خبر حزب الله : رحيل السيد فضل الله خسارة كبيرة وسيبقى علمه وجهاده نبراسا للمجاهدين

الساعة 11:59 ص|04 يوليو 2010

حزب الله : رحيل السيد فضل الله خسارة كبيرة وسيبقى علمه وجهاده نبراسا للمجاهدين 

فلسطين اليوم- موقع تلفزيون المنار

اصدر حزب الله بياناً بمناسبة رحيل العلامة المجاهد السيد محمد حسين فضل الله , واصف افيه فقدان السيد الراحل بالخسارة الكبيرة التي منيت به ساحاتنا مع تأكيده ببقاء علمه وجهاده ومواقفه نبراساً للمجاهدين الاحرار .

وقد جاء البيان على الشكل التالي :

فقد لبنان والأمة الإسلامية والعالم بأسره العلامة المجاهد آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله(تغمَّده الله تعالى بواسع رحمته)، العالِمَ الإسلامي الكبير الذي ملأ الساحة بعلمه وجهاده ومواقفه وتربيته ومؤلفاته، وهو الذي وقف بكل جرأة ووضوح نصيراً للمقاومة ضد العدو الصهيوني وللمجاهدين الأبطال، حيث تشهد الساحة تحديه وتصديه للاحتلال وأفعاله الإجرامية، والأثمان التي دفعها نتيجة لمواقفه، وعبَّر عن رفضه لمؤامرات الاستكبار. لقد كان من أبرز الداعين والملحِّين إلى الوحدة الإسلامية محارباً التفرقة والفتنة، وعاش مع الناس في شؤونهم وشجونهم وتوجيهاتهم.

 إنها خسارة كبرى لهذا الرمز الذي تحتاجه ساحتنا، وإذا فُقِد العالم ثُلِمَت ثَلمةٌ في الإسلام لا يسدُّها شيء

 وانَّا لله وانَّا اليه راجعون، وسيبقى علمه وجهاده ومواقفه نبراساً للمجاهدين الأحرار.

 

السيد محمد حسين فضل الله ..إرادة استثنائية أسست إلى حالة إسلامية يحتذى بها 

هو السيد محمد حسين فضل الله الذي رحل اليوم تاركا تلك الدنيا الفانية التي لطالما لم تغره يوما .... مورثاً ثقلا إسلاميا مقرونا بدفق من الإرادة الاستثنائية التي استمدها من حبه للرسول المصطفى محمد(صلى) والأئمة الميامين.... رحل اليوم احد ابرز المفكرين المسلمين في لبنان والعالم بعد معاناة طويلة مع المرض .... رحل السيد الجسد وبقي السيد الفكر والروح والإنسان الذي لطالما شعر بأخيه المسلم والإنسان وعمل جاهداً للارتقاء بالمجتمع الإسلامي ....   

 

ولد اية الله السيد محمد حسين فضل الله في النجف الأشرف/العـراق في19/شعبان/1354هـ، حيث كان والده آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله  قد هاجر إليها لتلقّي العلوم الدينية، وأمضى مع أسرته فترات طويلة في الدرس والتدريس، ضمن الحاضرة العلمية الأبرز في العالم آنذاك.

 

الدراسة العلمية ......

  ترعرع السيد فضل الله في أحضان الحوزة العلمية الكبرى في النجف الأشرف، وبدأ دراسته للعلوم الدينية في سنّ مبكرة جداً.. ففي حوالي التاسعة من عمره، بدأ بالدراسة على والده، وتدرّج حتى انخرط في دروس الخارج في سنّ السادسة عشرة تقريباً، فحضر على كبار أساتذة الحوزة آنذاك، أمثال: المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي  ، والمرجع الديني السيد محسن الحكيم  ، والسيد محمود الشاهرودي، والشيخ حسين الحلي وحضر درس الأسفار عند الملاّ صدرا البادكوبي.

 

وقد كان سماحة السيد فضل الله من الطلاب البارزين في تحصيلهم العلمي في تلك المرحلة، ويُذكر في هذا المجال أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر قد أخذ تقريرات بحث السيد فضل الله إلى السيد الخوئي  لكي يُطلعه على مدى الفضل الذي كان يتمتع به سماحته، هذا الأمر الذي انعكس فيما بعد ثقة كبيرة من المرجع الخوئي تجاه السيد فضل الله، فكانت وكالته المطلقة له في الأمور التي تناط بالمجتهد العالم.

