خبر لنرفع الحصار عنا - هآرتس

الساعة 09:02 ص|06 يوليو 2010

لنرفع الحصار عنا - هآرتس

بقلم: دافيد غروسمان

(المضمون: دعوة الكاتب الى أن تطرح اسرائيل عن نفسها جمودها الذي عاقها سنين طويلة عن البحث عن حلول جديدة للصراع مع الفلسطينيين حتى لو كان في هذا دعوة الى محادثة حماس او البحث عن وسائل للتصالح معها - المصدر).

        بدل الاصرار سنين على عدد وهوية سجناء حماس الذين سيطلقون عوض اطلاق جلعاد شليت – السجناء الذين سيطلقون اسرائيل آخر الأمر على أية حال بهذا الاتفاق او غيره – أربما يحسن أن تتوجه الان الى حماس باقتراح أوسع وأجرأ؟ اقتراح اتفاق تفاهمات يشتمل على هدنة مطلقة، ووقف جميع أعمال الارهاب من غزة وازالة الحصار عنها. اتفاق تكون قضية جلعاد شليت وسجناء حماس مادة واحدة منه، مادة تطبق اولا، مباشرة مع بدء التفاوض.

        من الواضح انه في الواقع المعروف – اي في  الواقع كما عُودنا ان نراه – تسمع هذه الفكرة داحضة، لكن هل هي داحضة الى هذا الحد؟ ألا تستطيع دولة اسرائيل وسلطة حماس التوصل في الحقيقة – بوساطة جهات اجنبية – الى اتفاق جزئي لكنه مجد كهذا؟ أيكون هذا الاتفاق "منح منظمة ارهابية شرعية"، كما يزعم معارضو أي اتصال بحماس، أم خطوة ذكية من دولة تعمل بجرأة ومرونة لتحسين وضعها الصعب؟ وبالمناسبة، ألا يوجد في التفاوض الذي يتم اليوم مع حماس شيء من "منح منظمة ارهابية شرعية"؟ ولماذا نكتفي باطلاق جلعاد شليت فقط (وهو الامر المرغوب فيه جدا) في حين يمكن – في مقابلة عوض لن يكون آخر الامر اكثر مما ستدفعه اسرائيل في النهاية عن شليت – ان ننشىء وضعا تكون فيه امتيازات اسرائيل وانجازاتها اكبر كثيرا؟

        لن تستطيع اسرائيل احراز سلام كامل حقيقي مع حماس في المستقبل القريب وربما لن تستطيع في المستقبل البعيد ايضا. فحماس لا  تعترف باسرائيل وهي تشترط اتفاق سلام معها بقبول مبدأ "حق العودة" وانسحاب كامل الى خطوط 67 وهذه شروط لا احتمال ان توافق  اسرائيل عليها. لكن لماذا لا تحاول اسرائيل ان تحرز على الاقل ما يمكن احرازه في هذه المرحلة، في وضع الامور الصعب بينها وبين حماس؟ أربما في خلال ذلك يتبين ان حماس ايضا قد اصبحت ناضجة – بل مُؤملة – حراكا ما في برد القسر الذي لبسته برفضها المتشدد؟

        من المحرج تعرف صورة السلوك الذي حكمت به اسرائيل على نفسها مرة بعد اخرى: كما في الرفض المطلق مدة عشرات السنين لكون منظمة التحرير الفلسطينية محادثة، وكما في اخلاء المستوطنات من غوش قطيف والانسحاب السريع من لبنان في سنة 2000، وكما في قضية الاسطول البحري الذي افضى الى ازالة الحصار عن غزة. تعرض اسرائيل منذ سنين موقفا متشددا، ومتشنجا واحاديا، وتنفخ عضلها وتعلن بأنها لن تتخلى عن شيء الى ان ينقلب الوضع من أساسه بمرة واحدة بين عشية وضحاها، وتنزاح الارض – او البحر – من تحت اقدامنا، وتضطر اسرائيل الى التنازل على طول الخط، اكثر مما كانت تتنازل في تفاوض حواري (ومن المفهوم أنها كانت تحصل آنذاك على عوض أصغر عن تنازلاتها).

        يبدو أن الامور تفضي الى هذا في قضية جلعاد شليت المؤلمة المخيبة للأمل. لكن أربما في هذه المرة، والطرفان ناشبان في مواقفهما ولا يبدو حل في الأفق، نجرؤ على أن نوسع بمرة واحدة وجهة النظر، ونحرر أنفسنا من الشروط الثابتة، ونقرر بمبادرة منا (آه هذه كلمة منسية!)، زخم المسار وقدره؟

