خبر سيداتي سادتي، تحول..هآرتس

الساعة 08:42 ص|09 يوليو 2010

بقلم: ألوف بن

الرئيس الامريكي، براك اوباما اكمل هذا الاسبوع تحولا في سياسته الخارجية. في الصف الماضي حاول اوباما التصالح مع ايران والضغط على اسرائيل. الان هو يفرض عقوبات على الايرانيين ويعانق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. السير الى الامام والى الخلف والتفافة حدوة الحصان في الطريق لم يحثا حاليا الاهداف التي وضعها اوباما لنفسه: البرنامج النووي الايراني متواصل، والدولة الفلسطينية تبدو بعيدة مثلما كانت دوما. ولكن الرئيس يمكنه أن يظهر فعلا، وان يدعي امام العالم بان "حاولت".

الاستقبال الودي الذي منحه اوباما لنتنياهو في البيت الابيض يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، اظهر بان الرئيس يفهم في السياسة. فبعد "ازمة رمات شلومو" في زيارة نائب الرئيس جو بايدن الى القدس، في اذار من هذا العام، بذلت الادارة جهدا مركزا للضغط على اسرائيل وللتنديد بنتنياهو على "اهانة امريكا" ببيان بناء حي جديد في شرقي القدس. ولكن عندها تجند الكونغرس لمساعدة رئيس الوزراء، ومعظم اعضائه طالبوا اوباما الا يدير شقاقا علنيا مع حليف هام كاسرائيل.

اوباما استوعب الرسالة. اعضاء كبار في حزبه طلبوا منه أن يتعامل على نحو جميل مع نتنياهو، ولهذا فانه يتعامل معه على نحو جميل. وبدلا من التسريبات من البيت الابيض عن انعدام الثقة والكيمياء السيئة، تلقينا "حديثا ممتازا"، وثناءا على "خطاب نتنياهو الرائع" في يوم الاستقلال الامريكي، والاهم: "أومن بان رئيس الوزراء نتنياهو يريد السلام ومستعد لان يأخذ مخاطر من أجله". مع تصريحات كهذه يمكن لاوباما ان يأتي الى الناخبين والى المتبرعين اليهود، قبيل الانتخابات للكونغرس في تشرين الثاني، وان يريهم بانه خلافا لما قيل عنه، فانه هو مؤيد كبير لاسرائيل ولرئيس وزرائها.

في البيت الابيض يفهمون ايضا السياسة الاسرائيلية، ويعترفون بالقوة غير المسبوقة لنتنياهو في ولايته الثانية. لم يتمتع أي رئيس وزراء في العقد الاخير بحرية مناورة مثل "بيبي 2.0". أسلافه اضطروا للتصدي لمدعي التاج وللنافخين في قذالاتهم من حزبهم، ممن نغصوا عليهم حياتهم في السلطة. لرابين كان بيرس ولبيرس كان رابين، لنتنياهو كان شارون ولشارون كان نتنياهو. لشمير كان "وزراء الاطواق" ولاولمرت كانت تسيبي لفني. في الجولة الراهنة، لا توجد ظواهر كهذه. أحد في الليكود لا يهدد زعامة نتنياهو. لا احد يسرب ولا احد يتآمر ضده. كما ان المعارضة ضعيفة، آخذة في الهزال، وتنتظر بهدوء على عتبة الدخول الى الحكومة دون ان تتحدى نتنياهو.

اوباما ومساعدوه يفهمون بان ليس لديهم في هذه اللحظة بديل، وهم ملزمون بالعمل مع نتنياهو. وهم يعرفون ايضا بان كل اتفاق سياسي يوقع عليه نتنياهو سيحظى بتأييد جارف بمعدل 70 – 80 في المائة من الجمهور الاسرائيلي. هذا الاعتراف أثر على تغيير النبرة في واشنطن وعلى الانتقال من الضغوط الى المداعبات.

