خبر أوباما يسحب كل وعوده للمسلمين والعرب .. فاروق جويدة

الساعة 12:50 م|18 يوليو 2010

يبدو أن الأخطبوط الصهيونى فى أمريكا استطاع أخيرا أن يحاصر الرئيس أوباما ليسحب كل الوعود البراقة التى تضمنها خطابه الشهير للعالم الإسلامى فى جامعة القاهرة، بدأ الرئيس أوباما رحلة التراجع منذ فترة طويلة فلم تستغرق الأحلام الوردية فى خطابه إلا شهورا قليلة وسرعان ما عادت كل الأشياء إلى مجراها الطبيعى فى علاقات أكثر دفئا مع إسرائيل وأكثر عداء للعرب والمسلمين..

 

فى آخر لقاء بين باراك ونتنياهو كان الرئيس الأمريكى واضحا وهو يعلن أن العلاقات بين أمريكا وإسرائيل علاقات لها طبيعة خاصة أن أمريكا ملتزمة بالتحالف مع إسرائيل والدفاع عنها.. ولكن أخطر ما قاله الرئيس باراك أن هناك اعتقادا خاطئا فى الشرق الأوسط بأن صديق عدوى هو بالضرورة عدوى.. وقال أوباما لقد مددت يدى للمسلمين لحماية إسرائيل والغرب وأن فرص السلام فى الشرق الأوسط ضئيلة.

 

إن هذا يؤكد أن الرئيس أوباما قد تراجع عن وعوده وأحلامه بسلام عادل بين إسرائيل والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية ووقف بناء المستوطنات وكل هذه الأحلام التى حملها خطابه للمسلمين من جامعة القاهرة.

 

لقد استقبل العالم الإسلامى باراك أوباما استقبالا حافلا خاصة أنه جاء بعد فترة سواء طالت فى العلاقات بين أمريكا والعالم العربى والإسلامى.. لقد جاء أوباما ابن أفريقيا من أب مسلم وعاش جزءا من طفولته فى مجتمع إسلامى.. وهو بحكم ثقافته وتكوينه اطلع على أشياء كثيرة فى الإسلام وقبل هذا كله هو واحد من ضحايا التفرقة العنصرية بكل تاريخها المشوه فى أمريكا.. هذه الاشياء جميعها كانت تؤهل الرئيس أوباما لأن يقدم شيئا يختلف تماما عن سياسة الكاوبوى التى اتبعها الرئيس الأسوأ فى تاريخ أمريكا بوش الابن.

 

ولكن الرئيس أوباما لم يستطع الوفاء بوعد واحد من وعوده الكثيرة التى أطلقها فى جامعة القاهرة وبدأ أخيرا يتحدث عن سلام إسرائيل وسلام الغرب وكأن العرب والمسلمين أعلنوا قيام الحرب العالمية الثالثة على تل أبيب وواشنطن والعواصم الأوربية الأخرى.

 

إن الرئيس أوباما يعلم أن هناك شعبا سرقت إسرائيل أرضه فى مؤامرة دولية خسيسة زرعت لليهود وطنا فى قلب العالم العربى والإسلامى لتكون مصدر تهديد دائما لدول هذه المنطقة.. لقد تحولت إسرائيل إلى بؤرة سرطانية خبيثة فى قلب هذه الأمة وتحولت إلى أداة من أدوات الإرهاب ليس للشعب الفلسطينى فقط ولكن لكل جزء فى هذه الأرض.

 

لقد رسمت إسرائيل لنفسها بمساعدة الغرب خاصة أمريكا إمبراطورية استعمارية فى هذا الجزء من العالم.. وخرج الاستعمار الغربى لكى تصبح إسرائيل أهم أدواته فى المنطقة. ومازالت تمارس دورها تسبقها أحلام كثيرة فى السيطرة والتوسع.

 

إن الرئيس أوباما يعلم تماما ما لحق بهذه المنطقة من ألوان القهر والنهب والابتزاز أمام حملات استعمارية لم تتوقف.. كان تاريخ الاستعمار الغربى من أسوأ الصفحات فى التاريخ الحديث.. مع رحيل الاستعمار دفع الغرب بكوادره وأتباعه إلى هذه الدول ليكمل رحلة الضياع معها.. ضياع الثروة.. وضياع الحلم وضياع الحريات وحقوق الإنسان.. وفرض الغرب على هذه الدول كل أساليب القمع والإرهاب والخوف فى ظل سلطات غاشمة.