 

 

الحركيّة الإسلامية....

 

آمن ايه الله السيد محمد حسين فضل الله  رحمه الله بأن على الإنسان المسلم، خصوصاً إذا كان في المواقع القيادية، أن يستلهم حركته من حركة النبي الأكرم(صلى الله عليه وسلم)، ومن أئمة أهل البي ت عليهم السلام، الذي لم يقتصروا في حياتهم وعطائهم على جانب دون جانب، بل عملوا على سدّ الفراغ في كل ما يحتاجه الناس والمسلمون في حياتهم السياسية والثقافية والجهادية والروحية، وما إلى ذلك، ولذا آمن سماحته بأن على الداعية والعالم الديني أن يتحرك من موقع الفعل، لا من موقع ردّ الفعل، وأن يطرح الإسلام في كل ما يهم الإنسان المعاصر، باللغة التي يفهمها، من دون أن يتنازل عن مبدأ من مبادئه، أو تفصيل من تفاصيله، لأنه رأى أن مشكلة الإسلاميين مع الجيل المعاصر ليس في المضمون الذي يقدمه هؤلاء، بل في الأسلوب الذي يطلقون فيه الفكرة، والمفردات التي يصوغون فيها النظرية، فيحدّثون الجيل بغير لغته الثقافية، فيرى بأن همومه شيء، وأن الإسلام شيء آخر ينتمي إلى القرون الوسطى وما قبلها في الذهنية والعقلية.

 

كان واضحاً لسماحة السيد منذ البداية، أن الإرادة الصلبة والعزيمة القوية والإيمان بقدرة الإسلام على إحياء النفوس الجدباء، هي المقدمات الطبيعية لمباشرة عمل رسالي لا يبقى لصاحبه شيء لذاته أو لحياته الشخصية الخاصة، وكان التحدي الكبير أمام سماحته هو قبول التحدي وبدء التحرك في ظروف أقلّ ما يُقال فيها إنّ الدين بات ممّا يزدريه الشباب الناشىء، ويتبنى تجاهه المقولة الحزبية الرائجة آنذاك، أنه سبب "تخلّف العرب والمسلمين"، وإنه "أفيون الشعوب"..

 

أصرّ سماحته منذ البداية على إقامة صلاة الجماعة في المسجد الصغير الذي بدأ يجد له أنصاراً يدعمونه ببعض المعونات (التبرّعات) التي كانت في يد الله تنمو، فيتّسع معها المسجد ليصبح مركزاً ثقافياً اجتماعياً يضمُّ إليه حوزةً علمية ومكتبة عامة وقاعة محاضرات وصفوف تدريس ومستوصفاً خيرياً وأسرة إسلامية جنينية هي "أسرة التآخي".

 

وسرعان ما لفت سماحة السيد نظر الشباب المسلم في تلك المنطقة، وبدأت محاضرات سماحته تتحوّل إلى حديث الناس في المجالس الخاصة والعامة، فأخذت أفئدة من الشباب الطالع تهوي إليه وتتحلّق حوله في المسجد الذي ضمّ العصبة الأولى من الشريحة الشابة التي لفتها الإسلام..

 

اشتغل سماحة السيد من مركزه في النبعة على خطين؛ الأول رعاية شؤون العامة من الناس، وتصويب اعتقاداتهم وتمتين ثقتهم بعقائدهم ودينهم، وحثّهم على المثابرة على القيام بالتزاماتهم الدينية دون خوف من تهويلات العقائد الحزبية ذات السطوة في حينه.. وعلى خطٍّ آخر، عمل سماحته على إعداد شريحة شابة في ريعانها الأول، من خلال برنامج متكامل من المحاضرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة الإسلامية المركّزة.. وعلى هذا الخطّ، عمل سماحته على إعداد مجموعة من طلاّب العلوم الدينية .