        ألن توافق حماس؟ ربما. هلم نتحدها، فلربما نفاجأ؟ ان حماس في الحقيقة سلطة غالية، تعمل أكثر من مرة بطرائق بغيضة غير انسانية تلقاء الفلسطينيين انفسهم. لكن أيمكن ان يكون هذا مسوغا للشلل الاسرائيلي المطلق ازاءها؟ وهو شلل في واقع الامر ليس شللا البتة، لانه يحدث في نهايته مسار تضطر فيه اسرائيل الى الرجوع مرة بعد اخرى عن مواقفها، من غير ان تحصل على اي عوض، كما في الانسحاب من غوش قطيف وكما في قضية الاسطول البحري؟

        لا يحاول احد تحريك شيء ما في الواقع المتحجر. او ان يحدث مسارا قد يضطر حماس الى انتغير نهج عملها شيئا ما – ولا اتحدث عن علاقتها – نحو اسرائيل. لا يفعل احد شيئا لتحسين وضع اسرائيل: إن قول "لا" ليس سياسة، بل هو جمود فكري. وهو في النهاية سلب أنفسنا حرية العمل.

        إن الدعاوى المعروفة، التي تعرض على الجمهور في اسرائيل على انها بديهية مقدسة، وهو ان التفاوض مع حماس سيضر بالقيادة الفلسطينية التي هي اكثر اعتدالا في الضفة، تستدعى هي ايضا للفحص عنها من جديد: أربما هنا أيضا، كما في شأن الحصار على غزة، يتبين أنهم يطعموننا منذ سنين كليشيهات لا تلائم جميع تنوعات الواقع وامكاناته؟ أوربما يتبين ان مفاوضة حماس تمهيدا لتسوية ما، ستحث أناس السلطة خاصة على أن يعجلوا من قبلهم مسيرة السلام مع اسرائيل؟ أوربما ينشأ حراك يحرك مسيرة مصالحة في العلاقات بين جزئي الشعب الفلسطيني الذين يعادي بعضهما بعضا، وهي مسيرة لن يحرز بغيرها أي تسوية سلام مستقرة ولا حتى مع أبي مازن ورجاله؟

        ليس من الداحض  تخمين أن اجدى طريقة لمضاءلة قوة حماس في غزة وتأثيرها، واعادتها بالتدريج الى حجمها الطبيعي، ستكون احداث ظروف سلام ونماء وبناء أمة عند الفلسطينيين في الضفة. إذا صيغ – حتى عند جزء صغير من سكان غزة – أمل ما في مستقبلهم، فستضعف من تلقاء نفسها قوة جذب الأصولية والتطرف الديني والقوماني.

        يمكن ان نبالغ وان نرسم وضعا لن تنشىء فيه حتى عودة سجناء حماس كلهم الى غزة، من عند آخرهم، من الفور وعلى نحو حتمي واقعا يعاود فيه جميعهم العمل في الارهاب. بل انه يوجد احتمال ألا يكون الارهاب والعنف في الوضع الجديد الذي سينشأ خيارا لا مناص لهم عنه.

        كل هذه أفكار يمكن الاتفاق عليها ويمكن ابطالها، او اغماض العينين عنها ببساطة. أنا أريد أكثر من الاقتراحات أنفسها أن اصرف النظر الى ما يبعثها ألا وهو الشعور بأن اسرائيل منذ عدة سنين ناشبة في شلل أخذ يباطىء حركتها حتى وضع يعرف فيه كل ذي لب البلادة والعجز، بل تضاؤل غريزة الحياة السلمية. هذا هو الخطر الحقيقي على اسرائيل، وهو أشد تدميرا من كل أخطار حماس.

        منذ زمن كان يجب على رئيس حكومة اسرائيل أن يأخذ بين يديه الفسيفساء الجامدة المتحجرة لصورة الصراع، كي يحاول ان ينشىء – من تلك القطع المعروفة مهما تكن داعية الى اليأس – صورة جديدة. فهذا بالضبط عمل الزعيم. يصعب أن ندرك لماذا لا تحاول اسرائيل، أقوى دول المنطقة أن تعود الى السيطرة على مصيرها بأن تحرك مسارات، بدل ان تسلم مستقبلها للاخرين مرة بعد اخرى. ولماذا تصر على المساومة منذ عشرات السنين في تفصيلات صغيرة مهمة لكنها غير مصيرية بدل ان تحاول تغيير الصورة الكبيرة من أساسها.

إن ميل زعماء اسرائيل التقليدي الى أن يثيروا بلا انقطاع عللا وتعليلات لعدم الفعل، وعدم قدرتهم على التمييز بين الجبال وظلالها، وبين الاخطار الحقيقة وأصداء الاخطار، يفضي آخر الامر باسرائيل الى قول "لا" مطلقا شاملا للواقع كله، وكذلك للاحتمالات الضئيلة التي تنجم فيه من آن لاخر. هذا الرفض العنيد أصبح فوق وسائلنا. وبمفاهيم بسيطة من طلب البقاء لسنا نستطيع أن نسمح به لأنفسنا. وفي الحقيقة – ما الذي يجب ان يحدث بعد كي نتحلحل آخر الامر ونطرح الحصار الذي فرضناه منذ سنين على انفسنا.