خبر وقاحة قوة وفجور استعماري ..عبداللطيف مهنا

الساعة 08:25 م|01 أغسطس 2010

وقاحة قوة وفجور استعماري ..عبداللطيف مهنا

 

الخبر ورد في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ويقول: إن وزارة شؤون المتقاعدين الإسرائيلية قد استحدثت دائرةً جديدة فيها، غايتها البحث عن أملاك اليهود الذين فقدوها عندما قدموا إلى فلسطين المحتلة مهاجرين من الدول العربية التي كانوا يعيشون فيها وبغية السعي لاستعادتها، وهي أملاك يقدرها الإسرائيليون بعشرات المليارات، ويقولون إنها تشتمل على أراضٍ، وبيوت، وآبار نفط... نعم، آبار نفط، هكذا يقولون!

 

كيف سيستعيدونها؟

 

الخبر يقول، بأن الدائرة الجديدة سوف تعد ملفّاً قضائيّاً لكل يهودي من هؤلاء، والذين تقدر أعدادهم الآن بالمليون، ومن ثم تقديم دعاوى قضائية "لاستعادة الأملاك مباشرة وعبر طرف ثالث"... تقديم دعاوى على غرار تلك التي أقيمت في أوروبا في أعقاب ما عرف بالمحرقة! وأنها قد شرعت في إعداد النماذج المطلوبة لتعئبتها.

 

في التفاصيل، وعلى سبيل المثال، أن من هؤلاء اليهود المعنيين باستعادة أملاكهم، ومن العراق وحده، هم 135 ألفاً، وهؤلاء يقولون إنهم تركوا أملاكًا يصل حجمها إلى 10 مليارات دولار!!!

 

أما ما يتعلق بالبلدان العربية الأخرى، فربع اليهود العرب المهاجرين إلى فلسطين المحتلة، أي المليون، قد قدموا من المغرب، و103 آلاف من تونس، و55 ألفاً من اليمن، و20 ألفاً من سوريا، وخمسة آلاف من لبنان، يضاف لهم 120 ألفاً من إيران. ويلاحظ هنا إغفال ذكر اليهود المصريين وعدم إقحامهم في الموضوع... أما في تفاصيل ما تركوه وفق ما أورد الخبر، فمنها الحوانيت والمصالح التجارية، والحسابات المصرفية، ومؤسسات من مثل، الكنس والقاعات وملاجئ المسنين، وصولاً إلى الزعم بأن بعضهم، مثلاً، يمتلك وثائق تثبت بأن أجداده في إيران قد تركوا سبع آبار نفط بالكمال والتمام!

 

والمسألة لا تتوقف عند استعادة هذه الأملاك المزعومة فحسب وما قد يتبع من فوائد متراكمة عليها مع الزمن الذي عمره من عمر اغتصاب فلسطين، بل مطالبة العرب بتعويضات مستحقة ليهودهم الذين غادروا أوطانهم أو بالأحرى، الذين هاجروا وبملء إرادتهم أو هجرتهم الصهيونية منها، لكي يسهموا في اغتصاب بلد عربي ويطردوا أهله منه ويحلوا محلهم. وهذه التعويضات، هي كالتالي، وفق ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية عينها:

 

"تعويضات على المس بحقوق اليهود من خلال سحب مواطنتهم، وسلب حريتهم، ومنعهم من الدراسة وحقوق التقاعد التي لم تدفع، وتدنيس قبورهم، وفصلهم من أعمالهم على خلفية عنصرية"!!!

 

تصوَّروا، كم هو المطلوب من المبالغ المستحقة على العرب والإيرانيين، التي تشمل عوائد لممتلكات مفترضة تصل إلى آبار النفط، وتعويضات ليهودهم عليهم هي متعددة الجوانب ولا تُستثنى حتى حقوق التقاعد!

 

هنا نحن بصدد وقاحة تذكرنا بالمثل الشعبي العربي القائل: الفاجر أكل مال التاجر... وهنا لا غرابة ولا عجب، إذ نحن إزاء منطق استعماري إحلالي، ينسجم مع طبيعة من يقيم كيانه على ركام ما اغتصبه، أي وطن الآخر، وبالتالي فهو لا يرى استمرارية لوجوده الغاصب إلا بنفي وجود أصحاب هذه الحقوق المغتصبة، ويستند في هذا إلى ثقافة عنصرية انتقائية تليدة تضرب جذورها في الخرافة والسطو على أساطير وثقافات ومواريث الآخرين. وهذا بالطبع لا يستقيم إلا بتزوير التاريخ وسرقة الجغرافيا. وهو منطق غازٍ فاجر يتجاهل بالتالي جملة من الحقائق محاولًا القفز عليها مستندًا في ذلك إلى القوة وما يتيحه له الغرب من دعم وتغطية لجرائمه، ومستفيدًا من حالة الانحدار العربي الكارثية، نكتفي هنا بالإشارة إلى اثنتين:

 

الأولى، أن الصهيونية، كما هو معروف وموثَّق تاريخيًّا، هي التي هجَّرت اليهود العرب إلى فلسطين العربية لتنجز بهم وبسواهم من يهود العالم عملية اغتصابها، ولم يطردوا أو يهجَّروا أو يدفعوا إلى الهجرة بقرار من أي بلد عربي، وعمليات التفجيرات التي ارتكبها الصهاينة في العراق لتهجير اليهود معروفة وثابتة. وإنما تم هذا التهجير بالتواطؤ والضغوطات والتدخلات الأجنبية في بعض الأقطار العربية التي كان أغلبها تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة وغير المباشرة، لانتزاع السماح لليهود العرب بالهجرة إلى فلسطين، أو الهجرة إلى أقطار أخرى ومنها إلى فلسطين. كما أن هؤلاء كما هو معروف، منهم من باع أملاكه أو من وضعها بتصرف وكيل يهودي لم يهاجر ليبيعها بالسعر المناسب، وهناك من بقي هو وأملاكه وما زال يعيش حيث عاش أجداده... في تونس مثلًا، ومنهم من هو وزير أو مستشار كما هو الحال في المغرب، أو نائب برلماني في البحرين على سبيل المثال.

 

والثانية، أن هؤلاء الذين هاجروا أو هجَّرتهم الصهيونية إلى فلسطين وتطالب اليوم بتعويضات لهم يعيشون منذ أن هاجروا هم ونسلهم وسواهم من يهود العالم في أملاك من طردوهم من العرب الفلسطينيين من وطنهم بعد سلبه. أي في أملاك العرب وبيوتهم وأراضيهم، أو على أنقاض كل ما كان وطنهم المغتصب.

 

وأخيرًا، لعل حقيقة الحقائق التي يمكن إضافتها إلى السابقتين، ولعلها الأهم، هي أن مثل هذا المنطق الوقح يظهرلنا حجم ومدى التحدي الوجودي الذي يعيشه العرب كل العرب وجيلاً بعد جيل ما دامت "إسرائيل" جاثمة على القلب من وطنهم الكبير، حيث بلغت بها الوقاحة الاستعمارية المنطق والمنطلق حدّاً جعلها تغتصب الحقوق وتطالب بالتعويضات ممن اغتصبت حقوقهم!

 

منطق لا يواجه بغير المطالبة بكامل حقوقنا في فلسطيننا التاريخية، بمعنى انتزاعها، فالحقوق لا تستعاد إلا انتزاعاً.

 

كاتب فلسطيني