 

هؤلاء الشباب الذين اهتدوا إلى إسلام يدفعهم إلى لجّة الحياة بدل الانعزال عنها، أغراهم أسلوب سماحته في التعمّق فيه بشكل مكثّف، وأصبحوا في وقتٍ قصير فريقاً متماسكاً ينتهج أسلوب الدعوة إلى الله، ويجاهر بالتزامه بالإسلام الحركي الذي واجه التحدي الكبير في حينه، واستطاع أن يصمد أمام رياح التغريب والتشريق العاتية في آن، وأن يمتد في مرحلة لاحقة ليشمل مناطق جديدة من لبنان، فمن النبعة إلى المحيط ـ الدكوانه ـ ومنه إلى مدينة بيروت، كان صوت الإسلام يصدح من خلال أشرطة التسجيل والمحاضرات المركّزة لسماحته في كامل مناطق تواجد المسلمين في لبنان، وبالأخص في منطقتي الجنوب والبقاع.

 

المشروع الإسلامي المتكامل ......

 

كان واضحاً أمام سماحة السيد رضوان الله عليه منذ اللحظة الأولى لمجيئه إلى لبنان، أنه لا بد من العمل للإسلام في إطار مشروع متكامل، وأن العدّة التي لا بدّ من مباشرة العمل بها هي الإخلاص والإصرار والمزيد من الصبر على المكاره، وقد أعان سماحته على استيعاب صعوبات العمل في الساحة اللبنانية، ما أكسبته إيّاه الساحة العراقية من خبرة، وهي ساحة تتمتع بالغنى في جميع مجالاتها، حيث كانت الأنشطة التي زاولها في مناطق شاسعة من العراق، والتي انفتح فيها على شرائحها الشعبية والثقافية والاجتماعية المتنوعة تأثراً وتأثيراً، كانت له عوناً وخبرةً على معالجة ساحة هي في غاية التعقيد كالساحة اللبنانية..

 

حين حضر سماحة السيِّد موسى الصدر إلى لبنان، وأراد أن يباشر حركته السياسية، كان سماحة السيِّد قد أهّل نخبةً كبيرةً من الشباب كانوا نواة العمل السياسي الإسلامي الذي انطلق في تلك المرحلة.. ومع ذلك، فإن سماحته أراد أن يبقي على المشروع الفكري الإسلامي حاكماً للمشاريع الأخرى، باعتبار أن العمل الفكري الإسلامي العام يمكن أن يشكّل خيمة كبيرة لكل المشاريع الأخرى، وأيضاً الرافد الأساسي لكل المشاريع المتصلة بالإسلام على صعده السياسية والاجتماعية المتنوّعة.

 

ترجم سماحة السيد فضل الله توجهه الإسلامي العالمي عن طريق طرح الإسلام كفكر عام غير حزبي وغير طائفي وغير مذهبي، وسعى إلى أن يكون عامل جذب متنوع لكل من أراد التزام الإسلام بلا عقد وحواجز، ولكل من أراد التعرف إلى الإسلام بدون تعقيدات المذاهب والطوائف والأحزاب.

 

وقد عمد سماحته رحمه الله  إلى ترجمة البعد العالمي لمشروعه الإسلامي الأممي ميدانياً، عن طريق تلبية الدعوات المكثّفة التي كانت تأتيه من مختلف دول العالم الإسلامي والغربي، فكان له جولات سنوية على دول إسلامية، وأخرى غربية التقى خلالها نخبة من الشباب الإسلامي الملتزم الواعي المدرك لأهمية التمسّك بالإسلام في الحياة، وخاصة في بلاد الاغتراب، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ودول غربية أخرى.

 

ذاع صيت سماحته في مختلف أصقاع العالم، وبدأ الطلب على محاضراته وخطبه يتوالى بشكل عكس الحاجة الشبابية الملحّة إلى إسلام متحدٍّ غير منعزل، وإسلامٍ قابل للحياة يتعامل مع الواقع بأدوات الواقع، ويتحرك بثقة كبيرة، كغيره من الأفكار التي كانت رائجة في العالم آنذاك ويعمل لها منظرون أفذاذ، كالماركسية والرأسمالية والاشتراكية والقومية.

