خبر ميتشل ونتنياهو ووديعة «الخطوط الحمر» - بقلم علي بدوان

الساعة 08:19 م|29 يوليو 2010

ميتشل ونتنياهو ووديعة «الخطوط الحمر» - بقلم علي بدوان

 

شهدت القاهرة في الأسبوع الماضي نشاطاً سياسياً مكثفاً، وغير مسبوق، جاء بفعل التحرك الأميركي الأخير عبر زيارة جورج ميتشل الجديدة للمنطقة، التي ترافقت مع ترتيبات مسبقة جرت في القاهرة بين الأطراف المعنية، في لقاءات عمل كان من شخوصها الفاعلين كل من المبعوث الأميركي جورج ميتشل والرئيس محمود عباس اضافة لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو الذي استقبله الرئيس المصري مبارك، وتباحث معه بالعمق وفق المصادر الإسرائيلية، التي كشفت بأن بنيامين نتانياهو، عرض خلال لقائه بالرئيس المصري، خريطة تبين تصوره للتسوية الدائمة وحدود الدولة الفلسطينية التي ستقام في اطار هذه التسوية، وقد بدا منها (حسب المصدر) أنه غير الكثير من مفاهيمه، لكنه ما زال بعيداً عن المطلب الفلسطيني والعربي باقامة دولة في حدود 1967 مع تعديلات طفيفة. فيما أشارت المصادر المصرية إلى أن الرئيس مبارك حاول خلال ثلاث ساعات من اللقاء مع نتانياهو الغوص في عمق أفكار رئيس الوزراء الإسرائيلي ومدى جديته في التوجه إلى المفاوضات المباشرة، وأنه امتدح التغييرات التي بدت في مواقف نتانياهو، لكنه لم يقبل خريطة نتانياهو للتسوية الدائمة كما هي ونصح بأن يتم تعديلها بما يتجاوب مع المطلب العربي.

 

عناوين حراكات القاهرة

 

اذاً، محور النشاط السياسي الذي جرى مؤخراً في القاهرة، تركز على ما آلت اليه المفاوضات غير المباشرة والمسماة «مفاوضات التقريب» بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك بعد مضي قرابة الشهرين على انطلاقها، دون ان تحقق أية نتائج أو اختراقات جوهرية على المسار التفاوضي الفلسطيني - الإسرائيلي. بل وتشير العديد من المعطيات إلى أن ثمة استعصاءات كبرى مازالت تعترض مسار الاقلاع، في الوقت الذي بان فيه واضحاً أن الادارة الأميركية وعبر مبعوثها جورج ميتشل باتت الآن تضغط أكثر من أي وقت مضى من أجل اعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات المباشرة.

 

وفي مسعاها، فإن الادارة الأميركية، وفي محاولة لبيع الأوهام مرة جديدة أبلغت الرئيس محمود عباس بأن مبعوثها جورج ميتشل يعمل على اجراء جولة جديدة من المحادثات «للبناء على قوة الدفع تلك» التي انطلقت بها مفاوضات التقريب، مع تقديمها جدولاً زمنياً لاجراء المفاوضات المباشرة قبل انتهاء فترة التجميد الجزئي المؤقت للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية في سبتمبر.

 

ومن أجل ذلك ترى واشنطن ان قدرة مصر جيدة وممكنة ومؤثرة في اقناع السلطة الفلسطينية بالرضوخ لمطلبها بالعودة لطاولة المفاوضات المباشرة حيث مازال الرئيس عباس يرفض العودة لطاولة المفاوضات المباشرة مادامت مفاوضات التقريب لم تنجح في تحقيق الحد الأدنى المطلوب منها.

 

وفى ظل هذه المساعي الأميركية توافد على القاهرة الأقطاب الثلاثة : الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والمبعوث الأميركي جورج ميتشل حيث حمل الرئيس عباس معه للقاهرة هموم المفوضات المتعثرة والضغوط الخارجية التي تمارس عليه. فيما حمل ميتشل رغبة الادارة الأميركية اياها بدفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للعودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة.

 

أما ما حمله نتانياهو في زيارته للقاهرة اضافة لخريطته للتسوية الدائمة التي عرضها على الرئيس مبارك، فكان ما سّماهُ «رزمة خطوات لبناء الثقة» مع السلطة الفلسطينية وتشجيعها على الدخول في المفاوضات المباشرة ومن بين هذه الخطوات : وقف نشاط جيش الاحتلال في عدد من المدن، وازالة عدد من الحواجز، ونقل المسؤولية الأمنية في مناطق أخرى للسلطة، وتسليم السلطة مساحة كافية لشق طريق للمدينة الجديدة (روابي).

 

وطبعاً هذه الخطوات لا تساوي شيئاً أمام القضايا الجوهرية المطلوبة كاطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، ووقف عمليات الاستيطان والتهويد، ووقف الاجراءات الاستفزازية والحفريات تحت الأقصى، ووقف سياسة الابعاد لأهالي القدس وغيرهمٍ، ووقف سياسة هدم البيوت، وفك الحصار عن قطاع غزة، وضرورة تدمير الجدار العنصري المُدان بقرار من محكمة لاهاي الدولية، والمطلوب الأهم وهو الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة في العام 1967، والعودة إلى حدود الرابع من يونيو.

