خبر غزة: استمرار الحصار يعصف بآمال مزارعي التوت الأرضي

الساعة 05:47 ص|21 يوليو 2010

غزة: استمرار الحصار يعصف بآمال مزارعي التوت الأرضي

فلسطين اليوم-غزة

يكافح المزارع عبد الفتاح الخطيب في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، من أجل زراعة التوت الأرضي في ظل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، رغم أن الحصار يهدد عمله ومصدر رزقه.

وتشتهر بيت لاهيا بالزراعة، فتوفر المناخ المناسب والتربة الرملية الطينية والمياه يخلق بيئة مناسبة لزراعة الفواكه في تلك المنطقة، وبالتالي فقد أصبح هذا الأمر مصدر رزق ثابتاً بالنسبة لمزارعي بيت لاهيا ومنهم عبد الفتاح، الذي يقوم بزراعة التوت الأرضي منذ ما يزيد على 52 عاماً. وعلى الرغم من أن القطاع من أكثر المناطق في العالم اكتظاظاً بالسكان، إلا أن الحقول الخضراء الجذابة تمتد على مساحات شاسعة من الأرض.

ومن الواضح أن عبد الفتاح عندما ينظر إلى أرضه يصبح مشوشاً، فهو ليس قلقاً بشأن عدم زراعة المحصول بقدر ما هو قلق إن كان المحصول الذي يزرعه سيصل إلى السوق حالما ينضج أم لا، ولتحقيق ربح متواضع، يتوجب على عبد الفتاح أن يبيع المحصول في الضفة الغربية، وإسرائيل، وأوروبا، مثلما كان يفعل خلال العشرين عاماً الماضية، لكن إسرائيل فرضت إغلاقاً شاملاً ومستمراً لكافة المعابر الحدودية، ما أدى إلى عزل القطاع عن العالم. أما في الوقت الحالي، فيخشى عبد الفتاح من أن يفقد عمله ومصدر رزقه نتيجة للحصار، حيث أن الكثير من أطنان التوت الأرضي الذي يزرعه تتلف بانتظار فتح المعابر الإسرائيلية ولكن دون جدوى. 

ذهب أصفر

وكانت منطقة بيت لاهيا مشهورة بإنتاج الحمضيات قبل الاحتلال الإسرائيلي للقطاع في العام 7691، حيث كانت الفواكه التي تنتجها هذه المنطقة تعرف في جميع أنحاء فلسطين بـ "الذهب الأصفر"، ولكن بعد أن سيطرت إسرائيل على المنطقة وأصبحت أحد المنتجين الرئيسيين للحمضيات، اضطر مزارعو بيت لاهيا والقطاع بشكل عام إلى ترك المحاصيل التي اعتادوا زراعتها، وقامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتجريف العديد من حقول البرتقال والانتقال إلى زراعة الزهور والتوت الأرضي وغيرها من المحاصيل نظراً لما يسمى بمخاوف إسرائيل الأمنية.

وتأقلم مزارعو بيت لاهيا مع ذلك الوضع وأصبحوا ينتجون التوت الأرضي على أعلى مستويات من الجودة، وأصبحت من المحاصيل التي يتم تصديرها إلى إسرائيل، والضفة الغربية، وأوروبا، حيث يقول عبد الفتاح، "يعد التوت الأرضي هذا من أجود الأنواع في العالم".

 

محاصيل أكثر ضماناً

لكن عبد الفتاح وغيره من المزارعين في غزة اضطروا في ظل الضغوطات والقيود الإسرائيلية إلى التخلي عن محاصيلهم مرة أخرى، على الرغم من عدم توفر بديل للانتقال إلى محصول آخر "أكثر ضماناً"، في ظل الحصار الإسرائيلي الجائر، لم يعد بإمكان المزارعين في غزة تصدير منتجاتهم خارج قطاع غزة، كما أنهم يواجهون المزيد من القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على أنواع وكميات المنتجات التي يمكنهم زراعتها، ما تسبب في حدوث آثار كارثية.

قبل فرض الحصار الإسرائيلي بشكل كامل على قطاع غزة في الرابع عشر من حزيران 2007، وهو أشد أشكال الحصار منذ أوائل التسعينيات، أنتج قطاع غزة قرابة 400000 طن من المنتجات الزراعية سنوياً، كان ثلث هذه الكمية مخصصاً للتصدير، وقام قطاع غزة بتصدير 259 شاحنة فقط محملة بالبضائع خلال السنوات الثلاث الماضية، على الرغم من توقيع اتفاقية حرية الحركة والتنقل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في عام 2005، والتي وضعت حداً لصادرات غزة تصل إلى 400 شاحنة يومياً. تبعاً لذلك، فقد أفاد مزارعو غزة بانخفاض في مستويات الدخل يصل إلى 40% منذ العام 2007، ففي العام 2008 وحده، خسر مزارعو القطاع ما مقداره ستة ملايين ونصف المليون دولار أمريكي.

