خبر الوجه الخلفي لصفحة الرسائل..هآرتس

الساعة 04:34 م|16 يوليو 2010

بقلم: أمير اورن

التقى ثلاثة ضباط (احتياط) برتبة عميد، في الشهر الماضي في روما ادميرالا امريكيا متقاعدا. تم اللقاء سرا في موقع أمني، هو معهد حماية حلف شمال اطلسي، ولم يطلب الامريكيون السرية فحسب بل حذروا ايضا من أنه اذا علم الامر فسينكرونه ويرجعون عن نيتهم اقامة لقاءات اخرى. هذه عادة ثابتة لوزارة الدفاع الامريكية – فقد صحب تحذير مشابه المحادثات الاستراتيجية التي اجرتها في اسرائيل في نهاية حزيران أفرقة برئاسة نائبة وزير الدفاع، ميشيل فلورنوي، والمدير العام لوزارة الدفاع، اودي شني. لكن جهد اخفاء محادثات روما كان محيرا على نحو خاص، لان العمداء مواطنون لا يدعون تمثيل حكومة اسرائيل وجيشها.

        لماذا صد الادميرال جون سيغلر، رئيس معهد ابحاث الشرق الاوسط في هيئة القيادة المشتركة، عن كشف ممكن للقائه مع شلومو بروم، واودي ديكل وباروخ شبيغل والذي شارك فيه الى جانبهم ايضا سفراء متقاعدون من وزارة الخارجية؟ أيوجد لهذا علاقة بلقاءات بنيامين نتنياهو مع براك اوباما وقيادة الادارة الامريكية في واشنطن؟

        ان رأس تمثال مارتن لوثر كينغ الذي ظهر وراء مقعد نتنياهو في المحادثة مع اوباما، قد ذكر بالحقيقة وراء الكلام العذب: وهو أن امريكيين معينين، اوباما يتابع نهجهم فقط في سلسلة اشتملت على كونداليزا رايس التي ضغطت على ارئيل شارون وعلى ايهود اولمرت لاشراك حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية في 2006، يرون الفلسطينيين اخوة في أزمة السود في الجنوب الامريكي. فهؤلاء الاخِيرون ناضلوا لاحراز حقوق الاقتراح والتخلص من اضطهاد العنصريين البيض. لن يتنازل اوباما لنتنياهو في شأن الدولة الفلسطينية. وقد تحدث اوباما في هذا ايضا عن الجمهور الاسرائيلي، بخلاف قادته، على أنه مشارك حكم في المسيرة.

        أعد فريق البيت الابيض الجزء المعلن من استضافة نتنياهو على حسب القوانين: فقد كانت ابتسامات ومصافحات، وحديث عن علاقاتنا الرائعة، وتمييز بين الذرة الاسرائيلية الخيرة والذرة الايرانية الشريرة، ومداعبة سارة.

        هذه هي صفحة الرسائل المعروضة على الخارج، لكن يوجد لها وجه خلفي ايضا. فالادارة تلتزم حقا أمن اسرائيل، لا التمسك بالمناطق والمستوطنات. يحاول اوباما ان يتبين هل يمثل نتنياهو في الاختلاف بين التوجهين، الاكثرية في اسرائيل. يستطيع الحصول على جواب جزئي في لقاءات رئيس هيئات القيادة العامة، الادميرال مايكل ملن مع رئيس هيئة الاركان غابي اشكنازي، او الادميرال سيغلر مع الضباط المتقاعدين في روما. ان اللقاء الحميم المعلن الذي استقبل به اوباما نتنياهو هو ثلث القصة في الاكثر. وثلث آخر هو قناة الاتصال الامريكية باسرائيليين آخرين والثلث الباقي هو قناة الولايات المتحدة مع اشخاص عرب، سيسمعون من اوباما ومبعوثيه رسائل لا تشابه ما حاول نتنياهو ابرازه في زيارته لواشنطن. ان باروم وديكل، وهما خريجا استخبارات سلاح الجو، رأسا قسم البحث فيه. وكان شبيغل ضابط ربط القوات الاجنبية، ونائب منسق العمليات في المناطق ومستشار وزير الدفاع. والثلاثة خبراء بالنواة الداخلية للمصالح الامنية الاسرائيلية تلك التي تقع تحت قشرة الساسة والمستوطنين. الخيارات الممكنة في المساومة مع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين لا يمكن ان تفاجئهم: فقد صاغوا وثائق هيئة العمل التي تدحرج من رئيس اركان الى رئيس اركان، ومن وزير دفاع الى وزير دفاع، ومن رئيس حكومة الى رئيس حكومة. فعندما يقول نتنياهو لاوباما انه لن يستطيع فعل ذلك لان هذا سيكلفه نفسه، يستطيع خبراء كثلاثة العمداء ان يلقوا على مسمع سيغلر وان ينقلوا بواسطته الى ما ومنه الى اوباما، مجالات مرونة اسرائيل.