 

وهكذا أفلح سماحة السيّد في طرح الإسلام كفكر إنساني عالمي، كما يطرح المفكرون العلمانيون والقوميون أفكارهم على مستوى العالم، ولعلّه أول علماء الدين في العصر الحديث الذي اعتبر أن إسلامنا لا بد من أن نطرحه بقوة، لأنه يمتلك ذاتياً تلك القوة، وأن العالم يحترم الفكر القويّ. والمهم أن أصحاب هذا الفكر يجب أن يتوفروا على ما يجعلهم قادرين على خوض غمار المواجهة والتحدّي.

 

في الحرب الداخلية اللبنانية (1975م) ......

 

الأحداث الأمنية التي عصفت بلبنان مع مطلع العام 1975م، وضعت مشروع سماحته التوعوي الفكري أمام تحدٍّ من نوع آخر. ولوهلة، أحسّ الجميع أن الأمور ستعود إلى نقطة البداية، إلى نقطة الصفر، خاصة بعد أن وقعت النبعة، حيث المركز الإسلامي لسماحة السيد وقاعدة نشاطه، في أيدي فريق لبناني كان يقاتل فريقاً آخر يمسك أمنياً بتلك المنطقة..

 

لكن شخصية السيد الديناميكية الحركية الفاعلة، ما كانت لتستسلم لمنطق الحرب وحصارها، فكان أن أصبح محور الاستقطاب حيث يكون سماحته، فعاد يتحلق حوله الشباب الحركي ويفتحون معاً ثغرة كبيرة في جدار الحرب، انطلقوا عبرها إلى جميع المناطق الإسلامية، إلى أن كانت المحطة التالية بعد الهدوء النسبي للأوضاع الأمنية في لبنان، في منطقة شعبية شبيهة بالنبعة هي "حي السلم"، في ضاحية بيروت الجنوبية، التي أخذ النازحون يتجمعون فيها قادمين من المناطق اللبنانية التي حالت الأوضاع الأمنية فيها دون استقرار أوضاعها بشكل مريح ومقبول..

 

من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت انطلق نوع آخر من نشاط السيد، ومستوى آخر من العمل الإسلامي الحركي المتميِّز كماً ونوعاً، إذ بعد مرور ما يقرب من السنتين على الحرب التي عصفت بأربع رياح لبنان، بدأت الأحزاب العلمانية تفقد مصداقيتها العقائدية والسياسية، وبدأ الشباب اللبناني يفقد الثقة بها ويبتعد عنها بشكل كبير، وانهار الهيكل الطوباوي من حولها، فأخذت تدخل في إطار الحركة التي بدأها سماحته، وأسسها على الخير والتقوى، أفواجاً تسبِّح بحمد ربها وتستغفره على ما اقترفته من آثام بعيداً عن الإسلام الأصيل وعن علماء أثبتوا بحق مصداقيةً وثباتاً لم يعهدوا له مثيلاً عند معظم قيادات الساحة اللبنانية.

 

شكّلت هذه العودة المكثفة للشباب المسلم إلى حضن الإسلام تحت رعاية سماحة السيد، عامل استفزاز كبير للأحزاب القومية والعلمانية في المناطق اللبنانية. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن عدداً من هذه الأحزاب والتنظيمات قد استقوى على التيار الإسلامي الذي بدأ عوده يصلب، فكان أن حدثت عدة محاولات لاغتيال سماحته، إحداها بقذيفة مدفع أصابت غرفة نومه، حيث كان يسكن في منطقة الغبيري بعد انتقاله من مسكنه السابق، إضافةً إلى محاولات اغتيال أخرى جرت على الطريق التي كان يسلكها سماحته إلى درس تفسير قرآني في منطقة الشياح، وأخرى على الطريق التي كان يسلكها إلى خطبة يوم الجمعة في بئر العبد. 

 

لم تنل هذه المحاولات الفاشلة من عزيمة سماحة السيد، وكان لسان حاله دائماً "إنني قد نذرت نفسي للإسلام ولا عودة إلى الوراء حتى لو أدى ذلك إلى استشهادي.. ونحن قوم الموت في عُرفِنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة". ولكن، وأمام إلحاح المؤمنين الطيبين والشباب المتديّن الواعي الحركي، انتقل سماحته للسكن في منطقة بئر العبد، خاصة بعد أن طلب إليه والده المقدس آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله ذلك، لأن انتقاله من منطقة تشكل خطراً أكيداً عليه إلى منطقة أكثر أمناً يُعَدّ تكليفاً شرعياً وليس خياراً نضالياً..

