التي تدفعها نحو إطلاق سراحه مقابل مكاسب هزيلة. وقد أحسنت حماس التعامل مع ورقة الجندي الأسير من ناحيتين :

أولا:من حيث قدرتها على المناورة وتمسكها بمطالبها المركزية رغم كل أشكال الضغط المسلطة عليها.

ثانيا :تمكنت الحركة من إعادة موضوع الأسرى إلى دائرة الضوء وهم الذين ضاعوا في زحمة المبادرات الورقية الكثيرة.

لقد مثلت حركة حماس ـ قولا وفعلا ـ الرقم الصعب في معادلة الكفاح الفلسطيني وتمكنت من الحفاظ على عمق القضية وانتشالها من ترديها في بؤرة المساومات التي أحالتها من قضية تحرر وطني إلى نقاش حول سلطة خاوية لا تملك من أمرها شيئا ،وبغض النظر عن كل ما يوجه من نقد لحركة حماس ـ وبعضه صحيح ـ إلا انه يتعلق بمجرد أخطاء لا تبلغ أبدا إلى مستوى الخطايا التي يرتكبها البعض تحت ستار الظلمة أو في رابعة النهار ثم يأتي ليعلن انه المؤتمن على القضية في حين انه أول المبادرين إلى تضييعها .

كاتب من تونس

-عن القدس العربي