خبر القط والقشدة..معاريف

الساعة 08:43 ص|09 يوليو 2010

بقلم: بن كاسبيت

الصورة التي فخمت الصفحات الاولى من الصحف في يوم الاربعاء الاخير أفضل من الكلمات كثيرا. فالرئيس براك اوباما، في قميص أبيض ورباط عنق أحمر، يسدد نظره ويوسع ابتسامته الى عدسة التصوير. يده اليمنى مرفوعة قليلا، ونصف مقبوضة. وإلى جنبه يجلس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. في قميص أبيض ورباط عنق موشى. نتنياهو، يشبك بين أصابعه، لا يسدد نظره الى عدسة التصوير مثل اوباما، بل يسدد اليها نظرا منحرفا. يبدو كمن يبتسم نصف ابتسامة ويغمز بعينه نصف غمزة، وكأنما يناجي. كل من يعرف بيبي يعرف هذه النظرة على نحو ممتاز. إنها نظرة قط نجح في أن يتسلل آخر الأمر الى المطبخ وأن ينظر (لكنه لم يذق حتى الان) الى طبق القشدة.

        كان لنتنياهو زيارة ممتازة لواشنطن. وقد أعدها الطرفان بحرص. إنها تأريخ قصة حب معلومة سلفا. كان كلاهما محتاجا الى هذا الاخراج، اوباما وبيبي أيضا. وكل واحد وأسبابه. من الصحيح الى اليوم ان نتنياهو موجود في وضع هو الأعرف به: وضع المهرج الذي ينجح في المناورة والحفاظ على جميع الكرات في الجو. في هذا الوقت جميعهم هادئون نسبيا او لا يشغبون على الاقل. بني بيغن، ودان مريدور، وليبرمان وايهود باراك، والامريكيون الان ايضا. يترك نتنياهو لجميع هؤلاء المتناقضين تصديق أنه معهم او في الطريق اليهم على الاقل اما في الواقع فهو لا يسير الى اي مكان حتى الان. انه جامد في مكانه، وقد أعشت الاضواء بصره وهو حائر.

        أرسل نتنياهو قبل زمن قصير من شخوصه الى واشنطن رئيس فريق عمله، نتان ايشل، للقاء دالية ايتسك. حاكى هذا التدبير "المستشار الاستراتيجي" شعيا سيغال. وكان مشاركا فيه أيضا رئيس شعبة الاعلام نير حيفتس. سمعت ايتسك في هذا اللقاء وعودا كثيرة. فقد وعد هناك بجبال وتلال. عدد الوزراء (بين ثمانية الى عشرة)، والوظائف، وستكون لفني رئيسة فريق التفاوض، وعندما يستقيل ليبرمان سيكون من الممكن اعطاء حقيبة الخارجية ربما حتى لايتسك نفسها. كان أحد الشروط أن يلتزم كاديما دخول الحكومة زمنا يحدد سلفا، كي يستطيع بيبي ان ينام في هدوء وان يكون على يقين من أنهم لا يحتالون عليه الان لاسقاطه بعد ذلك.

        القضية هي أنه لا قضية. لا في هذه المرحلة، على أية حال. سمع ايشل من ايتسك أنه ما لم يوافق نتنياهو على تأليف ائتلافه من جديد فلا يوجد ما يتحدث فيه. ومع ذلك أثار اللقاء أمواجا حول نتنياهو وحول كاديما أيضا (البعد بين هذه الامواج ووسائل الاعلام قصير).

        رامون ينفجر ضاحكا

        بدأ هذا الاجراء قبل ذلك، في المحادثة الاخيرة التي تمت بين لفني ونتنياهو. كانت بادي الرأي محادثة ابلاغ جار بين رئيس الحكومة ورئيسة المعارضة، لكن كما كشف النقاب ها هنا كان أكثر من ذلك. فقد تمت في ذروة ضجيج القافلة البحرية التركية، عندما أغرقت حملة سلب الشرعية على اسرائيل كل أرض خيرة في العالم. قالت لفني لنتنياهو إن السبيل الوحيدة لوقف هذه الحملة العالمية هي احداث دراما حقيقية. لا أن يكون تدبير للأمور من أزمة الى أزمة، بل تغيير عميق وأساسي وجوهري للسياسة. أن يدخل في "وضع ذهني" جديد تماما. فبدل أن ينظر طوال الوقت نحو اليمين ليرى في عصبية من يحاول أن يحل  محله عندما سينحرف نصف ملمتر نحو اليسار، يجب أن يقرر قرارا قياديا. ترى لفني ان السبيل الوحيدة لفعل هذا هي قسمة أوراق اللعب من جديد. كلا، لا تداول للسلطة لكن فتح الائتلاف، وانشاء

