خبر متى سيكتب أحدهم إلياذة فلسطين؟..د. علي محمد فخرو

الساعة 08:06 ص|05 أغسطس 2010

متى سيكتب أحدهم إلياذة فلسطين؟..د. علي محمد فخرو

هناك فرق هائل بين تسجيل الأحداث الكبرى في حياة الشعوب كتاريخ وبين تسجيلها وسردها كملاحم شعرية أو قصصية. في الماضي السحيق سجّل الشاعر اليوناني هوميروس في 'الإلياذة والأوديسا' ملاحم البطولات وشجاعة أبطالها ووهجّ شخصيًّاتهم المبهرة إبًّان الحروب التي دارت بين تحالف القبائل اليونانية وبين جيوش وسكان مدينة طروادة المحاصرة. في القرن التاسع عشر كتب الروائي الروسي تولستوي قصَّته الملحمية في 'الحرب والسلام' عن اجتياح جيوش نابليون للأرض الروسية. في القرن العشرين كتبت الكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشل ملحمتها القصصية الشهيرة 'ذهب مع الريح' عن الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب.

لم تكن تلك سرداً قصصياً عادياً، بل كانت ملاحم لتبيان البطولات من جهة ولإظهار الآلام والأحزان التي تصاحبها. أسلوبها شاعري سردي رفيع المستوى يقتحم القلب والروح ويؤجٍّج أنبل المشاعر الإنسانية. وعندما أنتجت كأفلام سينمائية أصبحت كلاسيكية خالدة ستعيش عبر العصور. وهي، بعكس كتب تاريخ نفس الأحداث، انتشرت بين ملايين البشر، عبر كل الأوطان، بدلاً من بقائها حبيسة رفوف المكتبات.

دعنا نسأل أنفسنا، نحن أمة العرب. فيما عدا الحربين العالميتين المفجعتين، هل رأى القرن العشرون ملحمة مأساوية فادحة العنف والظلم والاستهتار بحقوق الإنسان أكبر وأقسى من ملحمة عذابات الشعب العربي الفلسطيني؟ كل الملاحم التي ذكرنا خلَّدت أحداث أيام أو بضع سنين معدودة، بينما وصل عمر الملحمة الفلسطينية إلى أكثر من ستيٍّن سنة، وهي مازالت تهيم في وادي العار الإنساني، فلماذا لم يقم أحد بعد بسرد قصَّتها، استباحتها من قبل البربرية الصهيونية وتكالب الغرب الاستعماري وظلم ذوي القربي العربي ومارافق كل ذلك من عويل الثًّكالى وبكاء الأطفال وانسحاق الرجولة تحت وطأة العجز والفقر وبقائها مسرحية لا تنتهي فصولها، سردها كملحمة إنسانية كبرى، وهي التي تحتوي على كل عناصر وتعريفات الملاحم؟

هناك قصيدة من هنا، قصُة من هناك، لكن لا توجد ملحمة خالدة قادرة على قهر الزمن، على فضح اللاعدالة، على كشف حقارة مدنية الأنوار المرتبكة المذعورة أمام جبروت المال والإعلام المافيوي الصهيوني، على تعرية فضيحة المسيحية المتصهينة والمتهًّودة في زمن العجائب الذي نعيش.

ومثلما فضحت إلياذة هوميروس بلادات وألاعيب آلهة اليونان ومدى استعمالهم كأدوات في تبرير أقبح الجرائم، فان المطلوب أن تكون ملحمة فلسطين فضحاً كاملاً للاستعمال المبتذل من قبل الصهاينة لإله ودين موسى من أجل تبرير كل جريمة بشعة ارتكبها الجنود أو المستوطنون الصهاينة بحق العزًّل من شعب فلسطين وذلك باسم حقوق الشعب المختار من قبل إله لا يرحم. فابتذال الدين اليهودي من قبل الصهاينة اليهود ومن قبل المسيحيين الأمريكيين والأوروبيين المتصهينين هو قمة الملحمة الفلسطينية التي تدور من حولها السياسة والتاريخ والإعلام الكاذب تسيل باسمها الدماء والدموع في كل شبر من أرض فلسطين.

إن ملحمة الهولوكوست كانت جرائم بشعة ضد بشر، لكن ملحمة فلسطين هي إبادة لبشر وأرض وثقافة وتاريخ وأمل إنساني مشروع، واستباحة مدينة تروي اليونانية لم تكن أكثر حيوانية وسفالة من استباحة عشرات المدن والقرى الفلسطينية ولقد تم ذلك، ويا لسخرية القدر، من قبل من مازالوا يبكون على أمواتهم من ضحايا النازية لتختلط الفواجع باللامعقول من الشعوذات والهلوسات الدينية والإدعاءات التاريخية والعرقية المضحكة.

وهكذا تبدو عناصر ملحمة فلسطين وتتضاعف وتزداد ظلمة بمرور الأيام لتصلح أن تسجُّل في ألف ملحمة وملحمة.

أرض فلسطين، حيث يموت أطفالها وهم وقوف يقذفون بالحجارة على آلة حربية قاهرة مذلُّة، حيث بالمقٌّابل يرقص الرجال القساة فرحاً بموت أولئك الأطفال وبقر بطون أمهاتهم وأخواتهم، فلسطين تلك تسألنا: متى ستكتبون ملحمتي وإلياذة شعبي؟