خبر قصص تقشعر لها الأبدان لإعترافات بعض العملاء في غزة

الساعة 07:56 ص|12 يوليو 2010

قصص تقشعر لها الأبدان لإعترافات بعض العملاء في غزة

فلسطين اليوم-غزة

بعد زهاء شهرين عن فرصة قد لا تتكرر.. انتهت الحملة الوطنية لمكافحة التخابر مع العدو الإسرائيلي، ومعها أُقفِل باب التوبة لكل من سوَّلت له نفسُه وتعاوَن مع المخابرات الإحتلالية

في أحد تحقيقات صحيفة "فلسطين" التقت ببعض العملاء المحتجزين في مقر الأمن الداخلي بغزة واستمعت لقصصهم ونقلتها على ألسنتهم ليكون بين أيديكم عِلماً وعِبرة

العميل الفكري

كنتُ على أهبة الاستعداد لاستقبال "سمكةٍ" جديدةٍ أوقعها حظُّها النَّحس في شباك صيادٍ محترف.. لأفاجأ بقرشٍ تبخترَ وفكَّر بعمقٍ مظلمٍ فغرِق في بحرٍ كان ذات يومٍ هو نَفَسُه..

جاء بلباسٍ أسودٍ تحمله ابتسامةٌ باهتةٌ بدت وكأنها حقيقية _لمن لم يتفحَّصها_.. "أيمن" ويبلغ 28 عاماً.. عمل موظفاً في إحدى المؤسسات الخاصة، بعد أن تخرج من إحدى جامعات غزة بمعدَّل مرتفعٍ يدلُّ على شخصيةٍ مميزةٍ.. ليكون بتلك الميزة مع بعض الطموحات لقمةً سائغةً للمخابرات الإسرائيلية.

يقول "أيمن":"عملتُ مع رجال المقاومة مدة أربع سنوات ابتدأت من عام 2000، حتى تمّ اعتقالي في اجتياحٍ إسرائيليٍّ نهاية عام2006 شمل كل شباب المنطقة، وهناك لم أتعرَّض لأي أذىً من قبل المخابرات الإسرائيلية بل لعبوا على نفسيتي التي لطالما تاقت لما عرضوه، لينتهي حديثهم بعرضٍ صريحٍ لأن أتعاون معهم وأكون "عميلاً" أدسُّ لهم صورةً موسعةً للحدث من خلال بعض التقارير فما كان مني إلا أن قبِلت"!

لقد كان "أيمن" يتوق للعمل والسفر والشهرة.. تاقت نفسُهُ لأمريكا ومثيلاتها.. تخيَّل نفسه الشهير صاحب المال والاسم العظيم! وبتلك الصورة الخيالية الحالمة قارن " واقِعَه ليجده بعيد كل البعد، إلا في حالةٍ واحدة، تمثلت في بصيص النور الذي سلَّطته المخابرات الإسرائيلية على عقله فاخترقه بسهولة!

"أنا لن أقتل.. لن أقوم بأفعالٍ غير أخلاقية.. لن أُعرِّض أحداً للأذى.. كل ما سأقوم به هو عمل بعض الدراسات.. فلِمَ أتراجع وأنا في تلك الضائقة المالية؟! اذهب يا رجل وتوكَّل على الله"!! كان "أيمن" يُحادثُ نفسه ويبرر لها فعلتها، ومن ثم قام بنفسه بالاتصال بالمخابرات الإسرائيلية ليقول لهم:"أنا لكم طوعٌ".

عن الأعمال التي قدمها "أيمن" للمخابرات الإسرائيلية يقول:"قمت بعمل 14 دراسة شملت التنظيمات الفلسطينية وعلاقة الجهاد الإسلامي بإيران، كذلك فقد قدَّمتُ دراسةً عن المنتديات الجهادية، وعن شعبية حماس وغيرها".

اليوم يمضي على "أيمن" في السجن شهر وبضعة أيام ..أيامٌ يحاول فيها لملمة شخصيته وإنسانِيته ودينه ومشاعره، منتظراً الحُكم.. منتظراً زيارةً من أهل ربما لن يزوروه.. يتمنى لو يقبل قدم أمه ندماً

لم يكن الأمر صعباً على "أيمن" في اكتشاف مدى شعبية حماس فقد تميَّز بالقدرة على افتعال نقاشٍ حول أي موضوعٍ كان، سواء كان في السيارة أو البيت أو حتى مع الأصحاب والجيران، فالأمر لم يكن سرياً إنما مفتوح وأمام العلن، ليصدق من قال:"الحيطان لها ودان"، فالدردشة كانت الوسيلة الأولى والسهلة لحصوله على المعلومات، إلى جانب قدرته على الكتابة، كيف لا وهو كاتبٌ لمجموعة رواياتٍ بأسماء مميزة؟!

ويذكر "أيمن" أن المخابرات الإٍسرائيلية كانت على وشك إقامة مركزٍ خاص يعمل بشكلٍ رسمي ويكون مقره في غزه وبإدارة "أيمن"!

