خبر بداية الخروج من المأزق الفلسطيني.. د.احمد قطامش

الساعة 09:25 ص|25 يوليو 2010

بداية الخروج من المأزق الفلسطيني..  د.احمد قطامش

حث الفيلسوف الفرنسي ديكارت على " اطلاق طاقات العقل" محتذيا بالفيلسوف الصيني القديم كونفوشيوس الذي دعا "للتأمل والتفكر لان العقل ينقاد للمراقبة والخبرة " . اما ابن خلدون ، مؤسس علم الاجتماع ، فرأى ان " العمران والتجارة والعلاقات ... هي مصدر التحولات الاجتماعية " ليكشف الالماني هيجل " القوانين والمبادىء والمقولات التي تنظم الصيرورة والحركة " ، فيأتي ماركس " ويجلس ديالكتيك هيجل على قدميه بعد ان كان على رأسه " مستغرقا في قراءة تناقضات المجتمع الراسمالي ، مشددا على اهمية الفاعلية الانسانية حيث تتحد جدليا الممارسة والنظرية في براكسيس حي ودائم .

 

ان اللوحة الفلسطينية في غاية الغنى ، فهي صورة دفاقة للديالكتيك بما تحمله من تناقضات وتحولات وفعل متبادل بين البناء الفوقي والتحتي ، واسقاطات العامل الخارجي من عربي ودولي وعولمة ، وتأثيرات الزعماء والنخب والجماعات والطبقات والكتل التاريخية .... وقبل كل شيء الاحتلال وسياساته ....

 

ففي عداد "براءة" ترقى الى مستوى الكارثة ان يعالج عقل مبسط لوحة معقدة . والعقل المبسط عادة يختزل الامور في مطلقات : عميل ووطني ، امريكي وايراني ، ابيض واسود ، ملاك وشيطان ، دون قدرة على تمثل اللوحة المركبة وعناصرها المركبة وتعدد الوانها والحراك في اصطفافاتها ...

 

وان كان لهذه الاشارات الفلسطينية السريعة من اهمية ، فهي استحقاقاتها المتصلة بعنوان المقالة. اذ دون طريقة تفكير جديدة وقُادة ليس ثمة فرصة لاي مخرج من المازق الفلسطيني.

 

" فاتفاق مكة" سكبت فيه جهود لا يستهان بها مسنودة" برعاية ملكية " ، وحوارات القاهرة كانت ماراثونية يحفزها " وثيقة الاسرى " ، والوساطة المصرية لم تتورع عن " اقتراح افكار و ممارسة ضغوط " ، ولجنة المصالحة الوطنية اشبه بالسندباد الذي يطوف مدن وعواصم شتى( لازالت محاولتها مستمرة) ...ولكنها كلها لم تفض " لوحدة وطنية" .

 

ولكن هل الطريق مسدود ؟ الجواب كلا . فالمخرج ممكن ، ولكن عليه ان يستوعب اولا خصائص الانقسام وخصائص المازق . كما عليه ان يستوعب منهجية المخرج وطابعه . فهو :

 

1-بروسيس ولا يسقط من" راس جوبتير " دفعة واحدة . اي انه ليس على غرار لقاء بين عرفات- حبش وتطوى الصفحة . فخصائص الانقسام كما اتينا عليها سابقا تحول دون ذلك . بل وجرى تجريب منطق الدفعة الواحدة ولم يحصد الا الريح .

 

2-انه فلسطيني ، صناعة فلسطينية صرفة ، ينبع من المركبات الفلسطينية ذاتها ، اما الاستنجاد بالعامل الخارجي او الاستقواء به فلا يفضي الا الى تأزيم الانقسام . بل وان يكون فلسطينيا اولا انما يقطع الطريق على مقولة : كلما استنزف العامل الفلسطيني اقتربت الوصاية الخارجية على الفلسطينيين .

 

3-لا مهرب من القبض على المعطيات والاعتراف بالحقائق . فالانقسام في العمق و لا يعالج " بعناق ولحظة وجدانية " ، وانما يتطلب التأمل والذكاء والحكمة بعيدا عن العجرفة النزقة ، بحثا عن الخطوة الصحيحة الاولى والثانية والثالثة ... في ميدان مزروع بالالغام والتناقضات .

 

فعقلية انا اريد وعلى غيري الانصياع فاشلة بامتياز كما انها فهم مغلوط للسياسة "تنازعات وتسويات " وليست اقصاء واملاءات .

 

4-تحديد الهدف بانه البحث عن قواسم مشتركة لا تنسف خيارات القوى السياسية ، فلا يوجد قوة تختار الانتحار السياسي بالتخلي عن خيارها ، الذي بات خط سير ومصدر تمويل في ان . فلا الذين وقَعوا على اتفاقية اوسلو وشروط الرباعية جاهزون لسحب توقيعهم ، ولا الذين يناهضون جاهزون للتوقيع ، يسند كل من الخيارين مركبات سياسية وقوى اجتماعية وتيارات شعبوية .

