خبر المفاوضات المباشرة :انتحار سياسي..هاني المصري

الساعة 05:56 ص|31 يوليو 2010

 المفاوضات المباشرة :انتحار سياسي..هاني المصري

 أعطى قرار لجنة المتابعة العربية بالموافقة المبدئية على الانتقال للمفاوضات المباشرة "الضوء الاصفر وليس الاخضر" للرئيس محمود عباس لأنه ترك تقدير الموقف النهائي واتخاذ قرار المشاركة بهذه المفاوضات من عدمه له لاتخاذه في الوقت المناسب.

فلجنة المتابعة العربية لا تريد ان تغضب الادارة الاميركية برفض توفير الغطاء العربي للقيادة الفلسطينية، فأعطت نصف موافقة، ولا تريد بنفس الوقت تحمل المسؤولية عن هذا القرار، فأعطت موعد تنفيذه للرئيس عباس.

إن هذا الموقف للجنة المتابعة يعكس الضعف والعجز العربي، خصوصاً لأنه لم يربط ما بين الموافقة المبدئية على الدخول في المفاوضات المباشرة بالشروط الفلسطينية والعربية، التي وضعت منذ قرارها الاول بالدخول في مفاوضات غير مباشرة لمدة اربعة اشهر، والذي اتخذ في بداية شهر ايار الماضي وينتهي في الثامن من ايلول القادم .

فبدلاً من الاستنتاج من فشل المفاوضات غير المباشرة وعدم احرازها اي تقدم، ومن تعنت الحكومة الاسرائيلية ورفضها للمطالب العربية، التي كما قالت حكومة نتنياهو يستحيل الموافقة عليها، ومن عدم استعدادها لتمديد مسرحية التفكيك الجزئي والمؤقت للاستيطان، التي ستنتهي في الثامن من ايلول القادم، ومن تراجع الادارة الاميركية عن وعودها بوقف الاستيطان واطلاق عملية سلام جادة والضغط على اسرائيل وعدم تقديمها ضمانات يعتد بها، حتى لو كانت تشبه الضمانات التي قدمتها ادارة بوش السابقة، ضرورة بلورة خيارات وبدائل فلسطينية وعربية جديدة مثل إنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني والمقاومة المثمرة وجمع واستخدام اوراق القوة والضغط العربية والتوجه الى المؤسسات الدولية لتدويل القضية الفلسطينية ورفض الدخول في مفاوضات مهما كان شكلها، اذا لم تكن مرجعيتها انهاء الاحتلال وتطبيق القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة، اعطت لجنة المتابعة العربية الموافقة المبدئية على دخول المفاوضات وفقاً للشروط الاسرائيلية، أي مفاوضات بلا شروط، مفاوضات من اجل المفاوضات، مفاوضات يطرح فيها كل طرف ما يريد، ويقبل ويرفض كل طرف ما يريد، اي مفاوضات يتحكم بها الاحتلال الاسرائيلي.

ان هذا الموقف العربي المتخاذل يضع القيادة الفلسطينية في موقف اصعب من موقفها الحالي، وهي ساعدت بمواقفها في الوصول اليه:

فاذا اختارت رفض الدخول بالمفاوضات المباشرة ستدفع ثمن هذا الموقف لوحدها، والثمن معروف وهو سيكون عقوبات اميركية واسرائيلية وربما اوروبية ودولية، واذا اختارت المشاركة بالمفاوضات وفقا للشروط الاسرائيلية تقدم على انتحار سياسي، لأن ما لم تحققه المفاوضات غير المباشرة لن تحققه او اكثر منه المفاوضات المباشرة .

والادارة الاميركية ومعها المجتمع الدولي عجزا عن اقناع اسرائيل بوقف الاستيطان، فكيف بامكانهما اقناعها بالانسحاب من الارض المحتلة عام 1967، او بالموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. ولا نتحدث عن قضية اللاجئين، التي يبدو ان هناك استعداداً للمساومة عليها مقابل الدولة، ولكن اسرائيل تريد تصفية قضية اللاجئين ولا تريد انهاء الاحتلال واقامة دولة حرة مستقلة على حدود 1967 ، ولا تريد ازالة المستوطنات والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

إن التبريرات التي يقدمها القادة العرب والفلسطينيون للموقف المتهافت الذي اتخذوه لا تقنع احداً.

فالعرب يتحدثون عن إلقاء الكرة الى الملعب الاسرائيلي في حين انهم يضعون انفسهم بهذا الموقف في المرمى الاسرائيلي.

والعرب يتحدثون عن وضع الادارة الاميركية امام مسؤولياتها ويسعون لتجنب دفع ثمن موقفهم في ظل التهديدات والضغوطات الاميركية، متناسين ان التنازل امام الضغوط الاميركية يفتح شهية الادارة الاميركية على ممارسة المزيد من الضغوط عليهم .

فعندما رفضت اسرائيل الضغوط الاميركية تحولت الادارة الاميركية للضغط على الفلسطينيين والعرب. وعندما استجابوا ستواصل ممارسة الضغط عليهم.

إن القيادة الفلسطينية بمقدورها ان ترفض المشاركة بالمفاوضات العبثية المقترحة عليها، لأنها ستكون اسوأ من سابقتها، فهي غير محكومة، حتى بمرجعية يتم تجاوزها من الحكومات الاسرائيلية، مثلما كان يحدث في السابق، وانما مفاوضات لا يحكمها اي شيء .

هذا يعني ان المفاوض الفلسطيني سيكون تحت رحمة المفاوض الاسرائيلي. والحجة الرئيسية لعدم الرفض الفلسطيني هي ان الضغوط والتهديدات الاميركية بممارسة عقوبات ووقف الدعم والانسحاب من الجهود الاميركية لفرض عملية السلام وصلت الى درجة غير مسبوقة من قبل، كما صرح الرئيس ابو مازن أثناء لقائه مع رؤساء الصحف اليومية المصرية.

وهي حجة غير مقبولة لأنه لا يمكن مقايضة دعم السلطة بالتنازل عن المواقف والحقوق، فالسلطة وجدت من اجل دعم الحقوق وليس مهمة القيادة الحفاظ على السلطة على حساب الحقوق.

كما انني أشك بقدرة الولايات المتحدة الاميركية على ممارسة تهديداتها لأن الادارة الاميركية في و ضع تراجع على مستوى العالم وفي المنطقة، خصوصاً بعد الازمة الاقتصادية والمأزق الذي تعيشه في افغانستان والعراق وصعود ايران وتركيا، وهي تستعد مع اسرائيل لاحتمال الحرب مع (ايران)، لذا هي ليست بوضع تجازف فيه بخسارة القيادة الفلسطينية ودفع الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي نحو مواجهات غير محسوبة، ستؤدي الى زعزعة الامن والاستقرار في المنطقة بأسرها، وربما بالعالم كله.

ان لدى الرئيس حجة مناسبة للتنصل من الموافقة على الدخول في مفاوضات مباشرة هي عدم وجود شرعية فلسطينية لهذا القرار لكونه مرفوضاً من الاغلبية الساحقة من الشعب والقوى والفعاليات الوطنية، بما فيها حركة فتح ، كما تدل المواقف الصادرة عنها جميعا تعقيبا على قرار لجنة المتابعة العربية.

في كل الاحوال لا شيء يبرر الاقدام على انتحار سياسي "كرمال عيون" باراك اوباما بدون ان تقدم ادارته اي شيء للفلسطينيين والعرب سوى خطابات معسولة ووعود متكررة سرعان

ما تتراجع عنها باستمرار.

-عن الأيام المحلية