ولو حسبنا المدة الزمنية التي عمل فيها "أيمن" مع المخابرات الإسرائيلية فقد وصلت لثلاث سنوات وخمسة شهور، تقابل فيها مع المخابرات عدة مرات وحصل فيها على مبالغ هي بالحقيقة فُتات!

اضطراب أسري ومادي

ولو عدنا قليلاً لحياة "أيمن" الأسرية فلم يحفّها الاستقرار يوماً، ويُذكر أن أهله منتمون لحركة (.....) ومؤيدون لها بشكلٍ لا يوصف فيقول:"اعتبروني مخطئاً ذات يومٍ في حق (....) فما كان منهم إلا أن وقفوا بجانب الحزب بل وطلبوا مني الاعتذار، الأمر الذي لم أقبله على نفسي، فلستُ أنا الذي يعتذر ويتأسف، أنا من يمشي بخيلاء وكبر، أنا من ليس مثلي أحد حتى وقعتُ بعزة نفسي ذليلاً".

ويواصل:"علاقتي لم تكن جيدة مع أهلي، لا لسوئهم بل لسوئي وكبري، لم أكن أسمع كلمة أحدهم أو نصيحتهم، فتركتهم وذهبت للعيش في مكانٍ بعيدٍ عنهم، في ظل نقصٍ مادي واضطراب أسري أودى بي للتشبث بوعود المخابرات الإسرائيلية والاتجاه للعمالة".

لحظةٌ تكْسِر الشموخ

ذات يومٍ.. وصل "أيمنَ" بلاغٌ ظنَّ أن التحقيق بعده لن يطول على العشر دقائق، فلم يكن يشك للحظة بأن الشبهة تلاحقه، لم يتخيّل أن يجد من هو أذكى منه، وما زال حتى اللحظة لا يعرف كيف توصلوا لحقيقة "عمالته"، لينتهي به الأمر إلى انكسار شموخه والانهيار معترفاً بمجرد أن أخبره المحقق قائلاً:"نحن نعرف كلَّ شيء.."

يقول أيمن:" عرفت ما معنى "اليوم" في السجن، فخلوتي أيقظتني بعد أن فات الأوان، أتذكر كيف كنتُ أصلي وأقرأ القرآن دون أن أعتبِر لآية، لمستُ معنى الضعف بعد الكِبر، أخجل من خذلاني لأمي وأبي وزوجتي وابني، فهم لا يستحقون ذلك مني وألومهم على يومٍ لم يعنفوني به..".

"أحبك.."

واليوم يمضي على "أيمن" في السجن شهر وبضعة أيام ..أيامٌ يحاول فيها لملمة شخصيته وإنسانِيته ودينه ومشاعره، منتظراً الحُكم في قضيته.. منتظراً زيارةً من أهله الذين لم يزوروه بعد، وربما لن يزوروه.. فوقعُ الخبر على مسامعهم ليس أقل من طعنة خنجر مفاجئة، يتمنى أن ينزعها "أيمن" ولو كان بتقبيل قدم أمه ندماً لأنه يعلم أنها الأكثر صعقاً من فعلته، وتكتم الأمرَ زوجتُه وتزوره بعد أن علمت من أخيه الحقيقة، تزوره برفقة طفلها الرضيع وكأنها لا تعلم بشيء لتقول له بعد أن ارتأت الندم في عينيه :"أحب فيك طهرك.. وسأبقى حتى يتوقف قلبي عن النبض".

إلى هنا انتهى الحديث مع "أيمن"..

عميلٌ يعترف..

أما "رامي" فشاب في الخامسة والعشرين من العمر.. بدت شوائب الحزن منثورة على كافة ملامحه، ففي وجهه صفرةٌ لم تكن مصطنعة، وبجسده هزالٌ يكاد يفقده التوازن، وفي كل نقطةٍ تُجسِّدهُ بدا التوتُّر والندم، لم يفكِّر في أن يزوِّر الحقيقة أو بعض الحديث، أو على الأقل هكذا يُفهَم من شكله وأسلوب حديثه فموقفه الذي ورَّط به نفسَه لا يُحسَد عليه.. ووخز ضميره الذي رحَّل من عينيه نعاسَها منعه من التلاعب، بل ودفعه نحو الاعتراف مستغلاً "فتح باب التوبة للمتخابرين مع العدو" بعد أن دخل السجن بتهمةٍ أخلاقيةٍ لن نورد تفصيلها هنا، لكنها بلا شكٍّ مدخلٌ واسعٌ أوقع من خلاله نفسَهُ في شباك العمالة مع (إسرائيل).

حضَن نفسَهُ في زاوية مقعده وشبَّك يديه وأطلق العنان للسانه يروي حكاية "عمالته" قائلاً:"قام (....) بإبلاغ الأمن عني بتهمةٍ أخلاقية كان نهايتها السجن، ومن ثم كان السجن بداية وفرصة الاعتراف النادرة بعمالتي"، ويضيف:"قبل عامين، جاءني اتصالٌ على الجوَّال، من شخصٍ ادَّعى أنه "أبو عمر"..عرض عليَّ المساعدة والتحسين من وضعي المادي، لِيلي هذا العرض تأكيدٌ باتصالٍ آخر بعد أسبوعين ونصف من نفس الرجل، عندها قابلتُه في منطقةٍ حدودية وعرفت أنه ضابط مخابرات، وسلمني 400 دولار دفعةً واحدةً، كان المبلغُ حلماً بالنسبة لي..".