 

نتانياهو ووديعة «الخطوط الحمراء»

 

اجتماعات القاهرة، والنشاط الدبلوماسي الكثيف الذي جرى على أرضها، جاء بعد تحولين اثنين: التحول الأول تمثل في نجاح زيارة نتانياهو الأخيرة لواشنطن، والاستقبال الحار الذي وجده عند الرئيس باراك أوباما بعكس المرات السابقة عندما تمنَّع عن استقباله رداً على الاساءة التي سببتها الحكومة الإسرائيلية لأوباما ونائبه جون بايدن، هذا الاستقبال شكَّل تحوُّلاً ومنعطفاً في سياسة أوباما الأميركية تجاه القضية الفلسطينية.

 

وربما يؤكد هذا التراجع في موقف ادارة الرئيس أوباما أن المؤسسة الأميركية هي الأساس، وان اللوبي اليهودي والصهيوني مهمٌّ جداً في قرارات الرئاسة الأميركية، ليصبح الموقف الانتهازي لأوباما ابن الحزب الديمقراطي مكشوفاً، وانَّ ما سبق أن طرحه أوباما من قيم ومبادئ وتعاطف مجرد كلام لا يصلح للتنفيذ أمام الضغط اليهودي الأميركي.

 

ففي اللقاء الأخير بين نتانياهو وأوباما زال الخلاف تماماً، وتم التأكيد على أمن إسرائيل والالتزام الأميركي به، كما تم التطابق في الموقف حول الملف النووي الايراني، وتشكيل غطاء لإسرائيل من أي مطالبة لها للكشف عن ترسانتها النووية، كما أن التوافق حصل بين الجانبين على دعوة السلطة الوطنية الفلسطينية للدخول فوراً في المفاوضات المباشرة، كما اتفقا على أنه ليس هناك أي التزام إسرائيلي بتجميد الاستيطان، رغم ادعاءات نتانياهو بأنه «مستعد للقيام بتنازلات أليمة». وبهذا التنازل من أوباما فقد وضع القضية الفلسطينية في زاوية تتحكم بها إسرائيل حيث رفعت واشنطن عن نتانياهو كافة الضغوطات والاشتراطات، ومنحته الحرية الكاملة، وأضعفت الجانب الفلسطيني، وتخَّلت عن دورها الوسيط الذي وعدت به.

 

وحول ما كانت تطالب به السلطة الفلسطينية من اجابات حول الترتيبات الأمنية وترسيم الحدود كشفت بعض المصادر الموثوقة أن نتانياهو وضع في يد الرئيس الأميركي وديعة «الخطوط الحمراء»، وتنص على أن لا ترسيم للحدود وترتيبات أمنية دون أن يكون غور الاردن تحت السيطرة الإسرائيلية وعدم مناقشة مسألة القدس في المراحل الأولى من المفاوضات المباشرة.

 

أما التحول الثاني فكان في اصرار الرئيس محمود عباس على تجنب العودة لطاولة المفاوضات طالما لم تتوافر حتى الآن انجازات ملموسة في مفاوضات التقريب، وتحديداً بالنسبة لوقف عمليات التهويد والاستيطان، ووضع القدس المحتلة، وملفي الحدود والأمن.

ومن الواضح أن عباس تعرض ومازال لضغوط أميركية، وهو ما اسر به للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حين أعرب له عن قلقه البالغ من عدم وضوح العرض الأميركي للعودة للمفاوضات المباشرة، ومن الضغوط التي تمارس عليه، للدخول فى مفاوضات مباشرة دون أي ضمانات ومن دون تحقيق أي تقدم يذكر في ملفي الأمن والحدود. ويأتي التعتيم غير المعتاد هذه المرة على نتائج جولة المبعوث الأميركي في الشرق الأوسط، لتؤكد فشله في اقناع أبو مازن بالدخول في المفاوضات المباشرة على الأقل في الوقت الحالي.

 

المفاوضات إلى أين

 