 

ومنذ تلك المرحلة، رعى سماحة السيد نشوء عدد من الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الشبابية والطلابية، ودعمها معنوياً وفكرياً بكل ما أمكنه، فكان معظم الشباب الحركي المتدين في حركة أمل والاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، وفيما بعد جمعيات إسلامية أخرى، يتدارسون على فكره ومحاضراتـه في منـزله وبشكل يومي.. ولم يكن سماحته ليقاطع دعوة توجه إليه يلقي فيها محاضرة فكرية أو درساً عقائدياً أو ندوة تفسير قرآن، بل أكثر من ذلك، كان معظم هؤلاء الشباب الحركي الواعي يتحلّق حول سماحته في المسجد الذي كان خلية روحية رائعة في رحاب دعاء كميل، الذي استمرّ سماحته في ترداده بصوته الشجيّ إلى وقت متأخر قبل أن تلمّ به الوعكة الصحية المؤسفة.

 

الاجتياح الإسرائيلي وانطلاق المقاومة .......

 

عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كانت الكتلة الشابة من المتدينين الحركيين قد بلغت شأناً لا يستهان به، خاصة وأن هذه الكتلة التي نشأت وترعرعت في كنف سماحته، شكّلت النواة الأولى لهيئة دعم الثورة الإسلامية في إيران، حيث كان سماحته أول من دعا إلى التعاطف مع شعاراتها، وإلى ضرورة التفاعل مع قياداتها، وعلى رأسهم الإمام الخميني، دون تحفظات، باعتبارها البشارة والشرارة التي يمكن أن تتشكل على أساسها الجمهورية الإسلامية التي كانت محطّ تطلّع وآمال العلماء والشباب الحركيين في لبنان والعالم.

 

وأخذ سماحة السيد على عاتقه التنظير للاستراتيجيات الإسلامية للثورة، والتفاعل المنتج مع قياداتها، كما قام سماحته في هذا السياق بتلبية العديد من الدعوات التي وجهت إليه من قيادات الثورة الإسلامية، حيث كانت هذه اللقاءات مناسبات مثلى للتداول بشؤون الإسلام والمسلمين، وتدارس الخطط الكبرى للمشروع الإسلامي الذي راح يأخذ أبعاداً مميزة له انطلاقاً من الجمهورية الإسلامية في إيران. وقد شارك سماحته في مؤتمرات عديدة كانت تعقد في أنحاء مختلفة من العالم، في أمريكا وأوروبا وشرق آسيا وغيرها.

 مع بداية الاجتياح الصهيوني للبنان، أخذت الكوادر الشابة التي انطلقت من مسجد الإمام الرضا  في بئر العبد تتوافد زرافاتٍ ووحداناً لتنال توجيهات سماحته بالنسبة للمهمّات الجهادية في مواجهة القوات الصهيونية الغازية.. وفي حين كانت دعواتٌ في لبنان تنحو منحى إعطاء هوية المواجهة مع العدوّ صفة "المدنية"، كان سماحته على قناعة تامة بأن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد والمثالي لمقارعة عدوٍّ لئيم لا يفهم إلا لغة القوة.

 

وعلى قاعدة أن سماحة السيد هو مرشد مجموعات الشباب التي انبرت للمقاومة والجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ولغاية دحر العدو وقواته من المناطق اللبنانية المحتلة، بدأت أجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية، وعلى رأسها الـ(سي.آي.إيه)، التخطيط لاغتيال رأس الحالة الإسلامية الجهادية في لبنان، وأخذ القرار، ووضعت سيّارة مفخّخة بجوار منـزله في بئر العبد ذهب ضحيتها ما يزيد على المئة والخمسين بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وقد أدلى بهذه المعلومات "وليم كايسي" رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية آنذاك، ونشرت في جريدة الواشنطن بوست.

