خبر ليست قوى..هآرتس

الساعة 09:51 ص|29 يوليو 2010

بقلم: يوسي ملمان

ليست موجة الاعتقالات أيضا في السنة الاخيرة في لبنان لمن عرفوا هناك انهم "عملاء الموساد" تغير رأي ولهلم (ويلي) ديتل، في "أن أجهزة الاستخبار العربية، وفيها اللبنانية، غير ناجعة". ويعلم ديتل، الذي يسكن اليوم قرية صغيرة هادئة قرب ميونيخ ما الذي يتحدث عنه. فقد عمل مدة 11 سنة عميلا لجهاز الاستخبار الاتحادي الالماني الـ (بي أن دي)، في الشرق الاوسط، في حين كان عمله صحفيا، في البدء في الصحيفة الاسبوعية الالمانية "كويك" وبعد ذلك مستقلا، غطاء لذلك.

    جال ديتل في سورية ولبنان والاردن ومصر والسعودية وغيرها، والتقى ارهابيين وقادة جيش، وأناس أجهزة سرية وساسة. وقد نقل بعض انطباعاته الى القراء في مئات من المقالات كتبها وفي كتب أيضا. وكتب جزء آخر سري في تقارير سلمها لمستعمليه. وقد تم الكشف عن اسمه على الملأ قبل بضع سنين.

    "أجل"، اعترف في حزيران 2007 في مقابلة مع ملحق صحيفة "هآرتس"، "كنت جاسوسا. كنت ما تسمونه في اسرائيل ضابط تجميع، وكنت مستعملا لعملاء. جمعت معلومات واستعملت عملاء. ورشوت ضباط جيش. وسافرت في أنحاء  الشرق الاوسط، في سورية ولبنان والأردن ومصر وعرضت حياتي للخطر في أثناء ذلك من أجل المانيا".

    لكن ديتل وقع ضحية صراعات قوة في الـ (بي أن دي)، سببت نقض القاعدة الذهبية في كل نشاط سري لمنظمة استخبارية وهي الحفاظ على المصادر وبكل ثمن. دفع على أثر ذلك الى صراعات قانونية ادعى فيها على مستعمليه في الماضي وعلى وسائل اعلام بسبب التشهير. خسر في بعض الصراعات وما يزال غيرها مستمرا حتى اليوم.

    نشر ديتل في المدة الاخيرة كتابا عنوانه "جيوش الظلال: الاجهزة الاستخبارية للعالم الاسلامي"، في تاريخ الاجهزة السرية في دول مسلمة عامة وعربية خاصة. ويؤمل أن يجد أيضا ناشرا اسرائيليا يبدي اهتماما للكتاب. هذا اشد الكتب تفصيلا مما كتب في الموضوع منذ كتاب يعقوب كروز "الاستخبارات العربية"، الذي صدر في 1976، بعد أكثر من عقد من اعتزاله عمله نائبا لرئيس الموساد.

    "أكثر الاجهزة العربية يختلف تماما عما يخطر ببالنا في الغرب ونحن نفكر في الاجهزة الاستخبارية. إن أساس عمل الـ بي ان دي على سبيل المثال هو جمع معلومات ذات قيمة استراتيجية او سياسية او عسكرية، وادراك او تقدير او تحليل اتجهات؛ لا قتل اشخاص ولا تعذيبهم. أما الاجهزة العربية فترى أساس مهمتها الحفاظ على نظام الحكم او الزعيم، ولهذا فانها متوحشة لا كابح لها. وهي تقف فوق القانون؛ إنها القانون نفسه. فهي تعذب المشتبه فيهم بلا انقطاع؛ فاذا كان الأمر كذلك فما العجب ان يكون كثير من المشتبه فيهم مستعدين للاعتراف بكل جريمة. وفي رأيي ان هذا أحد اسباب انها نجحت ايضا في الكشف عن شبكة التجسس الاسرائيلية في لبنان".

    بدأ الكشف عمن يسميهم اللبنانيون "عملاء الموساد" في تحقيق لأمن حزب الله الوقائي، الذي فحص عن سلوك شاذ لعدد من المشتبه فيهم، مثل اسراف في المال تظاهري. وقد "اعتقلوا" بعد ذلك أي اختطفوا المشتبه فيهم وعذبوهم وابتزوا منهم اعترافات. آنذاك فقط نقلوهم الى الاستخبارات العسكرية المسؤولة عن الأمن الداخلي ايضا في لبنان.

    على حسب نشرات في الأسبوع الأخير في لبنان وفرنسا، انحصرت موجة الاعتقالات الاخيرة في عمال كبار في "ألفا"، وهي شركة هواتف محمولة تعمل في لبنان منذ 1996. اعتقل أحد المعتقلين وهو طارق الربح، الذي تولى العمل في الجهاز التقني للشركة، بعد أن ثار شك فيه بسبب حملات شراء تبذيرية له في باريس. أنشأ حزب الله لمنع دخول الاستخبارات الاسرائيلية في نظام هواتف مستقلا برغم معارضة الحكومة السابقة المستقلة برئاسة فؤاد السنيورة، وثبت بهذا مكانته على أنه دولة داخل دولة. أنشيء هذا النظام من اجل حزب الله على أيدي خبراء من ايران وبنفقة منها. الشبكة منشورة في مناطق يسكنها الشيعة المخلصون للمنظمة.

    يؤكد ديتل أن "الاستخبارات الاسرائيلية أخفقت في لبنان، لكن في كل ما يتعلق بالاستخبارات اللبنانية آخر الامر كان ذلك مسألة حظ أكثر من كونها عملا اختصاصيا" (يناقض كلامه هذا التقديرات في وسائل الاعلام الدولية التي تقوم ان العملاء كشفوا بفضل معدات رقابة متقدمة حصل عليها جيش لبنان من الولايات المتحدة). "لم أقرأ ولم أسمع رد اسرائيل"، يضيف ديتل، "لهذا لا أعلم ايضا ما الذي فعلته في هذا الشأن وأي الدروس استخلصتها. لكنني على ثقة لمعرفتي بالاستخبارات الاسرائيلية بأنه تمت تحقيقات واستنتجت استنتاجات مما حدث. استخبارات لبنان في رأيي كسائر الدول العربية لن تتغير حتى في المستقبل. ستظل غير ناجعة".

    الحياة المزدوجة، وفي الشرق الاوسط، يكمن فيها غير قليل من الاخطار. فقد اعتقل ديتل في 1982 قرب مدينة حماة في سورية بعد زمن من المجزرة التي اوقعتها قوات الأمن بالاخوان المسلمين الذين تمردوا على نظام الحكم. أسمع ديتل محققيه مقابلة أجراها في أثناء زيارته مع وزير الاعلام السوري، وقال لهم انه حدد له مقابلة مع الرئيس حافظ الاسد. كان ذلك كذبا، لكن صعب عليهم بسبب خطوط هواتف مشوشة التحقق من المعلومات. إن الخوف من القصر الرئاسي، وتعرف صوت وزير الاعلام فعلا فعلهما فأطلقه المحققون.

    تعزز هذه القصة كما يقول ديتل مزاعمه وهي أن العاملين في أجهزة الاستخبار العربية يخافون الخطأ الذي يكلفهم مناصبهم إن لم نقل حياتهم أكثر من طموحهم الى تنفيذ عملهم تنفيذا فنيا. "ما يزال هذا الحظ الكبير للاستخبارات الاسرائيلية أن هؤلاء هم أعداؤه"، يلخص.