 

وميزان القوى الداخلي لا يسمح " قولوا ما تشاؤون وافعل ما اشاء" او نحن " الشرعية التاريخية " او " شرعية المقاومة " فللميزان كفتين متعادلتين تقريبا .

 

وهذا ينطبق ايضا على المسالة الحداثوية ومضامين تنظيم المجتمع .

 

5-لا ينظم الحياة الفلسطينية الحيز السياسي فقط ، بل والحيز المدني ايضا . فليس بالسياسة وحدها يعيش الانسان ، ناهيكم لا تملك اية قوة سياسية حق فرض منطقها على عقول واختيارات وحياة الناس . اي ينبغي الاعتراف بالحيزين معا وبالتعددية في ان .

 

6-المخرج ليس للاهل في الضفة الفلسطينية وغزة فقط ، بل وللشعب بعمومه وللقضية الوطنية بمجملها . فنصف الشعب الفلسطيني في الوطن ونصفه الاخر في الشتات والحقوق الوطنية للجميع .

 

وبذلك يتم اعطاب دينامية تفكيك الشعب الى تجمعات دون ان يجمعها قيادة او هدف مشترك .

 

7-لا مناص من الحوار الفلسطيني –الفلسطيني ، فهو قدرنا التاريخي ، وبديل الحوار هو القطيعة وصب الزيت على النار والدسائس والكراهية والاعتقالات المتبادلة وصولا الى الاقتتال . ونحن شعب غير محصن كما كل الشعوب وبناء على معالجة التناقضات تتقرر النتائج .

 

8-ينبغي الاعتراف بمايكفي من حزم ، ان سياسات الاحتلال تستبيح الشعب الفلسطيني على كل الصعد واننا لسنا على ابواب حل سياسي لا سلمي ولا استسلامي وعدم نسيان دلالات هذا الاستخلاص وما تفتحه من افاق مشتركة ...

 

العنوان الاكبر والهدف الاكبر هو القواسم المشتركة

 

كتب الحكيم الصيني تسن تسه (تزو) من الفين وخمسمائة عام " اعثر على اتفاق يحقق لك الهدف دون حرب ... ولا تنسى انه يمكنك ان تجد فيمن تحاربه اليوم حليفا في الغد " .

 

اما مقاربتي من الناحية العملية والاجرائية ، التي قد تصيب وقد ياتي اخر لتصويبها والاضافة عليها .... فهي بروسيس ايضا وتقوم على :

 

اولا : انتخاب مرجعية تشريعية شاملة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ، اي مجلس وطني ، على قاعدة الحجم الانتخابي للتجمعات والتمثيل النسبي ، بما يتجاوز " وضعية سلطتين ، قيادتين ، داخل وخارج " وينهي تشرذم المرجعيات ويفضي لتوحيد الارادة الفلسطينية في مجلس منتخب ديمقراطي .

 

واية عقبات فلسطينية داخلية يمكن تذليلها بالتوافق ، سيما ان المركبات السياسية غير متضررة ، اما اية عقبات خارجية فيمكن الاتفاق على التعيين كما كان يحصل على امتداد مسيرة م.ت.ف .

 

وسواء انبثق من المجلس الوطني لجنة تنفيذية حسب مبدا التمثيل النسبي او قاعدة الاغلبية و المعارضة ، فسوف تنشا هيئة قرار فلسطينية معترف بها ، كما حال برلمانات وحكومات العالم .

 

وهذه الالية بمثابة خطوة عملية جدية في طريق اعادة بناء م.ت.ف الشاملة التي تضم كافة المركبات السياسية، الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية ، الجنسوية ، اللاجئين ، الشباب ... فالعملية الانتخابية مفتوحة للجميع. ويمكن القول ايضا ان هذه الالية توحيدية من جهة وتضم متناقضات في ان ، بما يجعلها تعكس بحق واقع الحال . كما انها المفتاح الاساس للحيز السياسي الفلسطيني .

 

ثانيا: تكريس جهود السلطة في الضفة وغزة للشان الحياتي ، اي اعادة تعريفها ، كجهاز تكنوقراطي –اداري يتولى مجالات التعليم ،الصحة، التنمية الاقتصادية ، القضاء ... فاربعة ملايين يعيشون في الضفة وغزة ، وهذا حيز مدني متشعب مثقل بهموم البطالة التي تناهز 35%علاوة على 80% من النساء ، وفقر يناهز 50% وتعليم تلقيني لا احد يحسدنا عليه الى درجة ان يطغى على جامعاتنا التعليم لا البحث وبالتالي انتاج بطالة سنوية تناهز 40 الفا من خريجي الجامعات وطلبة الثانوية ، وقطاع صحي يلهث وراء الامراض دون قدرة على مواكبة التطور الطبي في البلدان المجاورة ، الى ان يضطر الالاف من الفلسطينيين معالجة انفسهم في مستشفيات غير فلسطينية ، علما انه يمكن تامين البنية التحتية والكادر المطلوبيُن فيما لو توافر التخطيط السليم .