خطوط سياسة مشتركة واقامة الحكومة من جديد لتكون ذات قاعدة ضخمة معتمدة على الليكود وكاديما. من يوافق على خطوط  السياسة الجديدة مدعو الى الداخل وهذا يشتمل على الجميع. عرضت لفني ذلك على نتنياهو بهذه الكلمات حقا. نحن هنا، مستعدون للمضي في إجراء كهذا بكامل القوة، قرر الآن.

        مرت بضعة أسابيع. وقرر نتنياهو ألا يقرر. تبين جميع الدلائل عن أنه ليس هناك. فهو بعيد بعيد عن هناك. ما تزال نصوصه سياسية، توجهها الانتخابات المقبلة: سيكون ليبرمان رئيس الحكومة القادم وتسقطه تسيبي وما أشبه ذلك. لهذا يبدو ان الاجراءات الحالية هي اجراءات لا جدوى منها. قد تكون محاولة أخرى محكمة من نتنياهو لتقويض الاستقرار في كاديما. وكما كشف النقاب عنه في صحيفة "معاريف"، تحدث رئيس الحكومة بعد يومين من اللقاء مع لفني الى تساحي  هنغبي ايضا. تسود بينما علاقات ثقة جيدة. سيسمع هنغبي في الاسبوع القادم بت القرار في محاكمته. اذا تبين منه أنه بُريء أو أُثم بلا عار، فسنحصل على هنغبي آخر. أكثر معرفة وأكثر تصميما وفي تحد. قد تجتمع آنذاك الكتلة الحرجة التي يبحث عنها بيبي وقد لا تكون.

        ملحوظة تحذير

        اشتملت المحادثات مع نتان ايشيل وحاشيته على جزء سياسي أيضا. ما سمع هناك هو أن بيبي ينوي المضي الى اجراء كبير "يفاجىء الجميع". ستكون محادثات مباشرة مع الفلسطينيين وسيقع الجميع عن المقاعد عندما يتبين لهم مبلغ كون نتنياهو مستعدا للمرونة. سيطلب من كاديما من أجل هذا الاجراء أن تقوم بعمل وتجند نفسها. وجدنا أدلة على ذلك ايضا في أماكن أخرى. والسؤال هل يبث نتنياهو هذه الاشاعات ليكسب ربع ساعة آخر للكرات في الجو، والهدوء، أم أنه يطبخ شيئا ما حقا. والأمر متعلق بمن تسألون في الحقيقة. فشمعون بيرس مثلا ما زال يأمل. وحاييم رامون في مقابلته ينفجر ضاحكا.

        ميتشل نعم أم لا

        بالمناسبة امتنع اوباما ونتنياهو في واشنطن عن وطء هذه الالغام. اعترفت المقالات الافتتاحية في الولايات المتحدة بفم ملآن بأن الاحتضان القوي بين الاثنين أتى ليلبي حاجات سياسية ولا يبشر بشهر عسل حقيقي. هذا الاجراء معروف لكل مرشح في أمريكا. والأمر يجري كما يلي: ينقل مندوبو الايبك ورقة مرتبة مع جميع المقتبسات والتنبيهات المطلوبة. ويفترض أن يقول المرشح في ظهوره المعلن كل شيء. القدس، وأمن اسرائيل، ولن نعترف بحماس وبالمنظمات الارهابية، والتفوق النوعي وغير ذلك. قائمة طويلة فخمة.

