خبر الحرب الخفية بين الموساد الاسرائيلي والأمن اللبناني.. زياد علوش

الساعة 08:04 ص|16 يوليو 2010

الحرب الخفية بين الموساد الاسرائيلي والأمن اللبناني.. زياد علوش 

 السياسة الموسادية الإسرائيلية تفضي الى الصمت المطبق وعدم التعليق امام اسقاطاتها، لتجنب المزيد من الأضرار، ذلك ما هو معلن منها إسرائيلياً كما في قضية اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح بإمارة دبي ونجاح شرطتها بما لم يكن في حسبان الموساد بكشف الفضيحة الدبلوماسية بتزوير جوازات السفر الأممية، يكاد لا يمر يوم من دون سماع اللبنانيين سقوط شبكة أو عميل لإسرائيل في قبضة الأمن اللبناني، حتى أضحت مطاردة جواسيس الموساد هواية لعناصر جهاز المخابرات في الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، يتسابقان لغلة الصيد الثمين بالتعاون النشيط مع أمن المقاومة، عندما يتكرر الصمت الصهيوني المريب تجاهها.

وللقضية أكثر من رسالة ومغزى وهدف، ينتاب اللبنانيين شعور متناقض من الفرحة والحسرة، الفرحة لسقوط العملاء ويقظة الأمن اللبناني، والحسرة لوجود هذا الكم الهائل من العملاء (اللبنانيين) فالعميل ليس مقطوعاً من شجرة إنما له اهل وأقارب وعائلة وجيران وأصدقاء، قادرون على أن يضيقوا عليه الخناق قبل وبعد العمالة بحيث يستطيعون القيام بما لا يستطيع القيام به رجل الأمن نسبة للظروف والحياة المشتركة وأهمية التصرفات والتغيرات التي تطرأ على حياة العميل، رغم حرصه والتي تعرضه للعديد من الأسئلة المستجدة التي نهملها حالياً والتي يجب متابعتها بأطار تعاون يعد تطويره من اختصاص المؤسسة الأمنية ليؤسس لشراكة ثنائية شعبية ورسمية، فالحيرة والتساؤل يتأتيان من استخفاف شريحة لبنانية بقضية في مثل هذه الخطورة تمثل أدب الهزيمة في حياة الشعوب لا النصر الذي راكمته المقاومة اللبنانية والذي من المفترض انه قضى نهائياً على مثل تلك الاتجاهات التي تعاكس الفطرة الإنسانية، الا أن المقاومين يعلمون أن الحرب لم تنته انما هي حتى الآن سلسلة معارك فكلما ازدادت انتصارات المقاومة ازدادت محاولات الموساد وأعوانه، فاللبنانيون يطالبون بإحالة ظاهرة العمالة الى علماء النفس والاجتماع كونها حالة وبائية مرضية سرطانية يجب استئصالها، والسوأل المركزي لماذا هوس الموساد بالساحة اللبنانية بتجنيد العملاء هل لهدف نمطي جاسوسي كلاسيكي معروف؟ ام خلف الأفق هدف اكثر تركيباً مما يعتقده البعض؟ بالطبع المقاومة حسب المنطق والتسريبات المعلنة هي الهدف الأساس، خاصة بعد الفشل الموسادي الذريع في صيف تموز/يوليو 2006 وما تكشف عنه من هشاشة بنك الأهداف الذي وضعته الموساد ومثيلاتها الصهيونية في كل ما يتعلق بالأهداف غير المدنية، لا سيما ما يتعلق بسلاح وخطط حزب الله وقيادته وكوادره واسرائيل تفعل ذلك لسببين، اولاً القلق الخاص من قضية رد الفعل الذي طال انتظاره لاغتيال الشهيد عماد مغنية، الذي ربما فاقت تكاليفه الانتظارية الفعل نفسه. والقلق العام فيما يتعلق بما بات يعرف بقضية الوثبة الجهادية، التي تقضي بنقل المعركة الى داخل العدو الصهيوني نفسه، الذي يترك الواقع الداخلي الصهيوني في حيرة من امره لنقص واضح في التقصي والمتابعة اللذين تزيدهما إثارة وتشويقاً المعادلات الجديدة والمتكررة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، وثانياً يتطلب اي عدوان جديد احداثيات مختلفة عن العجز الذي أمنه العملاء اثناء العدوان الأخير في تموز/يوليو 2006 بحيث لا يحتمل العجز الردعي الصهيوني كسرين متتاليين، الا أن اخطر الأهداف التي يعمل عليها الموساد في الداخل اللبناني هو العمليات الرمادية من الاغتيالات التي من شأنها أن تعصف بالوحدة الداخلية الهشة بفعل الاتهام السياسي والاتهام المضاد، حيث يبرع الموساد باستغلال الأعمال الأصيلة والمركبة التي يحتكرها الفكر التلمودي حصراً، والتي اوصت بها معارف سابقاً رئيس اركانها اشكينازي الذي تعول عليه بعد استنفاد الكيان لرجالاته الانقاذيين التاريخيين التقليديين مطلع عهده في تعاطيه مع العرب عموماً والجيل الجديد من المقاومين وحزب الله خصوصاً، الذي تنبأت به وزيرة الخارجية الأميريكية السيدة كلينتون على رأي السيد نصرالله والتي نصحت الصهاينة باستعجال التسوية لأن المستقبل ينبئ بعدم وجود رغبة واشخاص قادرين على التوقيع من الجانبين العربي والمسلم، خاصة ما يتعلق بإتقان الجيل الجديد للتحديث وتحليل المعلومات والذين ينذرون مستقبل الكيان، حسب منظومة التاريخ الطبيعية انما تعمل الموساد على تأخير ذلك المسار المحتوم ببعض الجواسيس يساعدها في ذلك واقع لبناني وعربي واممي يضفي على الأعمال الأمنية المركبة مزيدا من الضبابية، وفي الجانب الآخر فإن تفشي ظاهرة العمالة تطرح المزيد من الأسئلة عن اسبابها، اذ يرى المحللون ان عجز اللبنانيين عن بناء دولة العدالة والمواطنة واستمرار النخب بالمطلق بالجدل العقيم وتسخيف فكرة الدولة ورجالها ومؤسساتها ومقاومتها وقيم المجتمع الأصيلة وتقاليده قد اثر سلباً في منظومة الأخلاق والثقافة العامة التي تعمل عليها قوى كبرى باعتراف السفير الأمريكي السابق في بيروت السيد فيلتمان عندما اعلن عن صرف (500) مليون دولار لتشويه صورة حزب الله اللبناني. لتصبح فكرة النزاهة في اذهان الكثيرين فكرة سخيفة بعد استشراء سياسة الرشوة والواسطة والمحسوبية والاعتبار، ان مخالفة القوانين ليست نقضاً لأسس المواطنة واساسات الدولة انما خروج على العهر السياسي وانتقام منه وربما تلك هي اخطر الاختراقات الأمنية، بالطبع لا يمكن تبرير العمالة تحت اية ذريعة او سبب انما للتنبيه من خطورة استمرار الواقع الحالي وللتنبيه من خطورة العجز التنموي العام بمختلف صوره ذات الدلالات الخطيرة والخطيرة جداً حتى بدأ البعض يتساءل عن جدوى التسامح الذي ابدته المقاومة والقضاء اللبناني تجاه العملاء في السابق عند تحرير الجنوب، بحيث انه اغرى استيلاد المزيد من العملاء وخرق قاعدة توازي العقوبة والجرم من دون مبرر استقرائي مستقبلي، باستثناء خياري السيئ والأسوأ، لأن الحرب لم تنته والخطر لا زال جاثماً ينتظر الفرص للانقضاض، والذي طال سلبا المفاهيم والمصطلحات الوطنية الأساسية للمحيط الحاضن، بحيث استقرت العمالة في اذهان البعض على انها يمكن ان تكون عملاً مبرراً، بل شهد معظم اللبنانيين تمتع البعض بثروات العمالة بسادية مطلقة وفي هذا السياق لو ان مراكز البحث والإحصاء اللبنانية تعطينا نسبة عن العملاء الذين تم العفو عنهم وارتدوا على اعقابهم بالاضافة للمحة احصائية مشابهة عن حواضنهم هل كانوا عوامل اغراء لسواهم ام عبرة يتعظ بها؟ الا ان اخطر ما يحذر منه اللبنانيون هو ان تصبح للعمالة تبريرات سياسية بحيث تصبح مجرد جنحة او وجهة نظر فينتقل العملاء حينها من التوصيف الإجرامي الذي يستحق القصاص الرادع والنبذ الاجتماعي الى مستهدفين ومظلومين يستحقون العطف والدفاع عنهم باستهداف ضحية عمالتهم وبذلك يجدون من يتبنى قضيتهم في السياسة والإعلام وغير ذلك مما يعد في منظومته، بات يثير العجب بحجج واهية فالمعالجة تتطلب سلة متكاملة تتخطى المفهوم الضيق للأمن، بحيث يتطلب من الأمنيين المزيد من اليقظة والحذر، وكما جاء على السنة قادتهم المزيد من الاحتراف والتخصص، كذلك ان يجمع الساسة على الثوابت الوطنية بحدها الأدنى لا سيما ما يتعلق بالأمن بمعناه الشامل الذي بدونه لا معنى لأية انجازات او محاولة، والاتصاف بأداء رجال الدولة، واعادة الاعتبار للنزاهة ومفاهيم المواطنة الحقيقية، كذلك تتطلب المعالجة جهداً اعلامياً وثقافياً وتشريعياً وقانونياً وفي كل الميادين ذات العلاقة، التي تجعل من تجنيد الجواسيس امراً معقداً بل ومستحيلاً من دون الخلط بموضوع الحريات المقدسة في حياتنا المعاصرة، فالدولة معنية بإنجاز رؤية تنموية عامة فالمزيد من التأخير يعني المزيد من العملاء ومن المفيد الأشارة حسب بعض التسريبات الى ان غالبية العملاء هم من الموظفين الرسميين (المرموقين) في مؤسسات مختلفة، مما يدفع للتساؤل حول كيفية اتاحة فرص الوظيفة العامة امام المواطنين والارتقاء بها بعيداً عن شروط الكفاءة والأخلاق والنزاهة في ظل الحديث الدائم عن الفساد الإداري وغياب مؤسسات الرقابة الفاعلة، فاللبنانيون قلقون من الثقافة العامة على هذا الصعيد حيث الذاكرة اللبنانية باتت تتقبل بارتياح انماط الثراء السريع والمشبوه ليصبح السؤال من اين لك هذا في منتهى الغباء والسذاجة ليس على مستوى الدولة والنظام والأجهزة المعنية فحسب، بل على مستوى الرأي العام نفسه باستثناء قلة باتت غريبة، كذلك الحديث عن الاحتلالات الأجنبية المتواصلة والحروب الداخلية المتكررة، التي فعلت فعلها في ظل تباين ثقافي داخلي حاد تؤججه منظومات منحرفة سياسية وطائفية ومذهبية..ومصالح احتكارية وارتباطات خارجية تولدت عنها ثقافة وطنية هجينة قادرة على تقبل انماط شاذة كالعمالة تستخف بضررها لتبدو كنوع من الأعمال التي تشابه تبيض الأموال والمواقف والسياسات، القصد منه الارتزاق بصوره المتعددة المادي والمعنوي على حساب كل شيء وهنا ينبغي على القوى المعنية تحذير اللبنانيين من طرق وكيفية وأماكن استدراجهم التي تتبعها الموساد لجذبهم لأشراكها المهلكة والإضاءة على الزوايا المهمة من القضية، لأن مكافحة التجسس والعمالة قضية وعي ومعرفة ورأي عام تهم كل اللبنانيين بطريقة تنسجم والسياسة الوطنية الواجب اتباعها لتحقيق الهدف في الملف الأخطر كي لا تتبادر الشكوك حول دور الموساد في عدم حزم اللبنانيين أمرهم في قضية حسم التشدد في التعامل مع العملاء حتى هذا اليوم بحيث تعلق المشانق بعد نفاد انذار الستة اشهر المقترحة لتوبة اولائك الذين لا زالوا ينتظرون قبل السقوط، حسب رأي نائب لبناني معروف.

 

' اعلامي وكاتب لبناني

-عن القدس العربي