نتيجة لعدم قدرة مزارعي القطاع، ومنهم عبد الفتاح، على تصدير منتجاتهم إلى الضفة الغربية، وإسرائيل، وأوروبا، فقد توجهوا إلى السوق المحلية التي تتميز بزيادة كبيرة في العرض، وبالتالي نقص كبير في الأسعار والتي، كما يراها عبد الفتاح، لا تكفي كمصدر رزق يعتاش منه. ويضيف: "قبل العام 2007، كان سعر الكيلو جرام الواحد من التوت الأرضي 24 شيكلاً في أسواق غزة، أما الآن فسعره 3 شواكل فقط، لقد أصبح من الصعوبة بمكان أن تستمر الحياة في ظل تدني الأسعار بهذا الشكل، فبعد انتهاء الموسم أحيا على أمل انتظار الموسم القادم ليجلب لي أسعاراً جيدة أو ربما يصبح بالإمكان تصدير بعض البضائع، فأنا اعتمد على المعونات والمساعدات منذ العام 2007".

 

عراقيل إسرائيلية

ويواجه عبد الفتاح قيوداً مشددة تفرضها الحكومة الإسرائيلية على العمل في مزرعته في بيت لاهيا، حيث تساهم هذه القيود في رفع تكاليف الإنتاج، فيوضح "يخبرنا الإسرائيليون بالمحصول الذي يجب علينا زراعته، وكيفية زراعته، والأدوات التي يمكننا استخدامها لذلك، ومن أين يجب علينا أن نحصل على الأشتال. نحن مضطرون إلى استخدام أشتال التوت الأرضي الإسرائيلية على الرغم من أنها باهظة الثمن "تصل قيمتها إلى 50 شيكلاً، في المقابل تصل قيمة الأشتال الفلسطينية إلى 4 شواكل" وهي ليست بنفس جودة الأشتال الفلسطينية التي تنتج أفضل أنواع التوت الأرضي، لكننا مضطرون لاستخدام هذه الأشتال على أية حال.

وأضاف "اننا نسعى للحصول على شهادة تثبت ذلك، إلا أن الأمر مكلف وترفض السلطات الإسرائيلية السماح بتصدير منتجات التوت الأرضي على الرغم من استيفائها كافة المواصفات المطلوبة، ويؤكد عبد الفتاح "على سياسة التضييق التي تتبعها قوات الاحتلال ضد مزارعي غزة، فعندما يلبي المزارعون كافة المطالب الإسرائيلية، تظهر هنالك مشكلة جديدة، وهكذا".

تتعدى آثار الحصار الواقعة على عبد الفتاح وغيره من المزارعين الآثار الاقتصادية، فهم مهددون بفقدان مصدر رزقهم، فقد كان هناك 2500 دونم تقريباً مزروعة بالتوت الأرضي قبل العام 2007، أصبح 1500 دونم منها غير مزروعة هذا العام، وهي تمثل 300 عائلة على الأقل بلا دخل طوال العام والاحتمال الأكبر أن تضطر هذه العائلات إلى التخلي عن زراعة التوت الأرضي، فنصف مزارعي قطاع غزة ممن يزرعون التوت الأرضي قد فعلوا ذلك. وسيجد بعضهم عملاً آخر، ولكن مع بلوغ معدلات البطالة في قطاع غزة ما نسبته 55%، لن يحصل الكثير منهم على عمل بالتأكيد.

 

زراعة تحت الطلب الإسرائيلي

وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقريره بالخصوص، إن السياسة الإسرائيلية المتبعة فيما يتعلق بزراعة التوت الأرضي في قطاع غزة، وبخاصة الصادرات من هذا المحصول هي انعكاس لاقتصاديات الاحتلال. فالمحاصيل التي يسمح بزراعتها في قطاع غزة مرتبطة بشكل مباشر بالمحاصيل التي تنتجها إسرائيل. هذه المحاصيل التي تعد الأكثر جودة، والتي يتزايد عليها الطلب، تعمل على توفير منتجات زراعية في القطاع مثل التوت الأرضي، لا يسمح لها أن تنافس المنتجات الإسرائيلية سواء في الأسواق الإسرائيلية أو في الخارج، وفي الوقت ذاته، يتم الدفع بالفائض من المنتجات الزراعية التي تنتجها إسرائيل إلى الأسواق في غزة، وبالتالي تؤدي إلى تدني الأسعار بالنسبة للمزارعين المحليين.

وأضاف إن إحدى النتائج التي ترتبت على العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع هي زيادة الأوضاع سوءاً بالنسبة لمزارعي القطاع، فقد تسبب العدوان في تدمير 46% تقريباً من مجمل الأراضي الزراعية في القطاع، حيث تقدر الخسائر بنحو 269 مليون دولار، بينما يقدر الضرر الواقع على الإنتاج الزراعي بما يزيد على 84 مليون دولار. لم يتلقَ المزارعون أية تعويضات ممن تسببوا في هذا الدمار، بل وتمنع إسرائيل دخول المعدات والآلات اللازمة للزراعة لإصلاح الأراضي.

وبين المركز "لقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية خلال الأسابيع الأخيرة تخفيف الإغلاق المفروض على معابر غزة، وذلك رداً على الاستنكار الدولي الواسع للهجوم على أسطول الحرية في الحادي والثلاثين من أيار 2010، كما أشارت إلى زيادة أنواع وكميات البضائع المسموح إدخالها إلى غزة ضمن التسوية الجديدة، إلا أن مسألة الصادرات لا تزال مرفوضة".