        قال براك اوباما كل هذا الكلام في أثناء حملته الرئاسية. لكنه كاد ينسى كل ذلك بعد أن انتخب. يبدو الان أنه تذكر مرة أخرى. لماذا تذكر؟ لأن المرشحين الديمقراطيين في أنحاء الولايات المتحدة يتنهدون. انهم محتاجون الى كل صوت، وفوق ذلك الى كل دولار. وأكثر المتبرعين الكبار يهود. ما تزال الايباك قوية مؤثرة. وأكثر من ذلك أن اوباما أدرك آخر الامر أن التوجه الابتدائي الذي فيه مواجهة، والذي حاول به ان يركع بيبي قد افلس. لقد جعل الجميع يرتفعون الى الاشجار العليا في الغابة ونشر جميع السلالم. اذن هو يحاول الان تقويم ذلك. يدرك الان أنه اذا كان يريد أن يجر اسرائيل الى مكان ما حقا فيجب عليه قبل ذلك أن يثبت نفسه على أنه أكبر من كانوا من أصدقاء اسرائيل. مثل كلينتون ومثل بوش. لهذا ذكرنا نتنياهو واوباما في يوم الثلاثاء في واشنطن بزوجين كبيري السن. قررا أن يسلكا سلوك عاشقين في أثناء العشاء العائلي كي يكون الاولاد الذين أتوا للزيارة راضين. وليس أنه لم تكن اختلافات في الرأي. كان واحد من الجدالات مثلا يتعلق بالمحادثات المباشرة مع الفلسطينيين، وينحصر في جورج ميتشل. يريد الامريكيون والفلسطينيون أن يكون ميتشل داخل الغرفة في التفاوض المباشر ايضا ويرفض نتنياهو. لو كانت نياته حقيقية لما كان يجب أن يرفض. وفكرة أخرى تجول هي أن يجيز اوباما رسائل بوش في نيسان 2004 (الاعتراف بالكتل الاستيطانية)، وأن يوافق نتنياهو عوض ذلك على تحديد البناء في يهودا والسامرة في داخل الكتل الاستيطانية فقط. وهنا أيضا مشكلة: فكتل نتنياهو أكبر وأكثر من كتل ميتشل او أبي مازن. فشرقي القدس والغور والخليل وغيرها يراها بيبي كتلا أيضا. ومن جهة ثانية، ستقدم للفلسطينيين قريبا حزمة تفضلات سخية، تشتمل على نقل أراض للتمكين من إقامة مدينة جديدة واتصالا جغرافي، وتشتمل على سجناء وحواجز وجملة افضالات أخرى.

        ايهود باراك، في مقابلة نتنياهو بقي في البلاد. بذل باراك جهدا كبيرا وبذل أناسه ايضا بمحاولة ضم وزير الدفاع الى سفر رئيس الحكومة واشتمل ذلك على اجراءات عابرة للاطلسي. وهكذا رتب لباراك لقاء مع وزير الدفاع غيتس ودعوة من هيلاري كلينتون واشياء اخرى. قالت جهات امريكية هذا الاسبوع ان ذلك كان محرجا حتى بالمفاهيم الاسرائيلية. ألغى باراك جزءا من برنامج عمله هذا الاسبوع لانه كان على يقين من أنه سيسافر. وكان من حجز غرفا في فندق "ميفلور" في واشنطن. إن ما لم يعرفه أناس باراك أن جهات أخرى عملت في مقابلتهم لابقائهم في البيت. "أنت الذي حصلت  على فرصة ثانية من الناخب الاسرائيلي لا هو"، قال من قال لنتنياهو، "لماذا تحتاجه هناك؟ أليقولوا مرة أخرى أنه حاضنتك؟ أليغمز الجميع من وراء ظهرك ويقول إنه البالغ السن المسؤول؟".

        أصغى نتنياهو واستوعب وقرر إبقاء وزير الدفاع وراءه. وتوجد رواية أخرى تقول إن ليبرمان هو الذي قرر وهو الذي اعترض على انضمام باراك (قال مكتب ليبرمان ردا على ذلك: "لا يقرر وزير الخارجية لرئيس الحكومة من يأخذ الى واشنطن"). على أية حال بقي باراك خزيان حزينا مكشوف الرأس في الخلف. وهذا أمر لم يعقه عن أن يقفز فوق كل أمواج الأثير الفارغة في محطات المذياع في يوم الاربعاء عند الفجر، لمحاولة أن ينسب لنفسه الاحتضان الامريكي وللاتصال بالواقع. لانه من ذا يعلم، قد تكون هذه هي القاعدة الجديدة التي تمكنه من البقاء في عمله بضعة أشهر أخرى. قصة حزينة يا باراك. جرى الحديث عنه كثيرا هذا الاسبوع. قبل كل شيء، وكما جاء ها هنا في الاسبوع الماضي، يجب العدل مع هذا الرجل. فليس هو الذي سرب ما تم في لقاء فؤاد بن اليعيزر لوزير الخارجية التركي الى القناة الثانية. صدق أمنون ابارموفيتش نفسه ذلك هذا الاسبوع في مقالة خاصة كتبها في صحيفة "يديعوت" ومن جهة ثانية لا يغير هذا من الامر شيئا. لان الحقائق تتحدث من تلقاء نفسها ولا حاجة الى تسريبها. فهي مدهونة مرسومة فوق الحائط بحروف ضخمة. بقي باراك وحيدا.

