خبر الانسحاب الذي لن يكون .. معاريف

الساعة 12:58 م|25 يوليو 2010

بقلم: ياعيل باز - ميلماد

أصبح من الواضح تماما بعد خمس سنين من الانفصال أنه يوجد نوعان من الثمن لذلك الفصل من التاريخ المكتوب عندنا. يوجد الثمن الذي دفعه المجلون، وهو صعب ومؤلم بطبيعة الأمر لكن صحبه، وان لم يكن في المحور نفسه حقا، الثمن الذي دفعته الدولة والمجتمع الاسرائيلي كله. فقد أنفقت الدولة حتى اليوم ما لا يقل عن عشرة مليارات شيكل للعناية بـ  1750 عائلة من المجلين. هذا مبلغ هائل كان يفترض ان يرتب جيدا الامور الاقتصادية لكل عائلة، وان لم يعطها ما كان لها قبل ذلك ايضا.

لم يحدث هذا. لا بذنب البيروقراطية وعدم التخطيط الحكومي فقط، لكن ليس هذا بحثنا الان. والثمن الاخر وهو يتعلق تعلقا قويا بالاول، هو التعويق سلفا لكل امكان اثارة كلمة انسحاب من جانب واحد وانفصال مرة أخرى. فقد اصبح هذا الموضوع محظورا. يوجد هنا من هذه الجهة نصر بالضربة القاضية للمجلين عن غوش قطيف. فهم يدافعون بأجسادهم وببؤس حياتهم الجديدة، عن مستوطني الضفة لئلا يقع بهم مصير مشابه. وثانيا لن تسقط المستوطنات ولن تخلى، والكرفانات في نتسان هي السور القائم بين خطة تسوية في المستقبل وبين اخلاء ما.

إن افضل برهان على أن مصير كل اقتراح سياسي فيه انسحاب  من جانب واحد سيكون بالضبط كمصير اريئيل شارون الطبي، يمكن ان نحصل عليه من النزف الاعلامي والجماهيري الذي أتى بعقب الاقتراح الدراماتي الثوري لوزير الخارجية افيغدور ليبرمان، في شأن انفصال اسرائيل المطلق عن قطاع غزة، وتحويل العناية بهذا المكان اللعين الى دول العالم. إن خطة ليبرمان، كما نشرت قبل نحو من اسبوع في صحيفة "يديعوت احرونوت" تتحدث عن أن اسرائيل لن تراقب بعد الان الخارجين من غزة والداخلين فيها، كمراقبتها للسلع، وستساعد على انشاء محطات توليد طاقة، ومنشآت لتحلية ماء البحر وبناء شقق للسكان، عندما يكون الهدف هو اعتراف العالم بنهاية الاحتلال. وتهدأ البلاد. إن شيئا لم يحدث فضلا عن أن أركان العالم لم تهتز. فلم ينشىء أي نقاش جماهيري حول هذا الاقتراح البعيد المدى الذي أتى من الجانب الأشد يمينية في الخريطة السياسية بحيث كان يمكن أن يكون له أمل حقا.

إن افيغدور ليبرمان خاصة، وهو الشخص الذي أدخل اسرائيل بعقب أدائه المختل في وزارة الخارجية، على قدر كبير، أدخلها الوضع السياسي الصعب، هو الذي يبادر اجراء يمكنه ان يجعلنا مرة أخرى نسير في الصراط المستقيم السياسي. فلن يكون بعد الان غضب في العالم المتنور، وبعضه محق، من أن اسرائيل تحدث كارثة انسانية في غزة. ولن تكون بعد الان مسؤولية اسرائيلية عن الوضع الاقتصادي الكارث في غزة. لان حماس ستكون مسؤولة عن ذلك. فربما يدرك السكان آخر الامر من الذين صوتوا لهم ليرأسوهم. حسم الأمر. إن فصل دولة اسرائيل مع هذا القطاع وهذه المدينة غير الممكنة قد انقضى نهائيا.

نفذت اسرائيل انسحابين احاديين في السنين العشر الاخيرة: الانسحاب من جنوب لبنان والانسحاب من قطاع غزة. ولو لم يحدثا لكنا اليوم غارقين في أرض الدم اللبنانية ونقيم سلطة احتلال في قطاع غزة، مع الحاجة الى الدفاع عن حياة آلاف الاسرائيليين الذين يسكنون هناك. ليس هذا حلا مثاليا. وهو لا  يثبط الحاجة التي كانت وما زالت الى مواجهات عسكرية. بل هو أبعد من ذلك. لكنه الحل الوحيد الذي كان ممكنا في الظروف التي كانت قائمة قبل عشر سنين وخمس سنين.

إن الانسحاب الاحادي من جنوب لبنان ترك ذلك المكان بلا أي وجود اسرائيلي، اذا استثنينا نصف قرية الغجر، التي هي مشكلة في حد ذاتها. وابقانا الانسحاب من غزة مع المسؤولية كلها لكن بغير الأرض. ما تزال اسرائيل في واقع الأمر تقرر الحياة في قطاع غزة، وما زال العالم يرانا محتلين لهذا المكان. أتى اقتراح ليبرمان ليحل هذا بالضبط. ولهذا لا احتمال لنجاحه. فليس نتنياهو شارون. وهو لن يمضي في أي اجراء شجاع وحاسم يضع اسرائيل في مكان يختلف عن الذي توجد فيه اليوم. فهو ايضا يذكر الكرفانات في نتسان ويذكر المجلين.