خبر نتنياهو يطلب، أوباما يأمر، العرب يطيعون..علي عقلة عرسان

الساعة 01:28 م|30 يوليو 2010

نتنياهو يطلب، أوباما يأمر، العرب يطيعون..علي عقلة عرسان

 

نتنياهو يطلب، أوباما يأمر، العرب ينصاعون ويسارعون إلى تسويغ ما يطلب إليهم الدخول فيه من أمور قد لا ترضيهم، ويمضون إلى التنفيذ بعزم، ويتراكضون إلى المنابر للإشادة بالحنكة الأميركية المهلكة التي ما فتئت تدمرهم مع حليفها الصهيوني، وتستعيد لحظات تدميرهم واحتراقهم، لترسم في ضوئها خططاً جديدة لمزيد من المحارق والتدمير. إنها حالة مزمنة من الكذب والخداع الصهيوني ـ الغربي أدمنها المسؤولون العرب حتى لم يعد لهم من ذلك شفاء، وحالة مزمنة أيضاً من الخضوع العربي لا مخرج منها.

يوم الخميس 29/تموز 2010 منحت لجنة متابعة مبادرة السلام في الجامعة العربية موافقتها على استئناف المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني من دون ما تقدم في المفاوضات غير لمباشرة، وذلك تحت ضغط أميركي مباشر تبنته أنظمة عربية بحماسة، وسوقته بتصميم، وفوضت محمود عباس بتحديد البداية حيث لا توجد نهاية، فـ "الـحياة مفاوضات" كما يقال ويشاع.!؟

ابتلع الفلسطيني "لاءاته الشكلية التي كانت للاستهلاك الداخلي وملء الفراغ القتال، وتنازل عن الضمانات التي كان يطلبها من الأميركي، وعن الإشارة إلى المرجعيات التي تستند إليها المفاوضات المباشرة، والتحف غطاء عربياً سميكاً يمسح به كل ما يعلق بجسمه من أدران؟ أما العربي ذو الجامعة، فقد تنازل عن ضمانات " مكتوبة" كان يطالب بها أمين عام الجامعة، واقتنعت الكثرة في اجتماع اللجنة المشار إليه بما نقله إليها الرئيس عباس من تهديد مبطن وجهه الرئيس أوباما في رسالة خطية لعباس: " حذره فيها من عواقب عدم الانتقال إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، اعتبارا من بداية الشهر المقبل، معتبراً أن عدم الموافقة سيجعل الإدارة الأميركية تتوقف عن دعمه والسلطة، فضلا عن عقوبات أخرى، وربما التخلي عن التزام الإدارة غير المسبوق إقامة الدولة الفلسطينية.". وفي إشارة تنبيه وتحذير وربما إملاء، كما فهمتها بعض الأطراف العربية المعنية، قال الناطق باسم الخارجية الأميركية موحياً إلى/ أو طالباً من اجتماع العاهل السعودي والرئيس الأسد في دمشق:".. نأمل في أن يتوصلا إلى النتيجة نفسها التي وصلنا إليها: كلما أسرعنا في المفاوضات المباشرة، كلما سارت الأمور نحو الأفضل.. وأضاف أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تشاورت هاتفيا مع نظيرها السعودي الأمير سعود الفيصل، كما تواصلت مع نظرائها في دول أخرى منها قطر والأردن." في هذا الأمر. وقد أعلنت كل من سورية، وليبيا، ولبنان، وقطر، والجزائر والسودان معارضتها الانتقال إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، ولكن القرار الذي تبنته ودفعت باتجاهه بالدرجة الأولى، كل من مصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية وبقية خوافي النسر العربي دون القوادم، قد أتخذ في إعادة للكرة إلى مرمى العدو؟! وأصبح كل من رئيس اللجنة الشيخ حمد بن جاسم وأمين عام الجامعة عمرو موسى مكلفاً بالدفاع عنه: " «هناك موافقة من اللجنة باستئناف المفاوضات المباشرة، لكن بمفهوم ما سيُناقش وكيفية إجراء المفاوضات المباشرة، وتُرك ذلك لتقدير الرئيس الفلسطيني.". ومن المنتظر أن "يُحتفل" ببدء المفاوضات المباشرة بين لكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية في مصر، على الرغم من رغبة الولايات المتحدة الأميركية في أن يكون الاحتفاء ببداية المفاوضات المباشرة في واشنطن أو كامب ديفيد.. وقد يعطى الشرف ذلك لمصر "لقاء مساهمتها في تحقيق الرغبة الأميركية ـ الإسرائيلية، واعترافاً بتميز "الدور المصري" في السياق الفلسطيني، ومظاهرة رمزية للريادة المصرية التي تحتاجها جداً، في ضوء تآكل مكانتها الإقليمية."، كما قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية في 28 تموز الجاريـ عن المصدر السياسي في 29 منه.  

وهكذا ستبدأ مرحلة مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية عقيمة كسابقاتها، تسفر عن لا شيء مجسم بالأبعاد الثلاثة، وسيقول العرب في إثر فشلها المدوي: " ما باليد حيلة.. علينا أن نسعى وليس علينا إدراك النجاح.. إسرائيل لا تريد السلام."؟!.. وسيرتاحون من عناء السعي سنوات وسنوات، ويشكون إلى الله ضياع الفرص ولا ينظرون إلى ما بأنفسهم وما يقو به العدو منذ عقود ن الزمن.. ذلك أن الإسرائيلي القوي لا يعطي للفلسطيني الضعيف سوى اللكمات، ويتمدد في العمق العربي وفي الأرض الفلسطينية ويسفك الدماء، ويستمر في الحصار والملاحقة والتهويد والاستيطان وطرد السكان العرب الأصليين م ديارهم.. ويكذب كما يشرب الماء، مدعياً أنه يريد السلام ولكن لا يوجد شريك.؟!.. ويتفرج على هذا المشهد البائس باستمتاع وإعجاب عالمٌ لا يحترم سوى منطق القوة، ولا يبالي بانهيار العدل على يد الضعفاء والأقوياء معاً، ولا بتصفية الأبرياء وحقوقهم ومصالحهم.

إسرائيل تأخذ ولا تُعطي، وما يقر به رئيس حكومة ينقضه رئيس حكومة آخر، " وكلما جاءت أمة منهم لعنت أختها لتقصيرها في الخداع والكذب وقتل الناس واغتصاب حقوقهم..".. وتستمر اللعبة كأن لا يوجد قوانين ولا دول ولا حكومات ولا التزامات من أي نوع، ولا بداية إلا من حيث يقرر مسؤول صهيوني يريد أن يحافظ على ائتلافه الحكومي، وأن  ينفذ وعوده الانتخابية، وأن يدرج في تاريخ ملوك " بني إسرائيل" على أنه الأول في مص الدماء وتحقيق البرنامج الصهيوني، وفي تنفيذ برنامج الاحتلال والاستيطان والتهويد والإبادة. لقد قال نتنياهو لوزير خارجية إسبانيا موراتينوس، عشية انعقاد لجنة المبادرة العربية، بصراحة هي الوقاحة ذاتها: " إن استمرار تجميد البناء في المستوطنات بعد 26 أيلول "متعذر من ناحية سياسية" ـ وبالمناسبة لم يتوقف هو ولا سواه من المسؤولين الإسرائيليين لحظة واحدة عن الاستيطان والتهويد ـ وسيؤدي إلى حل الحكومة.".. وحل الحكومة عند نتنياهو وسواه من رؤساء حكومات إسرائيل هو أثمن من كل السلام، وهو أيضاً استراتيجية تلجأ إليها قيادات الحركة الصهيونية الحاكمة للمصالح اليهودية العليا حين ترى مصلحة في ذلك، أو تقوم بها أحزاب إسرائيلية تتبارى في التطرف وقتل العرب وانتهاك المقدسات، لتتملص  "إسرائيل" من أية الالتزامات ضاغطة من أي نوع، وتبدأ حكومة جديدة تتنصل من كل ما يمكن أن يشكل التزاماً تجاه أحد، لأن الرئيس الحالي لا يوافق على ما فعله أو قاله و التزم به الرئيس السابق؟!. وعلى من يشك بتلك الألاعيب الصهيونية القذرة، التي يقرهم عليها حلفاؤهم الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحد الأميركية، وتتغاضى عنها منظمات دولية عليا، على رأسها مجلس الأمن الدولي.. أن ينظر إلى مفاصل من تاريخ الصراع والتفاوض العربي ـ الصهيوني، وإلى القرارات الدولية الكثيرة ومنها القرارات الشهيرة181 و194 242 و338 إلخ المتخذة من الهيئات الدولية على أعلى المستويات وفي قضايا كثيرة منها قضية الأم السلام والقدس والاستيطان.. منذ إنشاء الكيان الصهيوني حتى اليوم، ليتأكد من ذلك أولاً، ثم ليخبرنا الخبر اليقين.   

إن الأمور تجري هذا المجرى منذ عقود من الزمن، ومنطق العلاقات والمفاوضات ذاك واضح لمن يريد أن يقرا ويستنتج ويضع الأمور في نصابها الصحيح، لكن العرب، بكل أسف، يتهربون من مواجهة الحقائق والوقائع، لأنهم لا يريدون خوض التحدي الذي ينتهي، أو قد ينتهي، بمواجهة ساخنة مع المحتل ومشاريعه وحلفائه، ولا يريدون كشف المستور من الأمور، التي يقول بعضها إن الإرادة الخاضعة للمحتل والمتشبعة بمنطقه، والعاملة وفق مشيئته طوعاً أو كرهاً، لا تريد أن تظهر بمظهر الضعيف المتهالك ولا التابع الذليل،ولا أن تخوض امتحاناً يكشفها أو يعريها.. وكفى الله المؤمنين شر القتال.

منذ سنوات وسنوات وإسرائيل تكسب الوقت، وتستنفد كل دقيقة في تنفيذ مخططاتها وبرامجها، وفق استراتيجية ترمي إلى: تدمير الإرادة العربية، واستكمال بناء الجدار، وتهويد القدس وإجلاء سكانها العرب عنها، واستكمال بناء حزام المستوطنات من حولها، وتوسيع تلك المستوطنات على حساب ما بقى من أرض الضفة الغربية، ومن ثم تقول للفلسطينيين: تفضلوا أنتم والعرب ومن معكم من المسلمين ووافقوا على الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وعلى تطبيع العلاقات معها واعتبارها الشريك لمهيمن في أمن لمنطقة وخيراتها، وسوف نعطيكم من بعد ذلك " دولة فلسطينية" بلا مقومات دولة، نكون نحن على حدودها الشرقية مع الأردن، حيث تشغل قواتنا ورقابتنا الأمنية مواقع على طول الضفة الغربية لنهر الأردن، وتكونون أنتم في القفص الذي نتعهد لكم بأن يكون جميل المظهر لافتاً للنظر.. قفص السلام المذهب الذي نعده لكم، حيث ندور بكم في أنحاء الأرض بضجيج وعجيج، ونقول للعالم: أنظر.. ها قد أعطيناهم دولة قفصاً، وأعطونا فلسطين دولة يهودية، والقدس عاصمة أبدية، واعترافاً عربياً وإسلامياً شاملاً كاملاً بنا، وتطبيعاً لعلاقاتنا معهم وعلاقاتهم معنا.. مع بقائنا القوة المهيمنة في الفضاء السياسي والاقتصادي والأمني."!!.

هكذا ستقول إسرائيل، وهكذا كانت تقول وتتصرف.. وإذا شعر العرب "هذه المرة" بأنها تخاتل وتماطل كعادتها، وبأن المفاوضات المباشرة فشلت، وأن الرئيس أوباما أخل بوعود ونكث عهوداً قطعها للفلسطينيين والعرب، مرغماً أو متواطئاً، كما فعل سابقاً وكما فعل رؤساء أميركيون سبقوه.. فسوف تلجأ جامعة الدول العربية، بقضها وقضيضها، إلى مجلس الأمن الدولي، وربما تعتصم في أروقته لأيام، حيث تستأنف هناك المناحة والكلام اللذين بدأا منذ عام 1948 حول فلسطين ولأقصى واللاجئين، وتنفيذ قرارات دولية تتعلق بالقضية، وباحترام حقوق الإنسان ومرجعيات دولية أقرها المجلس العتيد.. ولكن من دون فائدة ترجى من ذلك.. لأن الكل يدرك أن أحداً منهم لن يلجأ إلى البحث عن بدائل مجدية، ولا حتى إلى التفكير في بدائل منها تنمية قوة عربية تستعيد الحق الذي أخذ بالقوة ولا يُسترد بغير القوة، ذلك أن تفرقهم المزمن المتنامي، وولاءاتهم البغيضة لغيرهم، وخوفهم الدفين من بعضهم بعضاً، واعتمادهم على ما يسمونه حكمة تكون في بعض الحالات نكبة وتعبيراً عن جبن، ودليلاً على أن ضعفهم ناتج بالدرجة الأولى عن فقدان سند شعوب اضطهدوها، وغيبوا تضحياتها وقدراتها الخلاقة في عتمة ذاكرتهم المتهافتة.. كما يدركون هم أن كل ذلك الذي رسخوه بصورة ما لن يسمح بخطوة كهذه أو بما يقرِّب من التفكير بها.. فتنمية قوة تحرر وتحمي أمر يتطلب إرادة سياسية، وشجاعة تاريخية، وإيماناً عميقاً بالله والحق، ووحدة رؤية وهدف وموقف، ومبادرة جريئة للحصول على مقومات البناء المتين لما يُنقذ ويُحرِّر، على أسس الانتماء والهوية القومية والدين، واحترام الحق في الوجود، وكل ذلك يتطلب أولاً وقبل كل شيء عودة إلى الشعب، وإعلاء لسلطته وكلمته وإرادته.. وهذا نهج غير متوفر كله أو جله، ففاقد الشيء لا يعطيه، والقادة الرسميون، فيما يبدو، " يبرؤون إلى الله ورسوله من كل ذلك، ومن أن يتهموا بشيء منه.. فغضب الأسياد أقوى من غضب العباد ورب العباد؟!..

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

دمشق في 30/7/2010