        منذ فاز على عامي ايالون في الانتخابات التمهيدية في حزب العمل وحل محل عمير بيرتس وزيرا للدفاع بدأ حملة تطهيرات، ودسائس وتصفيات، بلغ في نهايتها حيث بلغ. من ذا لم يطرد أو يترك او خاب أمله او اهين منه في هذا الوقت. ففي البدء نحى خبير الانتخابات التمهيدية الاستراتيجي شمعون شيفس. وبعد ذلك نحى من حمله على ظهره الداد يانيف. وبعد ذلك جميع الاخرين. شيلي يحيموفيتش، وايتان كابيل، وبوعام كابيل، وابراهم بورغ، وموشيه شاحل وشلوم كيتل واوفير بينس ويوفال ألبشين والان فؤاد وشلوم سمحون وعوفر عيني ايضا. لم يرجع أحد حيا بسببه.

        عندما يكون الحديث عن ظاهرة عميقة جدا ومحزنة جدا، لا يهم في الحقيقة من سرب وماذا سرب. المهم الشخص الذي لا يفهم ماذا يريدون من حياته ويستمر. اليكم مثلا عن الوضع: في يوم الجمعية الماضي عقد في بيت صهاينة أمريكا في تل أبيب اجتماع تذكارا لمرور ثلاثين يوما منذ وفاة لوبا أليئيف. كان ذلك في الحقيقة الحادث المركزي للحزب تكريما للوبا. "خواتم حياة"، خطوط لنظرية لوبا اليئيف مع انقضاء ثلاثين يوما منذ موته. نظمت ذلك كوليك افيتال. وأجريت لقاءات في موضوعات التربية والسلام والقيادة. المشاركون الجلة: موكي تسور، وبايغا شوحت، والبروفسور دافيد اوحنا والبروفسور يهودا بارشلوم، ودافيد بلماخ، ويوفال ألبشين، وأ.ب يهوشع، وعامير بيرتس، وايلي عامير، وعوزي برعام. يقول المنظمون إن ايهود باراك أصر على المشاركة. وكان رجاله مشاركين أيضا في الاخراج وأثروا مثلا في حقيقة أنه لم يدع عدد من معارضي باراك. وجاء هناك في الدعوة، بحروف اهداء بيضاء "بمشاركة وزير الدفاع ايهود باراك".

        لكن لم يأت آنذاك. كانت القاعة مليئة. والجو احتفاليا. هكذا يفترض ان يبدو حزب العمل، في أحلامه. الكثير من الشبان، وحركة شبان، ونشطاء، ومثقفون وأدباء وشعراء. ومن لم يأت؟ باراك لم يأت. استدعي على عجل الى رئيس الحكومة، قالت كوليك افيتال، وعندما أبلغت أنه لن يأتي نهائيا، ضج الجمهور. بعد ذلك عندما نهض المحامي يوفال ألبشن لتوجيه منتداه (في موضوع التربية)، قال إنه لو كان لوبا أليئيف رئيس الحزب، لما خطر في باله انه يمكن ان يغيب عن هذا الحفل. وضج الجمهور مرة أخرى. جاء عن مكتب باراك ردا على ذلك: "كان باراك عند رئيس الحكومة منذ الصباح في مباحثات وتقديرات قبيل سفره الى واشنطن واضطر الى الغاء مشاركته أسفا. لكن في يوم الاثنين القريب في السادسة مساء سيخطب في الكنيست في حفل تذكار بموت لوبا".

