خبر رضوخ وتراجع أمريكي..!.. مأمون الحسيني

الساعة 11:49 ص|16 يوليو 2010

رضوخ وتراجع أمريكي..!.. مأمون الحسيني

حيثية التقدير المتشائم الذي يصر على فرض نفسه منذ عقود عدة، استدعته صورة المحادثات الأخيرة التي جرت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والتي أظهرت، في شكل جلي وعلني، تراجعاً أميركياً صارخاً عن كل المواقف المعلنة قبل اللقاء، كما أن المصطلحات التي استخدمت، خلال هذه المحادثات، عكست بوضوح واقع ما يمكن تسميته «الانتهازية السياسية» التي تسم إدارة الديموقراطيين الذين تتجه أنظارهم صوب الانتخابات النصفية التي ستجري في الخريف المقبل.

 

ذلك أنه، وبخلاف اللقاءات الثلاثة السابقة بين الرجلين، قرر البيت الأبيض تغيير نبرته تجاه نتانياهو، وعمل جاهداً على إزالة أي انطباع بوجود «سوء تفاهم» بين الجانبين، وذلك من خلال إعادة التأكيد على الالتزام الأميركي بـ «أمن إسرائيل»، وإبداء التوافق، الذي كاد يصل إلى حد التطابق، حيال إيران وملفها النووي. والأهم، توافق الجانبين على دعوة السلطة الفلسطينية للدخول فوراً في «المفاوضات المباشرة» التي يرى البعض أن التمهيد لها بدأ بالفعل عبر لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، حتى وإن زعم أن اللقاء جرى لتحقيق مصالح حيوية للشعب الفلسطيني، وأنه «لا يندرج بأي حال من الأحوال ضمن اللقاءات التفاوضية، وإنما جاء لتسهيل الأمور الحياتية لأبناء شعبنا»، إضافة إلى «تمكين الأجهزة الأمنية الفلسطينية من تقديم خدماتها للمواطنين خارج المدن».

 

وثمة من يرجح مطالبة أوباما بتمديد فترة «تجميد» أعمال الاستيطان في الضفة الغربية التي يسيطر المستوطنون على 42 في المئة من أراضيها (من دون القدس المحتلة) وفق تقرير أصدرته منظمة «بتسليم» أخيراً، إلى نهاية العام الحالي وعدم اتخاذ خطوات محرجة لواشنطن مع انطلاق المفاوضات المباشرة، وهو ما لم يستجب له نتانياهو بدليل عدم إشارته، خلال خطابه في مجلس العلاقات الدولية في نيويورك قبل عودته إلى إسرائيل، إلى أي استعداد آخر لتجميد الاستيطان كونه عمل «بما فيه الكفاية»، وذلك على رغم إعلانه الاستعداد «للقيام بتنازلات أليمة... والمخاطرة سياسياً في سبيل إنجاز السلام»، وأيضاً بدليل تأكيد رزمة من الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين أن أعمال البناء الاستيطانية ستستأنف فور انتهاء مهلة التجميد.

 

غير أن الاستسلام والرضوخ الأميركي للمطالب الإسرائيلية ساهما في إخراج عربة التسوية المفترضة التي كان يمتطيها أوباما من مسارها، ووضعها في مسرب آخر يكتنفه الغموض والضبابية التي تتيح لإسرائيل إدارة الصراع، وليس حله، ومواصلة الاستيطان وتهويد القدس كون ذلك يشكل القاسم المشترك الأعظم للائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي سيواصل، أثناء ذلك، وعبر الإدارة الأميركية، الضغط على عدد من الدول العربية لتشجيع السلطة الفلسطينية على الرضوخ من جديد، والدخول في دائرة التفاوض العبثي مرة أخرى.

 

وعليه، ووفقاً لهذا النمط من التوجهات، وتوكؤاً على التراجع الأميركي الذي تدور الشكوك حول وصوله إلى حدود إعطاء الضوء لإسرائيل بشن حرب على لبنان، ما يتيح إضعاف قاعدة «حزب الله» الشعبية، وبالتالي ضعضعة نفوذ إيران في المشرق العربي، والاعتراف بالكتل الاستيطانية الكبرى كجزء من إسرائيل، والتعهد بمواصلة التفاهمات الأميركية - الإسرائيلية القاضية بعدم مساءلة المجتمع الدولي للدولة العبرية حول ترسانتها الذرية أو إخضاع منشآتها النووية لرقابة دولية، وإحباط عقد مؤتمر دولي لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، بدأ نتانياهو، وفور عودته من الولايات المتحدة، سلسلة من الحادثات في إطار المجلس الوزاري السباعي من أجل بلورة ما سمّي «رزمة خطوات لبناء الثقة» مع السلطة الفلسطينية لدفعها باتجاه المفاوضات المباشرة.