غموض واعتذار

        نتنياهو ساهم بدوره في تغيير النهج الامريكي بطريقتين: تجنيد "اللوبي المؤيد لاسرائيل" في صد ضغوط الادارة، والخضوع لمطالب اوباما في كل مرة اصر فيها الرئيس. وهكذا قبل نتنياهو مبدأ الدولتين، ولكنه جمد البناء في المستوطنات بحيث أنه اوقف بهدوء البناء لليهود وهدم بيوت الفلسطينيين في شرقي القدس، وهكذا سهل في الاغلاق على غزة. كل هذه القرارات اتخذت بصفر ثمن سياسي، وهذا ايضا ما لاحظته الادارة. لقد أظهر نتنياهو لاوباما بانه مستعد لان يكون مرنا وان يتنكر لمواقف الامس اذا ما استدعت الظروف منه المساومة.

        والان ينبغي السؤال الى أين تؤدي الصداقة الجديدة؟ الى اين سيجر اوباما ونتنياهو عربتهما المشتركة؟ من ناحية رئيس الوزراء، الانجاز الاساس في هذه الزيارة كان تلقي الاسناد الرئاسي العلني لسياسة النووي الاسرائيلية.

        منذ لقاء غولدا مائير وريتشارد نيكسون في 1969، فان كل الرؤساء ورؤساء الوزراء كانوا ملتزمين بتفاهم هادىء يقول ان اسرائيل متمسكة بـ "الغموض"، وأمريكا تغطي عليها ضد المطالبات بتجريد ونزع السلاح. في الماضي ابقيت هذه التفاهمات سرا ونقلت من جيل الى جيل شفويا. نتنياهو طلب وتلقى لها تأكيدا خطيا من الرئيس بيل كلينتون في 1998، ولكن الكتاب لم ينشر. والان أعلن اوباما بان مبادرات الرقابة على السلاح "لن تنقص من أمن اسرائيل"، وان اسرائيل فقط مخولة بان تقرر ما هي احتياجاتها الامنية. مصادر اسرائيلية روت بان اوباما وعد ايضا بان يدفع الى الامام بالتعاون النووي المدني مع اسرائيل، رغم "الغموض". وسبقت هذه الوعود مفاوضات طويلة ادارها مستشار الامن القومي، عوزي اراد مع نظرائه في البيت الابيض.

        الدافع الفوري لتغيير السياسة كان مؤتمر النووي الدولي في ايار من هذا العام، والذي انتهى بدعوة اسرائيل الى التوقيع على ميثاق منع نشر السلاح النووي، بمعنى ان تتحلل من قدراتها النووية. ادارة اوباما صوتت مع القرار، ومنذئذ وهي منشغلة باعطاء ايضاحات واعتذارات لاسرائيل.

ولكن المؤتمر النووي في نيويورك كان مجرد الذريعة. فالغموض الاسرائيلي تآكل وتقشر بسبب التهديد النووي من ايران، الآخذ في أن يصبح ملموسا. ومثلما توقع الخبراء، كلما بدت ايران اكثر تهديدا، ستتطلع اسرائيل الى ردع اكثر علنا. اوباما يفضل اعطاء تعزيز علني للردع الاسرائيلي، وان يضيف له مساعدة عسكرية واسعة ولقاءات تنسيق أمني من ان يبعث نتنياهو بسلاح الجو لمهاجمة ايران. فهل وعده نتنياهو الا تنطلق اسرائيل الى حرب وقائية، اذا ما تلقت ضمانات امريكية للحفاظ على ردعها؟ أم لعل انفتاح اوباما يدل على ان الامريكيين سلموا لتوهم بالقنبلة الايرانية، والان يبلورون انظمة امنية اقليمية لليوم التالي لـ "نقطة اللاعودة"؟