 

يعلم الرئيس أوباما أن أنظار العالم كله تتجه إلى هذه المنطقة ليس حبا فى شعوبها أو تقديرا لدورها ولكنه البترول آفة هذا العصر.. والسلعة التى سيطرت على مستقبل البشرية سنوات طويلة.. لم يستطع الغرب أن ينتج شيئا بديلا رغم كل محاولات البحث العلمى وبقى البترول أهم أسباب عدم الاستقرار فى هذا الجزء من العالم.. لو لم يكن البترول هنا، هل كانت كل هذه الأحداث الدامية ستجد لها مكانا بيننا؟

 

كانت الحرب العراقية ــ الإيرانية من أجل البترول.. وكانت الأساطيل التى تدور فى المنطقة ليلا ونهارا وكانت نكسة 67 وإهدار كل أحلام العرب فى التقدم.. ثم كان احتلال العراق والتداخل فى شئون السودان ولبنان والصومال.. وكانت المعركة الدائرة الآن بين الغرب وإيران.. ثم كانت الحرب فى أفغانستان.. أمام الغرب مناطق كثيرة أكثر قربا ولكن البترول هو الذى حرك الجيوش وأعلن الحروب ودبر المؤامرات والفتن..

 

لا عداء بين الغرب والإسلام.. هذه قصص انتهى زمانها وصفحات انتهت أحداثها فلا توجد الآن حطين ولا مكان لصلاح الدين.. هذا تاريخ مضى.. ولكن الكراهية الحقيقية هى التى يحملها الغرب للإسلام والمسلمين.

 

ما الذى دفع أمريكا لابتداع لعبة حقيرة عن أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووى لكى تحتل العراق.. ما الذى جعل أمريكا تدفع بلايين الدولارات من أموال دافعى الضرائب لتحارب فى أفغانستان.. ما الذى جعل أمريكا تحاصر إيران بهذه الوحشية فى كل شىء طعاما وشرابا وأمنا واستقرارا.. ما الذى جعل الغرب يعادى الإسلام والمسلمين بهذه الصورة.. هل المسلمين من السذاجة بحيث يصدقون أن أمريكا بكل قدرتها لم تستطع الوصول إلى بن لادن فى أفغانستان.. وهل المسلمون من السذاجة بحيث يصدقون أن حرب أمريكا على بن لادن لا تعنى الحرب على الإسلام ومن قال إن بن لادن هو الإسلام؟

 

لعل الرئيس أوباما مازال يحتفظ فى أوراقه بصور كثيرة لعمليات القتل والتعذيب الوحشى التى شهدتها تجارة الرقيق فى أوروبا وأمريكا وقد كانت جزءا ضئيلا من تاريخ المسلمين مع الاستعمار الغربى.

 

لقد كانت عمليات النهب التى تعرضت لها الدول الإسلامية سجل عار فى تاريخ الاستعمار.. ثم جاءت إسرائيل فى مؤامرة دولية كبرى لكى تضع الدول العربية والإسلامية فى موقف يتعارض تماما مع رغبتها فى بناء مستقبل أفضل لأجيالها القادمة.

 

وبعد ذلك يتحدث الرئيس أوباما عن سلام إسرائيل وسلام الغرب ولا يذكر شيئا عن حق المسلمين فى سلام عادل.

 

من الأحق والأجدر بهذا السلام، دول تعانى من الفقر والجهل والمرض أم دولة تملك واحدة من أكبر الترسانات النووية فى العالم.. من الأحق بالحماية، سكان غزة الذين تحاصرهم إسرائيل منذ سنوات وتمنع عنهم الماء والطعام والدواء أم جنود الاحتلال وهم يقتلون الأطفال والمسنين؟ إن الغريب فى تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة بعد اجتماعه مع نتنياهو أنها تعكس تحولا خطيرا فى فكر الرجل ومواقفه بحيث أصبح يرى أن إسرائيل هى الطرف الذى يستحق الحماية.. رغم أن إسرائيل تحمل اسم دولة وإن كانت عصابة.

 

ماذا قدمت إسرائيل وماذا قدم الفلسطينيون..