ومن المعلوم أن ذهاب القيادة الفلسطينية الرسمية إلى المفاوضات غير المباشرة جاء بعد شهور من معارضة الرئيس عباس، ادراكاً منه لخلفية الموقف الإسرائيلي الذي لا يريد أصلاً لا مفاوضات غير مباشرة، ولا مفاوضات مباشرة في هذه المرحلة، وهو يريد هذه المفاوضات غطاء للمشروع الاستيطاني والتهويدي. فلجأ عباس والطرف الفلسطيني نحو تجاوز هذا القطوع الصعب، حين «أثمرت الضغوط الأميركية المتنوعة والوعد ببعض التعهدات أو الضمانات الشفهية والضبابية بتجميد أو تقليص البناء في المستوطنات، والغطاء العربي عبر لجنة المتابعة للمبادرة العربية»، إلى موافقته على العودة إلى المفاوضات تحت عنوان مفاوضات التقريب، فوافق على التفاوض غير المباشر «لعدم قناعته بامكانية التوصل إلى أي اتفاق مع الحكومة الإسرائيلية الحالية»، ومن اجل «اثبات أن المشكلة عند إسرائيل» وأنها هي من تقف عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، وبالتالي دفع الولايات المتحدة إلى طرح خطتها أو تصورها لاتفاق كهذا، أو عدم استخدام حق النقض عند توجه الجانب العربي إلى مجلس الأمن للحصول على الموافقة على اعلان دولة فلسطينية ضمن حدود 4 يونيو 1967. لكنه (أي الرئيس عباس) يجد نفسه الآن في موقف صعب وحرج مع الاقتراح الأميركي بتمديد فترة تجميد الاستيطان مقابل المشاركة الفلسطينية في المفاوضات المباشرة، لأنَّ هناك ما هو أهم للقبول بالمشاركة في المفاوضات المباشرة من وجهة نظره، خاصة بالنسبة للمرجعية، والوضوح، والسقف الزمني والأفق حيث كان عباس قد عبر عن تشاؤمه الكبير بعد لقائه الأخير بالرئيس الأميركي اوباما في البيت الأبيض يوم 9/6/2010 حين ان «حل الدولتين آخذ في التلاشي». صرخاً ومعبراً عن يأسه القاتل من الرهان على الموقف الأميركي، فيما تذوي وتضمحل الفرص القليلة اصلاً للتوصل إلى حل الدولتين في ظل حكومة نتانياهو.

 

مقابل ذلك، ان حكومة نتانياهو «ذهبت أيضاً مضطرة وعلى مضض إلى مفاوضات التقريب» حرصاً على العلاقة مع الولايات المتحدة وعدم توسيع شقة الخلاف مع ادارتها. بيد أن إسرائيل قدمت تعهدات ضبابية وغير مكتوبة للولايات المتحدة بهذا الصدد، ورفضت استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، تماما كما رفضت الاعتراف بأي تفاهمات سابقة غير موقعة كانت قد توصلت اليها السلطة مع حكومة أولمرت.

 

وفي هذا السياق، كانت اللجنة المركزية لحركة فتح، ومجلسها الثوري، في اجتماعهما الأخير في رام الله، قد حددا أسس المشاركة الممكنة في المفاوضات المباشرة، معتبرين أن الوقف التام للاستيطان وجدولاً زمنيا للمفاوضات، ومرجعية تؤكد ان الاراضي الفلسطينية المحتلة هي حدود الدولة الفلسطينية أمور لابد منها قبل العودة لطاولة المفاوضات المباشرة، وذلك بضمانات أميركية واضحة تتعلق بمسائل الاستيطان والحدود والقدس، وتحديد هدف المفاوضات وسقفها الزمني.

 

وبالتأكيد، فإن المهم في قرار اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح، ليس فقط مضمون ما صدر بشأن الموقف من مسألة المفاوضات المباشرة، بل بالتمسك بالموقف المعلن، وعدم الرضوخ مرة ثانية لمنطق الضغوط الخارجية، خصوصاً منها الأميركية التي تريد جر السلطة مرة ثانية لمواقع التفاوض المباشر دون أية ضمانات فعلية وحقيقية.

 

وفي هذا الصدد فإن وضوح الموقف الرسمي العربي مسألة على غاية الأهمية، حيث لعبت التغطية العربية على مفاوضات التقريب دوراً في دفع الطرف السلطوي الفلسطيني للذهاب باتجاهها، بينما نسمع الآن صراخ الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وهو يشكك بوجود نتائج ايجابية ولو بالحد الأدنى بعد شهرين من انطلاق مفاوضات التقريب.

 

وعليه، ان الموقف العربي ضروري الآن، من اجل الوقفة الجدية أمام مهزلة مفاوضات التقريب، ومن أجل مراجعة القرار العربي الذي سبق وأن تم اتخاذه بشأنها وبشأن مبادرة السلام العربية العتيدة.

 

أخيراً، ان المفاوضات غير المباشرة، وحتى المباشرة حال التأمت في أعمالها، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة لا تحمل عناصر النجاح من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بسبب من استمرار عمليات التهويد الاستيطانية، واصرار «إسرائيل» على سلب الدولة الفلسطينية المرتقبة معظم حقوقها السيادية السياسية والأمنية والاقتصادية.

 

وهنا يقع على السلطة في رام الله وعلى وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة القيام بمراجعة سياسية وفكرية جادة لعملية التفاوض وجدواها الحقيقية، حتى لا تكون غطاء «لممارسات التهويد والاستيطان الإسرائيية وبناء الحقائق على الأرض». وبالطبع مع ضرورة العمل من أجل اعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية من أجل بلورة الخيار البديل في مواجهة الخطط والمشاريع الإسرائيلية الصهيونية