اكثر بوغي من مريدور

نتنياهو طرح التهديد الايراني في رأس جدول أعماله. اوباما اختار بدء المؤتمر الصحفي بالموقف من غزة وبالثناء على اسرائيل لتسهيل الحصار. ولعله ظن ان من الاجدى ابراز الانجاز المتواضع الذي استخلص من "قضية الاسطول" ولعله اختار التركيز على الموضوع الذي شغل بال الرأي العام في العالم. المسيرة السياسية مع السلطة الفلسطينية ذكرت فقط في السياق، وحبذ الزعيمان الانشغال بالامور الاجرائية – الانتقال السريع من "محادثات التقارب" التي استنفدت ذاتها الى محادثات مباشرة – وليس بالجوهر، الذي بقي غامضا ومغلفا بتعابير سلام فارغة.

كما أن الدعوة المتكررة في النصوص التي اطلقها الرئيس ورئيس الوزراء لا تشكل أي مرسى يمكن التعلق به. نتنياهو حرص على الا يقول ولا كلمة واحدة تخرج عن خط اليمين. واذا ما فحصنا كلماته على سلم اراء اعضاء السباعية فان تصريحات نتنياهو في البيت الابيض تميل بقدر اكبر الى موشيه يعلون وبيني بيغن منه الى دان مريدور وايهود باراك. نتنياهو حذر من أن الانسحاب من المناطق من شأنه ان يجلب الارهاب والصواريخ مثلما حصل في غزة، ودعا السلطة الفلسطينية الى تغيير كتب التعليم. وقد وعد فقط بخطوات على الارض، دون ان يفصلها. وفي استعراض للصحفيين أوضح بان هذه لن تتضمن تسليم مناطق "ج" يطلبها الفلسطينيون لشق الطريق الى المدينة الجديدة "روابي"، التي تبنى قرب رام الله. المستوطنون يعارضون روابي بشدة، بدعوى ان المدينة الفلسطينية ستمس بجودة البيئة وجودة حياتهم، ونتنياهو يحرص على المستوطنين.

واذا كان نتنياهو واوباما قد انتقلا في المجال النووي من الغموض الى الانفتاح، فبالنسبة للمستوطنات حرصا على الغموض التام. كلاهما لم يقولا ماذا سيحصل عندما ينتهي التجميد الحالي، بعد شهرين ونصف الشهر، باستثناء التوقع بانه حتى ذلك الحين ستبدأ محادثات مباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. الصمت مفهوم: كل شيء يقوله نتنياهو الان سيستخدم ضده. اذا وعد بان يستمر التجميد، سيثور عليه المستوطنون ومؤيدوهم؛ واذا قال ان البناء سيستأنف، سيحرج رفيقه الجديد في البيت الابيض. القرار سيتخذ، وسينشر، فقط في اللحظة الاخيرة بل وبعدها. وهو سيربط برزمة واحدة مع المحادثات المباشرة وبعض التحسينات للفلسطينيين على الارض، مقابل السماح بالبناء في الكتل الكبرى. وحتى الوزراء الاكثر اعتدالا في السباعية لا يؤيدون اليوم التجميد المطلق مثلما يطالب الفلسطينيون، ويكتفون بوقف البناء في المستوطنات المنعزلة.

كل هذه الاحاديث تعنى بالصغائر: محادثات مباشرة ام غير مباشرة، نعم أم لا للتجميد واين. وهي لا تجلب السلام ولا تؤثر على جودة حياة الجمهور الاسرائيلي، غير المكترث تماما بالاتصالات مع محمود عباس ورجاله. المسألة السياسية الوحيدة التي تعني الاسرائيليين هي مصير جلعاد شليت. في كل ما تبقى فليعنى الزعماء، على الاقل الى ان يكون لديهم شيء مثير للاهتمام ليرووه. في مثل هذه الاجواء، فان الغلاف والاستقبال، الابتسامات ولغة الجسد اهم بكثير من التفاصيل التي بحثت ثنائيا.