        يرأس سيغلر، الذي كان في الماضي قائدا في سلاح البحري الامريكي، معهدا يعمل في نطاق جامعة الامن القومي في واشنطن – وهي جهة البحث والدراسة الخاضعة مباشرة لرئيس هيئات القيادة المشتركة. تزود المعاهد الاقليمية مخططي الاستراتيجية العسكرية الامريكية لقاعدة للقاءات مع عناصر مختلفة، تشمل تلك المحظورة على الدبلوماسيين مثل حماس. هذه هي السبيل لنقل الرسائل في اتجاهين. تنبع احدى الفوائد التي لا تختص بها جامعة الامن القومي، من تخريج ضباط  أجانب لان مقدما او عقيدا يقضي سنة في مؤسسة كهذه يستوعب قوة امريكا ويدرك مكانة بلده في العالم ادراكا معياريا.

        ما هو "النصر"

        ان قيادة الجيش الاسرائيلي مملوءة اليوم بضباط درسوا في معاهد عسكرية امريكية و/ او خدموا في الملاحق العسكرية في واشنطن وتوابعها – رئيس الاركان غابي اشكنازي و 10 جنرالات آخرين تقريبا. في المحادثات الكثيرة بين ملن واشكنازي يتحدثان في الامن لا في السياسة والعياذ بالله. ويتبادلان معطيات وتحليلات مختصة. لو دعي ضابط البحرية القديم ملن للشهادة بحضرة لجنة تيركل لقال انه لا وسيلة عند الامريكيين ايضا لوقف سفينة كبيرة مثل "مرمرة" بغير استيلاء المحاربين عليها والاحتكاك مع الركاب. ويستطيع ملين أن يبين في نجوع المشكلات الامريكية في اسرائيل والعكس. لكن لما كان الحديث في شؤون ما قد حظر على ضباط في البزات العسكرية، فثمّ مكان لقنوات من هذا النوع انشأها سيغلر مع بروم، وديغل وشبيغل.

        في مؤتمر في القدس في شباط غمر سيغلر اسرائيل بالود ("ابي كان يهوديا") وعبر عن أمل ان تنجح في تعيد لنفسها قدرة الردع. او اية اسرائيل؟ ليست اسرائيل اليمين كما يبدو. يوجد لمفهوم "النصر"، قال سيغلر تعريفات مختلفة  في سياقات مختلفة. ستنتصر اسرائيل اذا استمرت على النماء، حتى في المستقبل البعيد، كدولة ديمقراطية ويهودية قوية.

        انهم في وزارة الدفاع الامريكية بعيدون عن رؤية اسرائيل مشكلة رئيسة في الشرق الاوسط، لكن يكفي أن تسهم في بقاء المشكلة – خطر الاسلام المتطرف – لا في حلها فقط. وجواب السؤال التقليدي، أهي ذخر او عبء، هو هذا وذاك: فهي ذخر تكتيكي وعبء استراتيجي.

        أجلت المجلة الشهرية لاتحاد سلاح الجو الامريكي في الشهر الماضي، العملية التي أغرى فيها الموساد، في 1966 طيار ميغ 21 بالهروب من العراق مع طائرته. بعد أن وصلت طائرة الميغ اسرائيل واستكمل الفحص عنها في سلاح الجو هنا، اعيرت لسلاح الجو الامريكي، وفحصت، وجربت واشركت في تدريبات معارك جوية. وقد مكن تحديد قيودها الطيارين الحربيين الامريكيين من التغلب على دونيتهم في المعارك الجوية مع الفيتناميين الشماليين وانهاء الحرب بتفوق ما.

