خبر ما بعد قمة أوباما-نتنياهو.. عريب الرنتاوي

الساعة 06:45 ص|08 يوليو 2010

ما بعد قمة أوباما-نتنياهو.. عريب الرنتاوي

 

حسمت إدارة الرئيس أوباما أمرها، وقررت النزول مجددا عند "حدود الممكن الإسرائيلي" والقبول بما قوى حكومة اليمين واليمين المتطرف بزعامة نتنياهو على تقديمه، بل والنظر إليه بوصفه "تقدما وإنجازاً" وأحياناً "مجازفة في سبيل السلام"، وقد قال الرئيس أوباما في نتنياهو شخصياً وفي لقائه معه، ما هو كفيل بتبديد كل التوتر والجفاء الذي ميّز علاقات واشنطن بتل أبيب خلال السنة الماضية.

 

قمة الرجلين "ممتازة" وفقا لوصف أوباما، ونتنياهو "مستعد للمجازفة من أجل السلام" والانتقال إلى المفاوضات المباشرة لا تنقصه سوى بضعة إجراءات لبناء الثقة في الضفة (السماح للشرطة الفلسطينية بمطاردة نشطاء حماس في مناطق ج على سبيل المثال) وإحراز المزيد من التقدم لجهة تخفيف الحصار على غزة (زيادة كميات التشيبس والمايونيز لقطاع غزة مثلا) وكل ذلك يمكن أن يحدث قبل "وقت كبير من انتهاء فترة تجميد الاستيطان" في أيلول / سبتمبر القادم.

ويمضي أوباما قدما في تدبيج قصائد "مديح الظل العالي" لنتنياهو، ليصل إلى أن الرجل أبدى التزامه بخوض مفاوضات جدية مع الفلسطينيين، وأن حكومته، الحكومة الإسرائيلية، "أظهرت القدرة على ضبط النفس في السنة الأخيرة" لا أدري إن كان يقصد أنها لم تقتل سوى تسعة فقط من الأتراك على متن "أسطول الحرية" أو أنها امتنعت عن شن حرب جديدة على غزة ولبنان كما درجت العادة عند الحكومات السابقة، والمطلوب الآن من السلطة الفلسطينية أن لا "تتلكك" بالاستيطان، وأن تذهب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، والمطلوب من الدول العربية أن لا تدعم قرار السلطة وتوفر لها الغطاء والمظلة وشبكة الأمان فحسب، بل وأن تكافئ نتنياهو على "استعداده للمجازفة في سبيل السلام" وتقايض حكومته بـ"التطبيع مقابل ضبط النفس"، وبالأفعال لا بالأقوال وحدها.

 

سيناريو ما بعد قمة أوباما – نتنياهو يبدو واضحاً بل وشديد الوضوح: الضغوط ستتركز الآن على السلطة الفلسطينية للانتقال من محادثات التقريب غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، على أن "تلعق" شرطها السابق والمتمثل في الوصول أولا إلى اتفاق حول مسائل الحدود والأمن واستئناف المفاوضات من النقطة التي أنتهت إليها مع إيهود أولمرت أواخر العام 2008.

 

وسوف تجند واشنطن العديد من العواصم العربية والأوروبية لتحقيق هذا الغرض، وسيكون ضغط هذه العواصم – العربية خصوصا – أشد مضاء ومرارة على السلطة من ضغوط الغربيين، والأرجح أننا سنكون أمام موجة جديدة من التنازلات والتراجعات، سنكون أمام هبوط غير منظم آخر عن قمة الشجرة، نعم هبوط متكرر عن قمة الشجرة، لأن هذا ما حدث بالأمس، والأرجح أنه سيحدث في الغد، ودائما بغطاء من الوزراء العرب إياهم، وبتغطية دراماتيكية استعراضية من الأمين العام للجامعة.

 

طبعاً ستكون هنا العديد من الذارئع والحجج التي ستساق لتبرير التنازلات والتراجعات المقبلة، منها على سبيل المثال لا الحصر: أننا نتنازل لأوباما وليس لنتنياهو...ومنها أننا نريد أن نعمق الشرخ بين واشنطن وتل أبيب....ومنها أننا لن نسمح لإسرائيل بتحميلنا مسؤولية فشل عملية السلام في الوقت الذي تتحمل فيه هي وليس نحن هذه المسؤولية...ومنها أن أوباما استطاع ان ينتزع تنازلات من نتنياهو لم يسبق لرئيس حكومة يميني أن أقدم عليها، ومنها ومنها ومنها.

 

وحقيقةً، أن أوباما سينتزع أو قد يكون انتزع تنازلات من نتنياهو من نوع "تخفيف الحصار" والسماح لدوريات شرطة بالتحرك بين المدن الفلسطينية مخترقة المناطق ج، أو من نوع تمديد فترة التجمد الجزئي للاستيطان في الضفة، ولكنه أبدا لم يستطع، والأرجح أنه لن يستطع أن ينتزع منه التزامات بخط حزيران وتفاهمات عباس – أولمرت أو وقف الاستيطان جديا وفعليا وبصورة تشمل القدس والضفة وغور الأردن.

 

لقد شهدنا تمهيداً واسعاً لولوج عتبات التفاوض المباشر من دون قيد أو شرط، منها على سبيل المثال لا الحصر، لقاء فيّاض – باراك، والطلب الفلسطيني إلى الجامعة العربية بحث الموقف من المفاوضات في ضوء المستجدات الإسرائيلية – الأمريكية، والأرجح أننا سنشهد المزيد من التحضير والتهيئة لـ"لحس" مواقفنا واشتراطاتنا السابقة، فليس لدى القيادة الفلسطينية طريق آخر أو خيار آخر، وكل حديث عن حل السلطة ليس سوى "عنتريات" فارغة من مضمونها، لم يأخذها أصحابها على محمل الجد، وستظل رواتب 170 ألف موظف سيفاً ثقيلاً مشهراً في وجه السيادة ومسلطاً على عنق القرار الوطني المستقل.

 

بالطبع، لا يكتفي "تاجر البندقية" بما سيحظى به من تنازلات فلسطينية وعربية مقابل "ضبط النفس الذي أبداه خلال العام الفائت"، فهو يريد أن يقبض الثمن من كل الأطراف، وان يبيع السلعة ذاتها المرة تلو الأخرى، وهو نجح في قبض الثمن من كيس إيران بالتصعيد الأمريكي ضدها، وهو نجح في قطف الثمن ثانية بحصوله على تعهد أمريكي بعدم الطلب إلى إسرائيل "القيام بأمور قد تهدد أمنها القومي" فيما يتعلق باتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي في إشارة إلى الطلب الدولي المقدم لتفتيش مفاعل ديمونة، أما لائحة الطلبات من أوروبا فسوف تترى خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة.

 

طويت صفحة الخلاف المتوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة، وطويت معها صفحة الرهانات المبالغ فيها والكاذبة التي روّجت لها مصادر عربية وفلسطينية عدة، عن جهل أو عجز، عن قلة دراية أو "أحلام عصافير"، ولقد أظهر الرجلان حاجة كل منهما للآخر، أوباما للخلاص من ضغوط "إيباك" وأخواتها وهو على مرمى حجر من انتخابات الكونغرس النصفية، ونتنياهو الذي يدرك كغيره من المسؤولين الإسرائيليين عظم المكانة للاستراتيجية لعلاقات بلاده مع واشنطن، ولم يبق للعرب سوى القبول بنتائج "التسوية" الأمريكية – الإسرائيلية، وموعدنا في أيلول أو أكتوبر القادم كموعد أخير للانتقال غير المشروط والمذل، من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة.