خبر إسرائيل وسياسة «تفتيت» المنطقة العربية.. فايز رشيد

الساعة 08:19 ص|30 يوليو 2010

اسرائيل وسياسة «تفتيت» المنطقة العربية.. فايز رشيد

بالرغم من وجهات النظر المختلفة والمتعارضة من حزب الله وزعيمه، غير أن أحداً لا يمتلك سوى وصف الخطاب الأخير لأمينه العام حسن نصر الله في يوم الجريح (الجمعة 16/07/2010)، بالموضوعية الكبيرة، ذلك أن محتوى الخطاب ينصبّ على تساؤلات صحيحة، علمية، عملية، ومخاوف حقيقية مشروعة، إنْ بالنسبة لمستقبل لبنان أو المنطقة بشكل عام .

 

نعيد إلى الأذهان أجواء التوتر التي تحاول إسرائيل إذكاءها على الحدود مع لبنان من خلال المناورات العسكرية المستمرة، والتصريحات النارية للقادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وتجنيد العملاء الكثيرين في الساحة اللبنانية، ممن يحتلون مواقع حساسة قادرة على تقديم الخدمات والمعلومات للمخابرات الإسرائيلية، الأمر الذي يشي بأن الجانب الاسرائيلي يضع لبنان من ضمن أولوياته وأجندته، فالهزيمتان اللتان لحقتا بإسرائيل في عامي 2000 و2006 على أيدي المقاومة الوطنية اللبنانية ستظل ماثلة أمام قادتها، وبالأخص عسكرييها الذين لم يتعودوا الهزائم في المعارك .

 

ما يلفت النظر إليه، التصريح الذي أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي حول توقعه (اضطرابات لبنانية داخلية في أيلول المقبل) . وتصريح حديث ذكر فيه، بأن إسرائيل قادرة على شن هجمات على المناطق المأهولة بالسكان في كافة المناطق اللبنانية .

 

التصريح الأول للقائد العسكري الإسرائيلي يعني بالطبع، التوتر المتوقع المتزامن مع القرار الظني الذي ستصدره المحكمة الدولية حول اغتيال رفيق الحريري في ذات الشهر، والتسريبات السياسية الكثيرة التي وفقاً لسياسيين عديدين: محليين وإقليمين ودوليين، بأن هذه القرار سيطال شخصيات قيادية مهمة في حزب الله .

 

نصر الله اعتبر هذا الأمر (بمثابة وصفة للحرب الأهلية في لبنان)، وهو تقييم موضوعي، فلا يخفى على أحد التسييس المقصود للحادثة المؤلمة لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق .

 

من ناحية ثانية، فإن التناغم بين تصريحات أشكنازي والتسريبات السياسية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، الحرص الاسرائيلي المستمر على تفتيت لبنان من داخله، وتحويل الصراع من عنوانه الأساسي مع إسرائيل إلى صراع لبناني لبناني، كما يؤكد وجود تنسيق كبير بين إسرائيل وأطراف عديدة، لإعادة شبح الحرب الأهلية اللبنانية .

 

خطاب نصر الله على هذا الصعيد كان بمثابة دقّ ناقوس الخطر القادم، تجنباً للوقوع في حبائله وفي مستنقعاته، وبخاصة التحليل الذي قدّمه، من أن القرار الظني العتيد سيكون على الأرجح مبنياً على معلومات الاتصالات السلكية التي تتم في لبنان .

 

من وجهة نظر زعيم حزب الله، فإن إسرائيل التي حرصت على تجنيد عملاء مهمين لها في الاتصالات السلكية اللبنانية كما كشفت الأحداث الأخيرة (والذين وقعوا في أيدي القوى الأمنية اللبنانية)، قادرة على فبركة اتصالات، والتلاعب بالمعلومات بالشكل الذي يفيد مخططاتها ويتلاءم مع أهدافها . وبالتالي قد يستند قرار ظن المحكمة الدولية إلى معلومات خاطئة مدسوسة، مرسومة بدقة شديدة، حيث تبدو وكأنها صحيحة، ولا مانع من إذاعة تسجيلاتها على الملأ فيما بعد .

 

لقد أشار السيد حسن نصر الله إلى أن الاتصالات الخلوية والسلكية واللاسلكية اللبنانية مخترقة إسرائيلياً، (وما يعزز ما جاء في خطابه إلقاء القبض على جواسيس في إحدى الشركات الخلوية اللبنانية)، وأنها كانت مجالاً حيوياً لتقديم المعلومات حول قضايا ومجالات لبنانية مهمة عديدة إلى الجانب الإسرائيلي .

 

الجانب الوحيد الذي لم تتمكن إسرائيل من رصده هو: اتصالات الحزب لكونه يمتلك شبكة اتصالات خاصة به . وبالتالي عجزت إسرائيل عن متابعة تحركات الحزب المختلفة، الأمر الذي ساعد كثيراً في إخفاق اسرائيل في تحقيق مهماتها من الحرب التي شنتها على لبنان في عام 2006 .

 

لقد خلص أمين عام حزب الله إلى أن الحانب الاسرائيلي ومن خلال شبكات التجسس العديدة(المتلاحقة التي تم الكشف عنها)، هو من قام باغتيال رفيق الحريري، وهو ما يتلاءم ويتناغم ويتماهى مع أدلة ووقائع عديدة محلية وإقليمية ودولية ظهرت بعد حادثة الاغتيال .

 

في التقدير، أن هذا الأمر لم يرد مصادفة في خطاب نصر الله، فقد وعد بالكشف عن معلومات ووثائق يمتلكها الحزب، وسيتم كشفها بعد صدور قرار ظن المحكمة الدولية .

 

لقد أعاد إلى الأذهان ما سبق أن تحدث عنه مراراً من أن زمن الهزائم قد ولّى . لا نعتقد أن نصر الله يردد ذلك جزافاً، فقد أثبتت الوقائع في عامي 2006 و2000 صحة ما كان يقوله ويهدد به، فلم يسبق له مطلقاً أن قال ما لا يستطيع تنفيذه، بل العكس من ذلك: كانت الخطوات العملية التي يقوم الحزب بتنفيذها على أرض المعركة، تتفوق على الوعود التي ترددت على ألسنة قادته .

 

من هنا فإن تهديداته التي أوردها سابقاً والمتلخصة في مبدأ (المعاملة بالمثل: المصنع بالمصنع ومحطة الكهرباء بمحطة كهرباء . . إلخ)، تكتسب صفة الموضوعية وهو ما لم تتعوّده إسرائيل في كل تاريخها .

 

إن العجز الإسرائيلي في ردع وإنهاء سلاح المقاومة الوطنية اللبنانية، يتم الاستعاضة عنه بمحاولات مستمرة لتخريب لبنان من داخله على طريق تفتيته . هذا الهدف الذي يوجب على كافة ألوان الطيف السياسي اللبناني الحذر منه وعدم الوقوع في حبائله