لقد رفض الرئيس بوش أن يلتقى طوال سنوات حكمه بالزعيم الفلسطينى ياسر عرفات.. رغم أن عرفات وافق على أشياء كثيرة كان يرفضها شعبه.. وافق على التفاوض مع كل زعماء إسرائيل ابتداء برابين وشامير وانتهاء ببيريز مرورا على باراك وشارون وأولمرت وحتى نتنياهو.. ذهب عرفات إلى أمريكا وقدم تنازلات كثيرة أمام الرئيس كلينتون ولكن إسرائيل كانت دائما ترفض كل شىء.. وقتلت إسرائيل عرفات فى مؤامرات خبيثة وجاء أبومازن ليقدم المزيد من التنازلات ولم يسمع له أحد حتى كان الصراع الدامى بين فتح وحماس والذى أدى إلى هذا الانقسام الدامى للشعب الفلسطينى.

 

إن الغريب فى الأمر أن الإدارة الأمريكية شجعت هذا الانقسام.. وتصورت أنه نقطة البداية من أجل الوصول إلى صيغة تقبلها إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين على الحل النهائى.. ولكن الإدارة الأمريكية نسيت أو تناست أن إسرائيل سوف تكون شريكا فى هذه الخسارة.. أن التشدد الذى يلتزم به قادة حماس هو الأقرب إلى فكر ومواقف زعماء إسرائيل وسوف نكتشف يوما أنه لن يبقى على مائدة المفاوضات إذا كانت ستجىء غير حماس وفرقة الإرهاب الإسرائيلى.

لقد أضاعت إسرائيل فرصا حقيقية للسلام كان ينبغى أن تتمسك بها وتحرص عليها إذا كانت بالفعل جادة فى عملية السلام.

 

كانت فرصة توقيع اتفاق للسلام مع مصر فى كامب ديفيد أهم نقطة تحول فى تاريخ الصراع العربى ــ الإسرائيلى ولكن إسرائيل فهمت ذلك بصورة خاطئة حين تخيلت أنها عزلت مصر عن دورها العربى وأن ذلك يكفى لتحقيق هذا السلام ثم اكتشفت أن ذلك يبدو مستحيلا وأن مصر لن تتخلى عن العرب وأن العرب لن يتركوا مصر.

 

كانت فرصة المفاوضات مع زعيم تاريخى فى حجم ياسر عرفات فرصة لا تعوض وخسرت إسرائيل أيضا هذه الفرصة بل أضاعتها وانتهى الأمر بعملية اغتيال حقيرة لياسر عرفات..

كانت فرصة اتفاق السلام مع الأردن والملك حسين نقطة مهمة يمكن أن تأخذ مجراها نحو سلام أوسع.

 

كانت المبادرة العربية التى أطلقتها المملكة العربية السعودية فى قمة بيروت موقفا عربيا جديدا وحاسما فى كل شىء.. ولكن أمريكا تخلت عن هذه المبادرة فى جامعة القاهرة ورسالته للعالم الإسلامى يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو سلام حقيقى ولكن إسرائيل لم تسمع.. لقد أكد أوباما فى كلمته ضرورة وقف بناء المستوطنات وبدء المفاوضات المباشرة ولكن إسرائيل لم تنفذ شيئا من ذلك كله بل إنها توسعت فى بناء المزيد من المستوطنات منذ تولى الرئيس باراك السلطة فى البيت الأبيض..

 

والآن يعلن الرئيس أوباما أن فرص السلام فى الشرق الأوسط أصبحت ضئيلة ويحاول أن يوهم العالم أن الحماية مطلوبة للغرب ولإسرائيل رغم أن العالم الإسلامى هو الذى يطلب هذه الحماية أمام طغيان صلف القوة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلى وأن العالم الإسلامى له مطالب واضحة.

 

إن الصراع العربى ــ الإسرائيلى سيظل يمثل الخطر الحقيقى على السلام فى منطقة الشرق الأوسط ما دامت إسرائيل ترفض قيام دولة فلسطينية.. إن العداء الحقيقى بين الغرب والمسلمين بدأ مع إقامة الدولة العبرية فى فلسطين وما لم يجد الغرب حلا لهذه القضية فلا سلام فى المنطقة.

 

إن إسرائيل هى التى تدفع إلى المزيد من العداوة بين المسلمين وأمريكا بصفة خاصة والغرب بصفة عامة وأن العلاقات بين العرب وأمريكا يمكن أن تصل إلى مراحل أسوأ فى ظل الموقف الأمريكى الذى يدعم إسرائيل بالحق والباطل.

 

إن حصار غزة ومطاردة حماس سوف يؤديان إلى المزيد من تدهور العلاقات بين أمريكا والشعوب الإسلامية ولعل الدليل القاطع فى ذلك تغير الموقف التركى بعد أحداث قافلة الحرية التى اعتدت عليها القوات الإسرائيلية فى المياه الدولية فى البحر المتوسط.

لا يمكن أن يطلب الرئيس أوباما علاقات طيبة مع العالم الإسلامى والإدارة الأمريكية تتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فى شئون هذه الدول.

 

إن القوات الأمريكية تحتل العراق وتنهب ثرواته وبتروله وتهدم مؤسساته.. وهى نفسها التى تحارب فى أفغانستان وتحرك المؤامرات فى جنوب السودان ودارفور وتشعل الحرب الأهلية فى الصومال وتطارد الأقليات المسلمة فى كل بقاع الأرض.

 

منذ أعلن الرئيس بوش الحرب على الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر الدامية وهناك حالة من الشك وعدم اليقين بين أمريكا والمسلمين.. فلا المسلمون يثقون فى الإدارة الأمريكية ولا أمريكا تشعر بالأمن تجاه المسلمين وهذه الحالة من الشك تجد دعما كبيرا من إسرائيل وكان أكبر دليل على ذلك آخر تصريحات أدلى بها الرئيس أوباما.

 

لقد تأخرت عملية السلام فى المنطقة وخسرت كثيرا من أنصارها وزادت أعداد أعدائها أمام الإرهاب الإسرائيلى والعداء الأمريكى وربما خرجت أجيال جديدة من هذا الركام تعتقد أن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا وأن أمريكا لن تتخلى عن مواقفها وهنا يمكن أن يدخل العالم فى مواجهات جديدة لا أحد يعلم إلى أين تسير.

 

ضاعت وتلاشت كلمات الرئيس أوباما الذى وعد بها فى جامعة القاهرة ويومها صدقنا ما قال الرجل وشاركناه أحلامه فى سلام عادل يبدو أنه لن يجىء.

 

إن فشل عملية السلام لن يكون خسارة للعرب والمسلمين فقط ولكنه خسارة للعالم كله وستكون إسرائيل أول الخاسرين.

 

فهل يعود الرئيس أوباما إلى حديثه فى جامعة القاهرة لعله يتذكر شيئا من وعوده أم أن الفترة الثانية فى الانتخابات أصبحت على الأبواب وسوف يحتاج فيها إلى دعم من المنظمات اليهودية التى تحكم القرار الأمريكى فى كل شىء.. هل كانت وعود أوباما حلما أم خيالا أم مجرد لعبة سياسية فى هذا السرك الكبير؟

 

يبقى بعد ذلك أن هناك سحابات جديدة سوف تحكم خريطة المنطقة فى المستقبل القريب وليس البعيد.. هناك قوى جديدة صاعدة سوف تغير الكثير من الثوابت.. هناك تركيا وهى الآن ترتب أوضاعا جديدة فى ظل طموحات لا يجهلها أحد.. ورغم كل حساباتها مع إسرائيل وأمريكا إلا أن لها مصالحها.. وهناك أيضا إيران وسوف تخرج بغنيمة ما فى صراعها مع الغرب ولا أحد يعلم أين ستكون هذه الغنيمة وإن كان الأرجح أنها ستكون فى العراق ولكن لا أحد يستطيع أيضا أن يتجاهل القوة الإيرانية الصاعدة والتى ستترجم بشكل أو آخر إلى حالة من حالات النفوذ.

 

يضاف لذلك أن إسرائيل سوف تواجه فى المستقبل القريب ردود أفعال داخلية سوف تجعل الاستقرار والأمن حلما بعيدا أمام اختناقات وصراعات داخلية.. أما الشعب الفلسطينى فلا مستقبل لقضية إلا إذا توحدت كلمته.. من هنا فإن أى قراءة للمستقبل ينبغى ألا تتجاهل تلك المحاور الجديدة التى أصبحت تمثل واقعا حيا وفى مقدمتها تركيا وإيران ولا أحد يعلم ماذا تخبئ الأحداث بعد ذلك.. لقد تحدث الرئيس أوباما بود شديد عن سلام إسرائيل وأمنها وبهذا أغلق صفحة مهمة فى علاقاته بالعالم الإسلامى الذى كان ينتظر منه الكثير.