خبر سالبو التاريخ..يديعوت

الساعة 08:22 ص|01 أغسطس 2010

بقلم: رونين بيرغمان

بنظرة خفيضة، بحديث كمن على رأسه الطير، حاول أمين سر الدولة، د. يهوشع فرويندلخ، تبرير قرار رئيس الوزراء الاستسلام لضغط شعبة الاستخبارات "امان"، "الموساد"، "الشاباك" ولجنة الطاقة الذرية لتمديد فترة حصانة الوثائق السرية لديها الى 70 سنة. تبين لنا، شرح فرويندلخ في التلفزيون بان بالفعل لا يوجد سبب امني لابقائها عميقا في الخزنة، ولكنها ستبقى هناك لاعتبارات الحرمة الشخصية.

        بعد ساعة طفيفة منه كشف النقاب سلفه في المنصب، د. طوبية فريلنغ، الحقيقة خلف ستار الاكاذيب التي نشرتها اسرة الاستخبارات كي تسلب منا بالقوة تاريخنا جميعنا: عندما شغل منصب امين سر الدولة (2001 – 2004) حاولت اسرة الاستخبارات اقناعه بالموافقة على تمديد فترة الحصانة الى 70 سنة، كما جربت عليه ايضا "الحرمة الشخصية". كان هذا فرويندلخ، الذي كان في حينه رقم 2 في ارشيف الدولة، الذي وقف في رأس المعارضة المهنية للمحاولة اياها. اما اليوم، عندما أصبح رئيسا للمنظومة، فقد أعطاها اسنادا. لا غرو أن اقواله كانت متلعثمة ومصابة بالتناقضات الداخلية.

        فرويندلخ ليس مذنبا. فهو يعرف بانه اذا لم يقبل باملاءات رؤساء الجهاز الامني، فانه سينهي مهام منصبه. خسارة أنه لا يفهم بان اهمية الموضوع اكبر حتى من اهمية وظيفته.

        مصدر القضية يعود الى الصراع البديل تديره "يديعوت احرونوت" في العقد الاخير ضد دوس القانون من قبل اسرة الاستخبارات. من كان يسيطر في الماضي يسيطر في الحاضر – وربما ايضا في المستقبل. هذا المبدأ فهمه قادة جهاز الامن، واقاموا لانفسهم خلافا للقانون، ارشيفات خاصة بهم. وقد تم هذا خلافا للقانون، فيما أن ليس لامين سر الدولة، الذي يفترض أن يشرف على ما يجري فيها أي صلاحية او موطيء قدم. في هذا الوضع، فان ليس المادة فقط التي كان يفترض بها أن تتحرر لعناية الجمهور لم تخرج الى النور، بل ان قادة الارشيفات قرروا ماذا، متى وكيف يبيدون مادة محرجة، وكيف يصممون تاريخ دولة اسرائيل.

        في البداية حاولنا الحوار. فالقوا بنا من على كل الدرج. وبشكل لا مفر منه طلبنا من محكمة العدل العليا التدخل. كشفنا النقاب عن أنه في هذه الارشيفات الخاصة تراكمت كيلومترات من الصناديق التي تتضمن مادة ذات اهمية غير مسبوقة لتاريخ وتراث اسرائيل. واضافة الى ذلك: حسب القانون، فان المادة الامنية تكشف للجمهور بعد خمسين سنة، حيث يمكن ابقاء بعض منها سريا لاعتبارات امنية. أذرع الاستخبارات لم تبدأ على الاطلاق في تصنيف السجلات التي نشأت بين 1948 و 1960.

        وأجلت محكمة العدل العليا المداولات المرة تلو الاخرى، وفي هذه الاثناء أصدرت الدولة سلسلة من الاوامر لتسويغ غير المقبول، وجعلت الارشيفات غير القانونية جزءا من ارشيف الدولة. "وكأن". اما في الواقع فشيئا لم يتغير باستثناء البطاقة التي يعلن فيها امين سر الدولة، فجأة، بان ارشيف الموساد او الشاباك او لجنة الطاقة الذرية هو جزء منه. طلبنا الكشف كيف يراقب ارشيف الدولة الارشيفات الخاصة  لاسرة الاستخبارات بان يحافظوا على المادة كما ينبغي ولا يبيدو ما يخجلهم – رد عليه بصمت صاخب.

        نتنياهو أمر الان، كما أسلفنا بتغيير سن كشف الوثائق الى 70 سنة. بمعنى، عندما لا تنفذ الدولة القانون، فانها تغيره. بداية زعم في محكمة العدل العليا بان ليس في الدولة ما يكفي من المال لتنفيذ القانون. مشوق أن نعرف ما كان سيقوله القضاة لو أن شخصا خاصة طرح ذلك كمبرر. تفسير ثان كان ان الوثائق لا تزال سرية. وهذا قول مدحوض: في المداولات الداخلية بين وزارة العدل، رئيس الوزراء، امين السر، وأسرة الاستخبارات تبين أن نحو 95 في المائة من الوثائق ليست سرية، ولا يمكن الدفاع عن ذلك في محكمة العدل العليا.

        وهكذا نشأت الذريعة الثالثة: الحرمة الشخصية. ولكنها  مدحوضة بقدر لا يقل عن الاخرى. بالفعل، قلة قليلة من الملفات (ولا سيما تلك المتعلقة بتشغيل عملاء احياء) قد تكون مصابة بذلك، وهذه ينبغي ابقاءها سرية. اما كل ما تبقى (تقديرات شعبة الاستخبارات مثلا) فليس لها أي صلة بالامر.

        الحقيقة أبسط بكثير: في اسرة الاستخبارات ببساطة لا يفهمون ما هي الديمقراطية، ما هي الشفافية وما هو الحساب الذي ينبغي للسلطة التنفيذية ان تقدمه لنا جميعا. وهم لا يفهمون بان هذا هو تاريخنا جميعنا ومريح لهم الاختباء وراء الحضن الدافىء للظلمة.

        ليست اعتبارات الميزانية، ولا الامن وبالتأكيد ليست الحرمة الشخصية، ببساطة غريزة بيروقراطية، مفعمة بالانا، لاجهزة سر وخفاء تخشى الانكشاف. خسارة ان المؤرخين المهنيين لارشيف الدولة يساهمون في هذه الكذبة.