 

قبل محاولة الاغتيال الآثمة والفاشلة، تحوّل منـزل سماحة السيد فضل الله إلى محجة لكل وسائل الإعلام العالمية والإقليمية والمحلية، تتسابق لمقابلة سماحته كونه الشخصية المركزية في لبنان التي تملك القول الفصل في جملة القضايا الساخنة على الساحة اللبنانية. وجدير بالذكر، أن هذه الهجمة الإعلامية العالمية على سماحة السيد، كانت تجري في وقت عمدت الدول الاستكبارية جميعها إلى إنشاء مراكز الدراسات المتخصصة لدراسة الإسلام الحركي، وكانت تحتاج إلى شخصية إسلامية قيادية مميزة تستطيع من خلالها أن تتعرف الإسلام الحركي ـ المقاوم الفاعل، الذي بدأ يصبح حديث الناس في الشرق والغرب.

 

وكان سماحة السيد مصدراً أساسياً للتعرف على الإسلام الحركي الذي بدأت أصداؤه تتردّد في طول العالم الإنساني وعرضه.. وهنا، لا نغفل عن ضميمة أخرى كان يضمرها بعض الإعلاميون الذين توافدوا من أكثر من دولة غربيّة؛ إذ كان العديد منهم مرتبطاً بأجهزة استخبارات دولية.. وربما كانوا يعتقدون قبل محاولة الاغتيال الفاشلة، أنهم سيكون لهم سبق بنشر آخر ما تحدث به السيد قبل رحيله!!

 

في هذه الأثناء، انفتحت خطوط التواصل بين سماحة السيد وكبريات الحركات الإسلامية العالمية سنيّها وشيعيّها، وبات فكر السيِّد وتوجّهاته وإرشاداته السياسية والاستراتيجية، مناهج تتداولها قيادات وكوادر التيارات الإسلامية في العالم، خاصةً بعد أن حالت الهجمة الاستكبارية والاستخباراتية على سماحة السيد دون سفره إلى دول العالم الإسلامي والغربي، فأصبح هذا التواصل يتمّ عبر الزيارات المباشرة إلى سماحته من شتى أقطار العالم، وعبر متابعة أخباره وأفكاره ومقابلاته في الصحف والمجلات ومختلف الوسائل الإعلامية الأخرى.

 

 

مـع النــاس....

 

ومع أن سماحة السيد هو من الشخصيات العلمائية ، فقد اختار بفرادة قلَّ نظيرها أن يبقى إلى جانب الناس، يرافقهم في صلواتهم وصيامهم وحجهم، ويتقرب إليهم كما يتقربون إليه، ويحشر نفسه معهم كما حشروا أنفسهم معه، تصديقاً لقوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه..}، وانفتح سماحته على الإنسان كلّه في كلّ مشاكله وقضاياه.. وأخذت الأبعاد الأخرى للدين، غير العقيدة والشريعة، مساحة كبرى في حركة سماحة السيد، فنظر إلى قضايا المسلمين بلحاظ البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، وأيضاً نظر إلى حركة المسلمين في العالم بلحاظ الظروف كافة، وصرّح أننا لا نعيش في مجتمعات جامدة نستطيع أن نسقط أفكارنا عليها إسقاطاً من فوق، بل لا بد من السعي إلى نيل تعاطف الإنسانية مع ديننا وقضايانا المحقة والعادلة والإنسانية. وانطلاقاَ من هذه الخلفية، تحدّث عن قضايا المسلمين الكبرى، كقضية القدس والقضية الفلسطينية عموماً، وسائر قضايا المسلمين في ما يتعلّق بحرّيتهم وعزّتهم وكرامتهم.

 

رحل السيد محمد حسين فضل الله بعد أن لخص بسيرة حياته المليئة والمفعمة بنور الإيمان والتقوى وحب الأئمة الابرار الميامين حالة اسلامية قل نظيرها جامعا الفكر والنهج والعقيدة والحياة الجهادية المثمرة التي التي ساهمت مساهمة كبيرة في تحقيق النصر على العدو الصهيوني ... رحل السيد المفكر رحل رجل الموقف وبقيت كلماته تسمع في كل أرجاء الوطن والتي تدعو الى الوحدة والى نبذ الفتنة ....