 

ومن بين هذه «الخطوات» وقف نشاط الجيش الاسرائيلي في عدد من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وإزالة عدد من الحواجز العسكرية، ونقل المسؤولية الأمنية عن مناطق أخرى للسلطة الفلسطينية، و «تسليم السلطة مساحة كافية لشق طريق للمدينة الجديدة »روابي».

 

هذه المصيدة الإسرائيلية التي يجري نصبها تحت ظلال الاستسلام الأميركي لحكومة نتانياهو وأجندتها السياسية والميدانية، تبدَى وجهها الحقيقي، ليس فقط من خلال إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي عدم وجود فرصة لإقامة دولة فلسطينية من الآن وحتى 2012، ومن ثم دعوته إلى التخلي عن مبدأ «الأرض مقابل السلام» واعتماد خطة سياسية جديدة تقوم على «مبدأ تبادل الأراضي والسكان»، وتقديره بأن 70 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون هذا المبدأ، وإنما ترجم على الأرض عبر رزمة من الإجراءات الميدانية، من نمط إيداع ما تسمى «اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس» خريطة هيكلية جديدة للمدينة تشتمل على توسيع الأحياء الاستيطانية في «القدس الشرقية» كبديل عن الخريـطة الهيـكليـة القديمة التي تم إعدادها في عام 1959، ما يعني ضم القدس المحتلة التي يتـواصل العمل لبناء 800 وحدة سكنية فيها، في شكل أحادي الجانب، وقسماً كبيراً من الأراضي العربية الخاصة المعدة للبناء الاستيطاني.

 

وكذلك عبر اعتزام المباشرة في بناء 2700 وحدة استيطانية في الضفـة الغربـيـة فـور انـتـهاء فـتـرة تجميد الاستيطان الجزئي، ناهيك عن البدء بتنفيذ مشروع «الحديقة التوراتية» التي ستكون «واجهة للهيكل الذي سيتم بناؤه على أنقاض المسجد الأقصى، وواجهة لمدينة داود» التي ستقام بدلاً من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، والبدء بربط مستعمرتي «نيفي يعقوب» و «بسغات زئيف» شمال شرقي القدس من خلال بناء ستمئة وحدة استيطانية جديدة على أراضي بلدتي شعفاط وبيت حنينا، وتواصل العمل لبناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في منطقة رأس العمود التي لا تبعد عن باب أسوار الأقصى أكثر من 150 متراً. وذلك إضـافة إلى المصادقة على بناء 1600 وحدة استيطانية في مستعمرة «رامات شلومو» في القدس الشرقية.

 

في المقابل، يقف بعض الفلسطينيين ومعظم النظام العربي الرسمي في مستنقع الانتـظار الذي ما زال يـنـتـظر الغيـث من إدارة أوباما التي لا تبخل ببعض تصريحات رفع العتب، من نمط الحديث عن أن الجانب الأميركي «لا يريد مفاوضات مفتوحة الأفق» وان «هناك فرصة حقيقية باتجاه تسوية»، والتلويح بأن «إجـراءات بناء الثقة ستشمل محفــزات أمنيــة واقتصاديـــة للسلطة الفلسطينية»، لا بل إن ثمة حديث مرسل عن أن هناك توافقاً أميركياً - عربياً في شأن ضرورة الإسراع في المفاوضات المباشرة، وتضمينها جميع قضايا الحل النهائي، وضمان أنها لن تكون مفتوحة زمنياً.

  

ويبدو أن لا شـيء يـعكر هدوء هذا الانــتــظار سـوى بـعض التـصـريـحات والتهديدات الصوتية غير القابلة للتطبيق الفعلي على الأرض، كحديث الأمين العام لجامعة الدولة العربية عمرو موسى عن أن مجلس الجامعة الذي سيعقد اجتماعه على المستوى الوزاري في دورته العادية في نهاية أيلول المقبل، سينظر في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطرح القضية الفلسطينية برمتها في حال عدم تحقيق تقدم في ما يتعلق برفع الحصار عن غزة، والوضع في الأراضي المحتلة والمفاوضات غير المباشرة.

 

 

-عن القدس المحلية