خبر حتى لو سرح آلاف السجناء .. هآرتس

الساعة 08:49 ص|05 يوليو 2010

بقلم: جدعون ليفي

أتذكرون زكريا الزبيدي؟ "المطلوب رقم 1"، قائد كتائب شهداء الأقصى في جنين، ورمز الكفاح المسلح، وعدو الشعب؟ أصبح الآن موظفا في مكتب أسرى السلطة الفلسطينية، وهو يخصص ساعات فراغه لـ "مسرح الحرية" في مخيمه للاجئين. وهو يساعد أودي ألوني وجوليانو مار في عرض "أنتيغوني في مخيم جنين"، وهو عرض سينتج على أثره فيلم بمشاركة فرقة الممثلين الهواة للمسرح.

منذ ذلك الحين حظي بعفو  جزئي من اسرائيل، وولد للزبيدي ولدان والثالث في الطريق. وبنى لنفسه بيتا جديدا بدل الذي هدمه الجيش  الاسرائيلي، ويقول إنه علق السلاح كما يقولون. انتهت ايام الحاشية المسلحة التي كانت تحيط به، وانتهت أيام الخوف والشك وانقضت الحرب. وثم كثير آخرون مثله.

لو نجح الجيش الاسرائيلي في حصاره الذي لا ينتهي له، انضم الى عشرات من رفاقه الضحايا، أو لكان قد ذاب الآن في السجن الاسرائيلي. كانت  تصر إسرائيل إصرارا بعيدا على عدم تسريحه وما كانت لتفعل حتى عوض جلعاد شاليط. فهناك الدم على اليدين كما تعلمون. إن الزبيدي الحر ليس حسنا للفلسطينيين فحسب بل هو حسن لاسرائيل أيضا: فالشبان المشغولون بابنة "اوديب" لن ينصرفوا الى أمور أخرى.

وتفكرون ماذا كان يحدث لو سرح مروان البرغوثي كان يكون للفلسطينيين قائد يعرفنا جيدا، بل يعرف تقدير ما يستحق التقدير عندنا، وكان يكون مشغولا الآن بتوحيد فصائل شعبيه وبالجهد للتوصل الى تسوية مع اسرائيل. حتى لو اشتغل البرغوثي بالارهاب مباشرة، فثم ألف شاهد (وصديق) من الاسرائيليين سمعوه سنين يحذر منه. كان من الجيد لاسرائيل لو أنصتت له في الوقت وكان من الجيد لو سرح منذ زمن.

في حين يجري عندنا الجدل في اطلاق الألف، أو لمزيد الدقة، في القلة من السجناء المختلف فيهم، في حين يخوفوننا صبح مساء من اطلاقهم – يجب أن نسأل: وماذا سيحدث إذا لم تطلق اسرائيل ألفا بل آلافا؟ سيكون الجواب الآلي بطبيعة الأمر أن هذه كارثة. ويحل  أن نسأل: أحقا؟ لا يجب أن نذكر أقوال قائد منطقة المركز، آفي مزرحاي التي نشرت أمس في صحيفة "هآرتس" كي نعلم ان الخطر في تسريح السجناء أقل مما يوصف. والأمل كبير في مقابلته.

بخلاف مع اعتدنا اعتقاده عندنا، إن عشرة آلاف الفلسطينيين المسجونين في اسرائيل بشر؛ وبخلاف ما اعتدنا اعتقاده عندنا لهم عائلات خرب عالمها أيضا. ليس أكثرهم قتلة، وبعضهم من الأسرى السياسيين من جميع الجوانب، وآخرون هم "أوراق مساومة" على اختلافها، أو رماة حجارة، أو رماة زجاجات حارقة وحاملو سكاكين مطبخ. ويوجد فيهم أيضا ضحايا افتراءات. لقد مكثوا في السجن سنين.  وقد حكم عليهم جميعا جهاز عسكري العلاقة بينه وبين القضاء كالعلاقة بالضبط بين الموسيقى العسكرية والموسيقى. يعلم كل من أتى المحكمة العسكرية أنه لا يكاد يوجد للفلسطيني أمل عند ضباط الحكم، وغير قليل منهم من المستوطنين، وأن الفلسطيني سيكون دائما آثما إلا إذا تم البرهان على عكس ذلك.

يريد عشرة آلاف من البشر، حاربوا الاحتلال بحق، بعضهم بعنف آثم وعدد منهم ما يزال مسجونا قبل اتفاقات اوسلو، يريدون الحرية. والجزء الأكبر منهم يستحقها. وإن خطر أن يفضي تسريحهم الى موجة إرهاب داحض. فلم يكن الارهاب يعوزه قط مرشحون، ووقف الارهاب نتاج قرار سياسي واجتماعي. وإلى ذلك سيطلق أكثرهم ذات يوم ولا مناص من ذلك، وكانت عقوباتهم منذ البدء غير تناسبية على نحو ظاهر، اشتقاقها من قوميتهم اكثر من اشتقاقها من اثمهم. وهم مسجونون ايضا في أصعب الظروف واقساها مما يوجد في السجن الاسرائيلي: فلا توجد تخفيضات الثلث، ولا مكالمات هاتفية مع البيت، ولا توجد عطل بل لا توجد للغزيين زيارات. لقد دفعوا ثمنا باهظا، وحان وقت أن نتحرر من غرائزنا الانتقامية وأن نطلقهم. حان وقت أن نفكر خارج الصندوق، صندوق التهديدات الفارغة.

إن تسريحا واسعا للسجناء، على أن يكون مبادرة اسرائيلية لا تكمشا آخر، ولا مساومة في صفقة بل تفضلا حقيقيا مليئا بالنيات الخيرة هو الوصفة الأشد نجوعا لبث روح عظيم جديد، ولاطلاق شليت بطبيعة الأمر ايضا. لا إزالة الحصار بسبب سفينة تركية، بل فتح أبواب السجن بفضل قائد اسرائيلي حكيم شجاع. أيبدو هذا هاذيا داحضا؟ صحيح. هذا صحيح وهو مؤسف جدا.