تحت التهديد

وحسب قول "رامي"، فبعد الوعود بتحسين وضعه المادي هدَّده الضابط بخطف والده وقصف بيته إن لم يستجب ويتعاون مع المخابرات الإسرائيلية أو يفكِّر في التراجع، ويبدأ تعاونه مع المخابرات الإسرائيلية ثالث أيام الحرب الأخيرة على غزة، عندما اتصل به الضابط وطلب منه أسماء مجموعة من المقاومين، فكان له ملبياً.

ويزداد التعاون بينهما عندما دلَّه رجل المخابرات الإسرائيلي على أحد البيوت التي تحوي أسلحةً وصواريخ طالباً منه التأكُّد والمراقبة، ليردَّ عليه في الوقت الذي دخلت فيه الأسلحةُ للبيت فعلاً، ومن ثمَّ تمَّ قصف البيت واستشهد اثنان من خارجه من حركة حماس بعد أيامٍ ثلاثة من الإدلاء بالمعلومات، ويتكرّر الأمر في الإدلاء عن بيتين آخرين ليتمّ قصفهما فعلياً.

بعد هذا، كوفِيء "رامي" بمبلغٍ قدره 500 دولار كان كفيلاً لأن يدفعه للاتصال بنفسه على المخابرات الإسرائيلية لطلب المال مرةً أخرى، وهذا ما حدث معه فعلاً.

يقول "رامي":" بعد وجبة عشاءٍ فاخرةٍ لم أعهدها في حياتي أعطاني الضابط هذا المبلغ وطلب مني أن أصرفه في مكانٍ بعيدٍ عن بيتي حتى لا يشكّ أحد بي، وفي الوقت ذاته طلب مني التعرف على أسماء بعض الأشخاص من خلال عرض صور هوياتهم وفعلاً عرفتهم وأدليت له بأسمائهم".

أردتُ قتلَ الضابط!

وينقطع الاتصال مدة ستة شهور بين الطرفين، ثم يعود من جديد.. اتصالٌ، فلقاءٌ حذِر، فوجبة عشاء فاخرة ومن ثم استجواب.. كان في تلك المرَّة يخص الجندي الأسير شاليط وحماس بعد أن جلس "رامي" تحت رحمة جهاز فحص الكذب حسب قوله، ويضيف:"فكَّرتُ في قتل الضابط كي أرتاح من وخز الضمير الذي بدأ يلازمني، لكني لم أجد في الغرفة التي تركني بها شيئاً يَقتُل".

وختام قصة "رامي" مع ضابط المخابرات أن سلَّمه 2000 دولار وطلب توزيعها في أماكن ميِّتة ليكون لغيره من العملاء نصيب!!.. وكالعادة كان طوعاً لهم!.

أمي.. وطفلتي

"رامي" هو بكر أمه والأحبّ لقلبها الضعيف، وهي الأولى التي ضربها في الصميم وخذلها، زارته مع باقي العائلة بعيونٍ باكية وكلمات العتاب واللوم لا تفارق أحدهم:"لماذا فعلتَ ذلك؟".. "لا أعلم.. لا أعلم.."

"لقد خلَّفْتُ معاناةً كبيرةً لأهلي وبالذات لأمي وطفلتي التي لم أرها إلا في السجن وقبلتها مرَّتين فقط فبكيت وبكيت، وها هي زوجتي تحمل العدَّة وتعود لبيت أهلها تنصلاً من عاري.. أنا تائب، سامحوني..".. كانت كلماتٌ أخيرة ختم بها "رامي" قصته بعد أن تمنَّى أن يُدمّر الضابط الذي دمَّره.. بقتله..

صدمة غير متوقعة!

أما ثالث شخصيةٍ في هذا المسار فقد شكَّلت لي صدمةً لم أكن أتوقعها.. رجلٌ في أواخر الثلاثينات، استغل بعض ملامح الوقار التي وُهِبها في وجهه للتستر على فعله المشين.

"جمال".. يستقبل هاتفاً من شخصٍ غريبٍ لم يتعرَّف عليه سابقاً، فيطلب منه المتصل أن يراه في أحد المساجد واعداً أن يخبره عن حقيقته في الغد عند اللقاء.. ومن ثم يقفل الهاتف!.

وقبل خروجه للمسجد لمقابلة هذا الرجل وجد "كبسولة" تحمل 100 دينار على عتبة بيته، ورسالة فحواها أنه تمَّ اصطفاؤه من بين أناسٍ كُثُر.. ليكون هذا اللقاء مدخلاً لإدلاء معلوماتٍ للمخابرات الإسرائيلية ومن ثم قتل مجموعة من القادة وقصف كثيرٍ من البيوت.

بعد أن قبِض على "جمال" لم يكن أمامه سوى الاعتراف والإدلاء بكل ما تورَّط به مع المخابرات الإٍسرائيلية.