        قبل لبنان وبعدها

        في يوم الاثنين سيكون قد انقضى أربع سنين منذ نشوب حرب لبنان الثانية. كتب ها هنا عن تلك الحرب وعن التغييرالجوهري الذي أحدثته في الميزان الاستراتيجي في الجبهة الشمالية، وفي قوة ردع اسرائيل ايضا. قد يهدم هذا في كل لحظة، لكنه لم يكن قط هدوء طويل مستقر حالم كهذا في الحدود الشمالية. حزب الله يتسلح وينظم نفسه ويستعد لكن وضع الجيش الاسرائيلي اليوم أفضل بما لا يقبل المقايصة. من المثير ان نحلل الحرب من زاوية أخرى: الحقيقة هي أنها أصبحت من غير أن تقصد ذلك، خطا فاصلا بين "ما قبل" و "ما بعد"، ونقطة النظر الرئيسة للجيش الاسرائيلي. كل من يتابع في المباحثات الداخلية، في لجنة الخارجية والدفاع، وفي جلسات المجلس الوزاري المصغر وفي سائر الحلقات ألواح عرض الجيش الاسرائيلي ووثائقه، وكلام الوزير، ورئيس هيئة الاركان، والجنرالات وأصحاب المناصب يتبين له على نحو يدهشه أن كل شيء يتعلق بأمننا تقريبا يقاس بـ "هذا ما كان قبل الحرب"، بازاء "هكذا هذا الان"، وهذا يشتمل على كل شيء. وليست تعوزنا الأمثلة. فمستويات الاحتياط، والتجهز، والتدريبات والاستعداد ووضع المواقع العسكرية والتحصينات، ومستوى الفرد، ومعدات جنود الخدمة الالزامية والاحتياط، والتجنيد، وفرز الوحدات، وأنواع السلاح، وأيام القتال المطلوبة وغير ذلك. يبين أحد ألواح العرض كيف بدت مواقع الجيش الاسرائيلي قبل الحرب (مكان مهجوم، ونباتات شائكة، وصيانة هابطة، ومن غير الممكن أن تشغل سريعا وتحمى كما هو مطلوب)، وبعدها: جدد كل شيء، وبني وحفر وأقيم من جديد. ويشتمل ذلك على وسائل الكترونية، وعلى جدر، وعلى مواقع تعويق. أو ألواح العرض المتعلقة بأيام القتال التي استعدت لها اسرائيل قبل ذلك، قياسا بعدد أيام القتال بعد ذلك. إن التصور الأمني كله، واستعمال القوة وأنواع السلاح قد انقلب. ويجب أن نرى جميع الجنرالات، في الماضي وفي الحاضر، يجولون متنفجين راضين عن أنفسهم، وكيف أعاد الجيش الاسرائيلي بناء نفسه، وكيف تم إصلاح المعوقات، وكيف أنشأوا الأمر كله من جديد، ولا يسأل أحد نفسه أين كانوا في الوقت المناسب؟ من جعل الوضع يتدهور ويفسد الى هذه الدرجة؟ أين كان بوغي وموفاز وفلنائي، وشارون ونتنياهو (الذي اقتطع من اللحم الحي) وباراك، وجميع المسؤولين عن الوضع الذي بلغه الجيش الاسرائيلي في مساء الثاني عشر من تموز 2006، وهو الوضع الذي تنبهنا اليه بفضل تلك الحرب في الوقت واستطعنا تغييره.

        لم تعالج لجنة فينوغراد المسؤولين الحقيقيين عن الفشل الصوري والتكتيكي والاداري لتلك الحرب التي كانت كما أرى متأخرا، نجاحا. يتناول أحد الأمثلة الأبرز مادة متفجرة مطورة خاصة تنتجها اسرائيل (وهي الفضلى في نوعها في العالم)، وأغلقت جميع خطوط انتاجها قبل الحرب. ماذا حدث الان؟ فتحت من جديد بطبيعة الامر. وهم يعملون في ايقاع سريع لاتمام ما تأخروا عنه. ويتناول مثل آخر محاولة الاحتلال البائسة لبنت جبيل في الحرب، في حين لم يكن أحد يعرف البتة البلدة نفسها، وعندما يقررون نقطة لقاء قرب مسجد، تصل كل قوة مسجدا آخر، واليوم تعلم كل وحدة في الجيش الاسرائيلي بالضبط ما هو هدفها، وتعرف كل زقاق فيها، وهي مستعدة لكل نظام العمليات المطلوب حتى تثبيت آخر المقاتلين في الميدان. من المثير بالمناسبة أن نعلم متى سننسى هذا الدرس ونعاود الفساد. لأن هذا الامر حدث في 1973، وبرغم لجنة أغرينات عاد وحدث في 2006.