خبر دين لكن على حذر..هآرتس

الساعة 08:03 ص|22 يوليو 2010

بقلم: تسفي بارئيل

ليسوا في اسرائيل فقط يراقبون المعلمين والمحاضرين خوف أن يدخلوا مواد تدريسية "غير قومية". ربما يحسن أن نبعث وكلاء التربية هنا في جولة تعليمية في السعودية، حيث استعملت في المدة الاخيرة خطة تسمى "الأمن الفكري"، ترمي الى تطهير المؤسسات الدراسية من البرنامج الخفي لمعلمين في جهاز التربية. آتت الخطة ثمارها، وأقيل نحو من ألفي معلم أو نقلوا الى أعمال ادارية خوفا من أن يدخلوا مضامين خطرة.

        غير أن الهدف في السعودية هو اجتثاث التربية الدينية المتطرفة، التي ترى السلطات أنها القاعدة التي تنشأ فوقها خلايا الارهاب التي تضر بالدولة. "إن اولئك الذين يحملون افكار متطرفة هم مواطنون من حقهم كسب لقمة العيش، وهم في واقع الأمر ضحايا لا يقلون في ذلك عن تلاميذهم، لكن ينبغي ابعادهم عن كل تأثير في الآخرين"، قال الاديب السعودي عبدالله بن بخيت في مقابلة صحفية لشبكة "العربية". قال منصور التركي، متحدث وزارة الداخلية المسؤول عن الأمن الداخلي والذي بادر الى الخطة، أن مكتبه أمر باستعمال استبانة تقويم جديدة للمعلمين، تشتمل على أسئلة عن آرائهم، قصدا الى تحديد المرشحين للتدريس الذين قد يربون تلاميذهم على أفكار التيارات المتطرفة في الاسلام.

        وبين رئيس "شبكة الأمن الفكري"، عبد الرحمن الهدلك  وهو أيضا من رجال وزارة الداخلية – ان المشكلة ليست في المعلمين الذين يدرسون مضامين متطرفة فقط، بل في المفتشين ايضا الذين لا يعلمون هم أنفسهم ما الذي يحل وما الذي لا يحل بحسب الدين، أو اذا شئنا الدقة – لا يفهمون روح النظام الذي يطمح التطرف الى ترسيخه وإقرار معايير لتربية دينية مناسبة.

        إن الاستراتيجية التي تعمل بها وزارة الداخلية والتربية تعتمد على ثلاثة أسس: المنع والاعداد والرقابة. وبحسبها يعرضون على المشتبه فيه الدعاوى عليه، ويجب عليه أن يجتاز دورات اعداد وأن يثبت لرقابة نفسية واجتماعية اذا كان يريد الاستمرار على العمل في التربية.

        إن السعودية، التي تجري نضالا لا يكل للمنظمات الارهابية منذ العملية في المسجد الحرام في سنة 1979، قررت بعد احداث 11 أيلول ألا تكتفي بنشاط استخباري وعسكري في مواجهة المنظمات الارهابية التي سببت قتل وجرح مئات المدنيين السعوديين، بل أن تفحص عن جهاز التربية والوعظ الديني. كتبت برامج دراسية جديدة منذ ذلك الحين، وانتزعت من كتب التدريس تعبيرات معادية للنصارى والامريكيين، ويردد الملك عبدالله في كل ظهور معلن له الحاجة الى اقتلاع التطرف الديني. لكن هذا الجهد القومي يوجه اليه انتقاد لاذع ايضا من فقهاء سعوديين متطرفين، يشيعون افكارهم بواسطة الانترنت ولا يخضعون للمؤسسة الدينية للدولة التي تتلقى توجيهات من الملك. على سبيل المثال هوجم مفتي السعودية، عبدالعزيز بن عبدالله الشيخ، لفتوى أصدرها تقول "الارهاب جريمة ضد الاسلام"، ومن الضروري أن يحارب كل من يحاول زعم التسوية بينهما، قصدا الى تشويه صورة الدين ومهاجمة قيادته". وبرغم الانتقاد الشديد الذي تلقاه، لم يحجم الشيخ وما زال يدعو الى صد التطرف الديني. أثبتت قصة هالة الكسير، وهو معلمة سابقا في الخامسة والاربعين حظيت بلقب "أم القاعدة"، أثبتت للسلطات مبلغ صعوبة مكافحة المنظمات المتطرفة. الكسير، التي درست الجغرافيا في الجامعة، تزوجت نشيطا من نشطاء القاعدة كان مشاركا في عملية في وزارة الداخلية في الرياض. بعد أن قتل زوجها في هجوم لقوات الأمن السعودية، قررت الكسير، التي كانت في شهر حملها الخامس تخصيص حياتها للمنظمة.

        نجحت في اقناع نساء سعوديات بالتبرع بالمجوهرات والمال بمبلغ عام بلغ نحوا من 650 ألف دولار، بحجة أن المال مخصص لبناء مساجد ودور أيتام، وأن تجند نحوا من 60 نشيطا للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي توجد قيادتها السعودية في اليمن. واهتمت المعلمة السابقة أيضا بايجاد مخابىء لنشطاء القاعدة، وشجعت نساء شابات على التزوج من سجناء المنظمة كي يستطيعوا اقامة حياة عائلية. اعتقلت الكسير في آذار هذا العام مع 112 نشيطا من القاعدة بعد تعقب طويل، لكنها كانت قد نجحت حتى ذلك الحين في العمل نحوا من سنتين، من غير ان تعلم قوات الامن السعودية عن ذلك شيئا، برغم انها سكنت بلدة صغيرة يعرف الجميع فيها الجميع. بعد أن اعتقلت وحقق معها بثلاثة أشهر، اقترحت السلطات السعودية على الكسير المشاركة في مشروع تأهيل للارهابيين المستعدين لوضع سلاحهم والتوبة. استجابت العرض، ويجري عليها منذ نحو من شهر ونصف اجراء "استشاري" بتوجيه من فقهاء يدرسونها النهج الصحيح على حسب الدين ولماذا طريق التطرف خطر. سارعت السلطات الى نشر نبأ توبة الكسير لتشجيع نشطاء ارهاب آخرين على الانضمام اليها.

        إن اجتثاث التطرف من شبكة التربية هو في الحقيقة نضال لأمد بعيد، لا يسجل نجاحات دائمة، لكن يبدو أنه في السعودية خاصة أمله في النجاح أكبر مما هو في دول كالباكستان او افغانستان، حيث تعمل دفيئات التربية الدينية المتطرفة بلا رقابة حكومية ومن غير أن يوجد البتة تخطيط متعدد السنين لوقف نشاطها. هذه المدارس التي تنفق عليها حركات متطرفة، توفر على الحكومات مالا كثيرا لانه لا يجب عليها ان تنفق على توسيع شبكة التربية، لكن هذا التوفير يضيع هباء منثورا عندما تضطر تلك الحكومات الى مكافحة ما نتج عن تلك المدارس.