خبر انفصال مع كل ذلك..هآرتس

الساعة 09:48 ص|29 يوليو 2010

بقلم: أري شفيت

قبل نحو من نصف سنة من الانفصال سئل بضع عشرات من قادة الرأي الاسرائيليين ماذا ستكون آثار الانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة. جزم بنيامين نتنياهو أنه يكمن في الانسحاب من جانب واحد بلا عوض خطر وجودي؛ وقدر عوزي أراد بأن الانفصال سيسبب تهاويا سياسيا – أمنيا؛ وزعم موشيه يعلون أن الانسحاب سيمنح الارهاب الدعم؛ وقدر موشيه أرنس أنه سينشأ نتاج الانفصال وضع استراتيجي جديد يكون فيه جنوب اسرائيل معرضا للتهديد الفلسطيني على الدوام؛ وتنبأ يعقوب عمدرور أن غزة ستصبح دولة حماس، وأن الصواريخ الفلسطينية ستبلغ أسدود وكريات غات؛ وتوقع نتان شيرانسكي أن يقوى التطرف الفلسطيني وتنشأ مسارات قد تتدهور الى حرب، أما رئيس بلدية سديروت آنذاك، ايلي مويال، فاقترح سيناريو مستقبل أهوج: "ثلاثون صاروخ تسقط على سديروت، فيقتل 6 ويجرح 10. ماذا تفعل اسرائيل؟ تدخل اسرائيل غزة. لكن دخول غزة ليس سهلا هذه المرة. فألغام وألغام جانبية وجنوب لبنان. وجنود قتلى. وبسبب قتل الجنود يستعمل الجيش الاسرائيلي نار أقوى يقتل مواطنون فلسطينيون ثم تورط دولي".

        لا يمكن اخفاء الحقيقة وهي ان اليمين كان على حق. من آن لآخر يكون اليمين على حق. في المدة التي كانت فيها اسرائيل غارقة في نشوة الانفصال، رأى اليمين الواقع رؤية صحيحة. وفي الفترة التي تحدثت وسائل الاعلام كلها فيها ممتدحة الانفصال، أدرك اليمين الأشل ما سيحدث في المستقبل. إن تنبؤات غضب لابسي البرتقالي التي رؤيت قبل خمس سنين مثيرة للسخرية وجنونية تبين انها دقيقة تماما. فقد برهن فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية (2006) واستيلاء حماس على غزة (2007) على مبلغ بعد نظر القوميين.

        كان اليمين على حق، لكن اليمين أخطأ ايضا. لقد فهم جيدا الاخطار الكامنة في الانسحاب لكنه لم يدرك البتة ضرورة الانسحاب. لقد أحسن توقع المستقبل القريب لكنه لم يتنبأ بالمستقبل البعيد. ولقد رأى أدق تفصيلات المشكلة العسكرية لكنه كان أعمى عن التهديد الاستراتيجي. لم يدرك اليمين قبل خمس سنين ما يرفض اليمين ادراكه اليوم أيضا وهو أن جرثومة الاحتلال أصبحت جرثومة مفترسة فتاكة.

        كانت خطة الانفصال خطة كثيرة العيوب. فهي لم تنشىء في قطاع غزة وضعا بينا لانهاء الاحتلال تعترف به الامم المتحدة. ولم تصحبها خطة مارشل دولية تعيد بناء غزة وتعزز معتدليها. ولم تستكمل بسياسة ردع صارمة تمنع تحول قطاع غزة الى قاعدة صواريخ معادية تعرض تل ابيب للخطر. ولم تنشىء توازنا مقبولا في الرأي في الضفة الغربية ولم تمنح اسرائيل ذخائر سياسية طويلة الأمد. إن قوة خطط الانفصال كانت بأنها كانت تجربة جريئة أولى في نوعها لمواجهة الجرثومة المفترسة. كان المنطق الأساسي الذي وقف من ورائها قويا وما يزال كذلك.

        قال منطق الانفصال ما يلي: على اسرائيل واجب وجودي واخلاقي أن تنهي الاحتلال. ليس لاسرائيل شريك فلسطيني لانهاء الاحتلال. وعلى ذلك يجب على اسرائيل الاخذ بخطوات محسوبة تقدمها في مراحل نحو انهاء الاحتلال. كلا لا احتمال لسلام كامل في المستقبل ا لقريب. لكنه لا بقاء أيضا للوضع القائم. ولما كان الأمر كذلك فعلى اسرائيل أن تأخذ مصيرها بيديها وأن تعمل بحكمة لوضع حد بينها وبين فلسطين. بهذا فقط تستطيع أن تضمن هويتها وشرعيتها على أنها دولة يهودية ديمقراطية. وبهذا فقط تستطيع ان تجعل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني صراعا محتملا، يخفت آخر الامر ليصبح سلاما.

        أصبحت الصورة واضحة بعد خمس سنين من الخروج من غزة: كان الانفصال في 2005 مشكلا لكن استراتيجية الانفصال كانت وما تزال حيوية. الدرس من اخفاق الانفصال الاول هو ان الانفصال الثاني يجب ان يتم على نحو مختلف. لن يحل الانسحاب الى خطوط 67، ولن يحل الانسحاب بلا تأييد دولي، ولا يحل الانسحاب بغير تفاهمات صامتة مع الفلسطينيين المعتدلين. ولن يحل الانسحاب من غير أن يضمن رد حقيقي على تهديد الصواريخ. لكن لن يكون آخر الأمر خيار آخر. الانفصال خطر لكن الانفصال أقل خطرا من كل بديل آخر.