خبر أيمن خالد يكتب : اسرائيل في تركيا.. رحلة مضت وطواها الزمن

الساعة 09:13 م|04 يوليو 2010

أيمن خالد يكتب : اسرائيل في تركيا.. رحلة مضت وطواها الزمن

القدس العربي

تركيا ليست نظاما عربيا، فإسرائيل عندما ترسل أي شخصية إلى أي دولة عربية، ترسل مسبقا تعليماتها بالفاكس، للجهات العربية المستقبلة، وتحدد كل تفاصيل الزيارة، بما فيها البرنامج الترفيهي ونوع الطعام ومكان الإقامة وغيره، لكن بن اليعازر سيذهب إلى دولة أخرى يحاوره الأتراك بها، لان الاستقبال غير ممكن، ومسألة الضغوط الأمريكية على الحكومة التركية من اجل إتمام هذا اللقاء، هذه مجرد نكتة يثيرها من لا يعرف تركيا اليوم، كيف تسير، وكيف باتت تتجه بوصلتها الداخلية.

الفاتورة المطلوبة من إسرائيل هي عمليا مطلوبة من أمريكا ايضا، والمسألة بالنسبة لاسرائيل ليس كما يثيرها الاعلام العربي، في كيفية اعادة العلاقات الى سابق عهدها، لأن هذه مسألة غير واقعية، فالعلاقة مع إسرائيل دخلت منحدرا كبيرا، ولا مجال للصعود من جديد ولا حتى للتوقف عند حدود معينة، فكل ما تريده امريكا واسرائيل هو فقط مجرد ايقاف مؤقت لعملية طرد اسرائيل من المنطقة، وبالتالي فالمفاوضات التي تتم علنا او بالخفاء عنوانها قوي ومؤثر بالنسبة للسياسة الاسرائيلية الامريكية.

مطلوب من إسرائيل أن توقف نشاطها الاستخباري في شمال العراق، ومغادرة كاملة للمنطقة، لان وجودها مرهون بتقوية وتعزيز نشاط حزب العمال الكردستاني، ولذلك فالصورة البديلة التي ستكون حاضرة خلال الايام القليلة القادمة، هي باختصار، توقف حزب العمال الكردستاني فورا عن التفجيرات داخل تركيا، ولا نستغرب اعلانا سياسيا جديدا من حزب العمال الكردستاني يقدم فيه مشروعا جديدا للهدنة.

مطلوب من اسرائيل كشف سجلات تتعلق بالجانب الاستخباري والمعلوماتي عن حزب العمال بحكم وجودها في كردستان العراق، خصوصا وان مذكرات رئيس الاركان الصهيوني السابق أشارت الى وجوده في شمال العراق وتدريــــبه عناصر كردية؟ وبالتالي فاسرائيل اليوم تجد نفسها في مواجهة مع حلفاء الامس وهم في مواجهة معها، لان مصلحة الأكراد الاقتصادية ليست بملايـــين الدولارات كديون، أو دولة بالأحلام بوسط معادي لقيـــامها من كل جانــــب، ولكن مصلحتهم بوجود واستمرار ضخ خط انابيب كركوك باتجاه تركيا والمتوسط، واي تغيير في نقل نفط كردستان العراق له ثمن سياسي داخلي ويعني انتهاء حلم الاستقلالية التي يعيشونها الان، لذلك فالمشهد العراقي كله ساخن باستثناء كردستان العراق، فالسياسيون لا يعرفون اين وكيف ستتجه الامور، فما هو مطلوب منهم من قبل امريكا وإسرائيل مرفوض من قبل تركيا التي معها مفتاح البيت الكردي هناك.

مطلوب من إسرائيل الرضوخ على الجانب الفلسطيني وانهاء ملف غزة، وبالمقابل اسرائيل تدرك ان الاتراك هم اليوم على بعد خطوة واحدة من الاعلان، ان تدخلهم المباشر بالملف الفلسطيني هو حق قانوني باعتبار تركيا اخر دولة غادرت فلسطين وهي ملزمة قانونيا بدور فيها كما هو الحال في قبرص التركية، لان الوضع القانوني لفلسطين شبيه بالوضع في قبرص التركية.

وبالتالي إسرائيل تعرف أنها تدخل في مفاوضات لتجريدها من نقاط قوة كثيرة وتفرض عليها تــــنازلات مؤلمة أبرزها أنها تفقد مسألة قدرتها على فرض رأيها على الآخرين، وهذا ما ستهرب منه الحكومة الحالية الى مسألة الوقت ومحاولة استغلاله وربما تصل الأمور إلى صناعة أزمة حكومية إسرائيلية بقصد أن يفر قادة الكيان من اتخاذ القرارات بانتظار انتخابات او تشكيل حكومي قادم، لان اسرائيل هذه المرة بحاجة الى كل السياسيين وكل الأحزاب أمام ورطة العمر أمام تركيا.

ما تمارسه تركيا اليوم هو أنها تفرض على أمريكا والمنطقة أنها اللاعب الاساسي، وهنا جوهر المعضلة، فإسرائيل كانت بنظر أمريكا قائد المنطقة ولا تزال، وما تفعله تركيا انها تفرض نفسها على امريكا بانها اللاعب الاساسي في المنطقة، وبالتالي فالاتراك لا يمكن ان يتركوا فرصة اضعاف اسرائيل سياسيا واقتناص أي شيء منها، وهم يعلمون أن أي تسوية غير مربحة سوف تعيد التوازن للدور الاسرائيلي ولذلك فان شروط تركيا ستستمر تصاعدية وتعجيزية، بما لا يستطيع العقل الاسرائيلي استيعابه، فهناك صعود في السياسة التركية ورغبة حثيثة بجعل اسرائيل تهبط، وبالتالي فالمصلحة التركية الحالية هي بالاستمرار بالازمة وليس بايجاد حل مع اسرائيل.

في الختام أود أن اشــــير الى ان زميلي الكاتب التركي إسماعيل ياشا سألني اليوم عن تقييمي لما يجري، فقــــلت له إذا ايقظك احد من نومك وقال لك إن هناك انقلابا عسكريـــــا في تركــيا فارجع الى سريرك واكمل نومك ولا تقلق، لان أي قادم الى الكرسي في تركيا عندما يجلس عليه، سيؤثر فيه سحر- العدالة والتنمية- ولن يكون الا وجها له، فلا مجال لإسرائيل في تركيا كما كانت، هذه رحلة مضت وطواها الزمن.

مطلوب من العرب فهم تركيا من الداخل بعيدا عن ثورة الشك العربية الصميم.

 

' كاتب فلسطيني