        تحسن هذه المدائح للجيش الاسرائيلي، في الجماعة الامنية على الاقل، صورة الفنية والاخوة الاسرائيلية الامريكية. وعلى اثر ذلك يقبل بلا اعتراض الجزم الذي ينشر في العدد الجديد من المجلة الشهرية نفسها، ان طائرة اف 35، وهي الطائرة الحربية القادمة لسلاحي الجو الامريكي والاسرائيلي ، ستستطيع أن تحمل ايضا سلاحا ذريا تكتيكيا (قنابل وصواريخ). بحسب نشرات اجنبية يوجد لاسرائيل من مصادرها صواريخ استراتيجية تطلق من الارض ومن البحر، لكن استعداد امريكا لان تزودها بطائرة ثنائية الغاية متقدمة تعزز الردع.

        حرب غير سيئة

        كل هذا بشرط الا تنسى حكومات اسرائيل للحظة من الذي يدهن قطع خبزها. لا ان النسيان سيجدي عليها. فالامريكيون من وراء ظهورها يحادثون العرب ايضا. في المدة الاخيرة مثلا كشف النقاب عن تسجيل مثير لحديث بين وزير الخارجية الامريكية ونظيره الجزائري في كانون الاول 1997. كان الامريكي هنري كيسنجر، والجزائري عبدالعزيز بوتفليقا الذي كان آنذاك في الـ 38 من عمره واصبح اليوم رئيس دولته.

        "اصبح الرأي العام في امريكا اكثر استعدادا من ذي قبل لصنع شيء ما"، تحدث كيسنجر بمرارة عن حكومة اسحق رابين ووزير الدفاع شمعون بيرس اللذين اتهمهما بالكذب. "لكن امامنا نحو من تشعة اشهر (معركة انتخابية) بلا قدرة على فعل شيء. يحاول الاسرائيليون احداث هياج عظيم في الشرق الاوسط. يعتقدون اننا لا نستطيع أن نفعل بهم الكثير. لهذا قصفوا لبنان. رأيت في صحيفة "هيرالد تربيون" تقريرا كأننا طلبنا اليهم أن يفحصوا معنا؟ ليس هذا ما طلبناه: قلنا اننا لن نكون مسؤولين عن عمليات يأخذون بها بغير مشاورتنا. واحتججنا على مستوطناتهم في الجولان".

        لم يسترح بوتفليقا كثيرا لانكار كيسنجر. "يفهم من هذا ان جميع العمليات الاسرائيلية السابقة كانت منسقة معكم".

        كيسنجر: "لا، لم نعلم قط. فهم لا يقولون لنا البتة سلفا. لكن نقطتي المركزية هي انهم يتحدوننا على عمد. انشأوا مستوطنات ويعلنون بانه لن يتخلوا ابدا (في الجولان) عن أكثر من مائتي متر. هذه اهانة لسوريا، فهذه ارض سورية. عندما أتى بيرس امريكا – وعدناهم بـ اف 15 قبل سنة ونصف، لكن حدث تأخير بسبب مشكلات تزويد وتقدير من جديد – وأعلن بهذا وكأنه جديد. وكأنه رد على طائرة ميغ 25 السورية. فعل ذلك للتحرش بالعرب. وكان ذلك كذبا...

        "انهم يريدون العودة الى الفترة 1967 – 1973، عندما كانوا اصدقاءنا  الوحيدين في الشرق الاوسط. وهم يعلمون أن الوقت ينفد وان جميع وسائل الضغط في ايدينا. لهذا يحاولون تقويض سلطتي. الامر الرئيس الذي اريد أن اقوله هو انه يجب على العرب اظهار ضبط النفس لسنة واحدة. لن تكون الحرب سيئة جدا لنا. نستطيع أن نظهر اننا صارمون. الشيء الرئيس هو احراز التقدم الصغير الممكن هذا العام، وان نعمل من أجل السنة القادمة. اقول هذا لكوني صديقا لانكم انتصرتم في الحقيقة. لا تغرينكم التحرشات. يجب على السوريين ايضا ان يدركوا هذا. انا مشفق من أن تجعلهم كبرياؤهم يفعلون شيئا ما بعد ذلك.

        لن تكون الحرب سيئة جدا لنا. لكن لا في هذه السنة – هذا تصريح مدهش من كيسنجر بعيدا عن الاذن الاسرائيلية، ورسالة الى دمشق. ليس اوباما كيسنجر، لكن من يعلم ما الذي توحيه ادارته للعرب. من المحقق فقط ان هذا لا يظهر في صفحة الرسائل التي استعملها البيت الابيض هذا الاسبوع.