خبر هدية لحماس -معاريف

الساعة 09:41 ص|12 يوليو 2010

هدية لحماس -معاريف

بقلم: عاموس جلبوع

(المضمون: المسيرة من اجل جلعاد شليت ستؤدي الى نتائج معاكسة لاهدافها الاصلية: فهي لن تسرع الصفقة بل ستطيل أسره وترفع ثمن تحريره - المصدر).

في نهاية الاسبوع انتهت مسيرة الـ 12 يوما من اجل تحرير جلعاد شليت، وعائلته دقت خيمة احتجاج امام ديوان رئيس الوزراء الى ان يعود ابنها. كانت هذه المسيرة الاكبر والاطول في تاريخ الدولة، كما أذكر؛ كانت هذه المسيرة الاكثر تنظيما، الاكثر اثارة، شعبية، مليئة بأعلام اسرائيل بقدر ما أذكر؛ كانت هذه المسيرة الاكثر لمسا للقلب، انسانية وبتغطية اعلامية وعلاقات عامة.

        لو كانت هذه مجرد مسيرة غايتها الدعم المعنوي لعائلة شليت، لاظهار المشاركة في ألمها وفي حزنها؛ لو كانت هذه مجرد مسيرة غايتها تعزيز يد الحكومة في مفاوضات عسيرة حيال عدو وحشي؛ لو كانت هذه مجرد مسيرة غايتها ممارسة الضغط على كل المحافل الدولية ذات الصلة، لكان عندها قلبنا جميعنا يمكنه ان يمتلىء فقط بالعزة وبالأمل. مسيرة كهذه بالفعل كانت واجبة الواقع وتخدم عائلة شليت.

        لأسفي ليس هكذا كانت المسيرة التي شهدتها. كل اولئك الذين شاركوا فيها شاركوا في رسم أهداف المسيرة ورسائلها – كل خبراء العلاقات العامة، كل ذوي المصالح المتنوعة والمختلفة، كل الاقلام المأجورة والمجرورة – جعلوا أهدافها ورسائلها (خلاف الطابع الشعبي ولنوايا معظم المشاركين فيها) الى ضغط وحشي – حسي على رئيس وزراء اسرائيل كي يدفع لحماس، الان، فورا، كل ثمن مقابل تحرير جلعاد شليت، وبهذه الصفة فانني لا يمكنني إلا أن اصفها، وبأسف، "بمسيرة السخف".

        نواة السخف هي في أن المسيرة أصبحت تتعارض ومصلحة هدفها. فهي لا تحث ولا تسرع تحرير شليت بل بالذات تطيل أسره وبالذات سترفع ثمن تحريره. لا ينبغي للمرء ان يكون حكيما كبيرا كي يفهم هذا. يحتاج فقط الى عينين واذنين كي يرى ويسمع فرح حماس التي باتت منذ الان تعد بأن ترفع الثمن، وأن يرى مظاهرات نساء السجناء الفلسطينيين اللواتي يدعون الى الصبر وعدم المرونة.

        اذا كانت حماس تتميز بصبر لا حدود له، في خلاف تام مع الآنيين عندنا، واضح لها اذ ترى المسيرة ومطالبها بأن هناك بالفعل ثواب للصبر؛ ولن يضر مواصلة ابداء المزيد من الصبر الى ان تكون اسرائيل مستعدة لان توافق على طلبها، ويدها ستكون هي الاعلى في صراعها حيال ابو مازن والسلطة الفلسطينية. القلب يتفطر لرؤية الهدية التي نمنحها لحماس، بل وفي توقيت يأتي بعد "قضية الاسطول"، والتي حظيت فيها بانجازات في الحرب على الوعي العالمي وفي التسهيلات على الاغلاق.

        السخافة هي الهزء من "الخطوط الحمراء" للحكومة وطرح مقابلها "خط القلب" (كما قال الشاعر شلومو أرتسي) الذي كله احساس وعديم المصالح الوطنية – العامة. في التلمود البابلي فصل يعنى بمسألة فداء الأسرى. هذه بالفعل قيمة هامة، ولكن مثل العديد من القيم الاخرى، ليست بلا حدود وتحفظات. في الفصل د في المشناة و تقرر بأن: "لا يفدى الاسرى بأكثر من دمائهم لصلاح العالم". وهذا هو التحفظ: حتى لو كانت قيمة فداء الاسرى هامة للغاية، فلا ينبغي الاخذ بها اذا كانت دماء التحرير مبالغا فيها، وذلك لان هذا سيكون في طالح الجمهور. ولماذا في طالح الجمهور؟  لان الامر سيشجع، هكذا قال حكماؤنا، المزيد فالمزيد من عمليات الاختطاف لاغراض تلقي بدل تحرير مبالغ فيه.

        السخافة هي الادعاء بأن جنودنا لن يرغبوا في الخدمة وفي القتال اذا ما سقطوا في الاسر فان الدولة لن تدفع "كل ثمن" لقاء تحريرهم. وماذا اذا اصيبوا بجراح خطيرة او قتلوا لا سمح الله؟ خسارة أن هكذا تتدحرج الامور. خسارة أن المسيرة أصبحت أسيرة وسائل الاعلام على حساب جلعاد شليت وعائلته.