 

وصولا الى انهاء التنازع على السلطة ، وانهاء وجود سلطتين ، والتخلص من ادران عدم الكفاءة وازدواجية الوظيفة، وبالتالي سيادة المعيار المهني في التوظيف مستفيدين من تجارب غيرنا ، نهاية بتحرير السلطة من الاستحقاقات السياسية والامنية المرتبطة باسلو وواي ريفر وعقيدة دايتون ...

 

فما يحتاجه شعبنا في الاراضي المحتلة عام 67 هو جهاز قضائي كفؤ ومستقل وكامل الصلاحية وجهاز شرطي مؤهل يسهر على امن المواطن على غرار العديد من المقاطعات والبلديات والولايات في بلدان اخرى يناهز عدد المواطنين في الواحدة منها الملايين .

 

اما الاجهزة الامنية فيعاد ربطها بمرجعياتها في م.ت.ف سواء اتحدت او تفرقت ، في اطار مجلس عسكري مركزي او فصائلي ، كما كان الحال من قبل ، كمقدمة لصيغ اكثر تطورا مستقبلا .

 

لقد خطّأت الحياة فرضية ان " الدولة على مرمى حجر" وان الاجهزة الامنية نواة الجيش الوطني ، بل ويتعين الاسراع في انقاذ هذه الاجهزة من التصارع بين شطري الوطن 67 وحمايتها من تاثيرات واشتراطات العامل الخارجي ، و ربط قواها بمهامها .

 

فالصين الدولة الكبرى التي تنمو بمعدل سنوي بين 8-10% اضطرت لتخفيض جيشها من 4,5 مليون الى 3,5 مليون . وغير منطقي ان ينفق على الاجهزة الامنية الرسمية الفلسطينية وغير الرسمية 40%من الميزانية ، والاصوب تصحيح الخلل بتدرج وربط التسريح بالتشغيل .

 

وعلى وجه العموم ان تضخيم الاجهزة المدنية والشرطية والامنية له اضرار كبيرة فالمطلوب اجهزة نوعية لتنفيذ مهمات وليس مرتعا للعاطلين عن العمل والبطالة المقنعة . ويكفي قراءة كتاب (حضارات سادت ثم بادت) لبول كندي لاكتشاف ان دولا انهارت في القرون الوسطى نتيجة هذا الخلل تحديدا ، فما بالكم في مجتمع ينفق ضعف ما ينتج . يستهلك سنويا نحو 5مليار دولار و بالكاد ينتج نصفها اما النصف الاخر " فمساعدات" لا احد يجزم بانها دائمة ، وديون .

 

هناك تجارب تنموية ناجحة في العالم الثالث ، علينا الافادة منها ، كما ان قطاعنا الخاص يشغل 46% من قوة العمل. وان تبلغ واردات السوق الفلسطينية 3 مليار دولار سنويا انما يفتح متسعا لكثير من المبادرات لتلبية الحاجات الجوانية .

 

ثالثا: الوقفة الجدية امام شؤون الناس في الضفة وغزة ... فما اكثر الشكاوى وما اكثر الاوجاع ، ليس الفساد فقط، وليس استعداد 44% من الشباب للهجرة ، كما جاء في استطلاع ، والقتل على خلفية الشرف الذي تنامى ليصل 100 حالة سنويا ، وتراجع الاقبال على التعليم والكتاب والثقافة ... بل ايضا تحسين الاداء الاداري لاجهزة السلطة كافة ، كما المنظمات غير الحكومية ... واعادة صياغتها المتدرجة على قاعدة الكفاءة بعيدا عن الولاءات السياسية ، وهذا حال السلطات المحلية والمنظمات الشعبية التي يتعين تامين الشروط الملائمة لاجراء انتخابات نزيهة على قاعدة التمثيل النسبي بما يكفل مشاركة الجميع في تحمل المسؤولية .

 

فالوطن للجميع ولا احد بوسعه الاضطلاع باعبائه منفردا .

 

واخيرا فما يحمي الشعب الفلسطيني هو تغليب الوطني على الفئوي ، المهنية على الاستزلام السياسي ، سيادة القانون على الفلتان. وفي ظل حرمانه من تقرير المصير وسوق مشتركة ، ان توافر قيادة له هو الشرط الحاسم لمنع الفوضى والشرذمة .

-عن  القدس المحلية