خبر « إسرائيل » الراهنة و« السلام »: استثمار أم دمار؟ .. د. أسعد عبد الرحمن

الساعة 02:02 م|04 يوليو 2010

بقلم: د. أسعد عبد الرحمن

«تكلفة الحفاظ على الأمر الواقع أرخص كثيرا من تكلفة السلام»! هذه مقولة يعتقد كثيرون في إسرائيل وخارجها أن سياسات حكومة (بنيامين نتنياهو) اليمينية المتطرفة ترسخها! فهذه الحكومة تؤكد، بالممارسة، «إيمانها» العميق بالمقولة إياها، الأمر الذي جعلها، حكومة معنية بإدارة الصراع دون تقديم «تنازلات» استراتيجية رغم إمكانية طرح «تنازلات» تكتيكية أحيانا. وهذا الحال – كما هو متوقع - زاد من تشاؤم كل المعنيين بالتسوية و»السلام». فها هو، على سبيل المثال لا الحصر، البروفيسور الإسرائيلي (مناحيم كلاين) يعلن، في كتاب جديد سيصدر قريبا، تشاؤمه محذرا من أنه لم يعد هناك أي حل آخر يمكن تطبيقه سوى قيام الدولة ثنائية القومية، خاصة بعد اتضاح مناورات حكومة (نتنياهو) الهادفة إلى تجنب حل أي من القضايا الرئيسية (القدس، الاستعمار/ «المستوطنات»، الحدود، اللاجئين، والسيادة). والحال كذلك، فإن الجو السائد – حقا - تشاؤمي وربما محبط خصوصا مع تصاعد الآمال ومن ثم تلاشيها، وبالذات عندما يبدو الحاكم الإسرائيلي اليوم وكأنه مقتنع بعدم وجود ضرورة للحل. فالعيش وراء جدار الفصل العنصري – في منظور ذلك الحاكم – «يحل كافة المشاكل»، و»الاستيطان مستمر»، و»القدس عاصمتنا الأبدية»!!  غير أن هذا الطرح/ السيناريو يعكس قصورا في العقلية الإسرائيلية المتطرفة الحاكمة حيث يطغى عليها التأسيس الديني (الخرافي النزعة) للأشياء والتصورات ومدركات فهم ما يجري, فيقع التخبط في الأحكام وفي فهم الواقع. إذن، رغم كون النظام السياسي الإسرائيلي مثقلا بانقسامات داخلية عميقة (ايديولوجية واثنية واقتصادية) فإنه متفق بشأن ما يخص التعامل الاستعماري مع الفلسطينيين. أما الفلسطينيون فمنقسمون في كيانين مجزأين أو أكثر. وموجة التفاؤل في ظل الجهود العربية الأخيرة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي تلاشت، وبات التساؤل ضروريا بشأن ربطها بحقيقة النوايا العميقة لدى حركتي فتح وحماس للدخول في حوار جدي ينهي الحالة الفلسطينية الراهنة. وفي هذا السياق، تستنفد سياسات إسرائيل اليمينية المتطرفة جزءا مهما من رصيدها الدولي ومن رصيد الولايات المتحدة التي أعلنت غضبها وانزعاجها من سياسات الدولة الصهيونية.   وتأكيدا لكل هذا، يبرز تصريح الجنرال (ديفيد بتريوس) عن كون «الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تميل إلى إسرائيل يفرخ العداء لأميركا ويعزز من نفوذ القاعدة». بل إن (بترايوس) رفع إلى الرئيس (أوباما) تقريرا تمنى فيه أن «يأمر الرئيس بوضع القطاع والضفة تحت حماية الجيش الأميركي». كما يوجز تصريح رئيس الموساد (مائير داجان) المسألة خير إيجاز فيقول: «تتحول إسرائيل بالتدريج من سند للولايات المتحدة إلى عبء عليها». ويحذر: «عدم تحقيق تقدم لدفع العملية نحو سلام شامل بين إسرائيل والعالم العربي سيؤدي الى ضرر كبير في موقف وسمعة الولايات المتحدة في المنطقة». وفي مقال بعنوان «إنقاذ إسرائيل من نفسها» يكتب (نيكولاس د. كريستوف) في صحيفة «نيويورك تايمز»: «على الرئيس أوباما أن يضغط بقوة لإنهاء الحصار على قطاع غزة، وإقناع إسرائيل وتشجيعها على التخلي عن خططها باعتراض أساطيل المساعدات الأخرى المتجهة إلى غزة وإلا حلت الكارثة بإسرائيل وأميركا على السواء.   إذن، القول بإن هذا كله أرخص من الاستثمار في السلام إنما يكشف عن جهل وخطر كبيرين. وهنا يمكن لنا أن نستعير ونقولب عبارة شهيرة فنقول: يمكن للمرء أو للدولة أن تشن «حربا ضد السلام» (وهذا ما تفعله إسرائيل) ولكنها لا تستطيع أن تقرر سلفا مصير هذه الحرب! وكانت عبارة المؤرخ البروسي العسكري (كارل فون كلاوزفيتس) قد اشتهرت حين قال: «يمكن لك أن تبدأ الحرب ولكن ليس بالضرورة أنك تتحكم بنتائجها». فتوجهات من نوع توجهات (نتنياهو) وحكومته ستؤدي إلى تردي الأمور ومزيد من المغالاة بحيث يتفاقم الصراع بشكل حاد نحو الأبعاد الدينية/ القومية آنفة الذكر، وعندها ستكون الأوضاع مرشحة للانفجار وربما الدمار، وبالتالي فإن سيناريو «الإبقاء على الوضع الراهن وعدم تحقيق تسوية» ستكون تكلفته باهظة.