خبر ما الذي « يحبط » الأخ ميتشل؟!../ عبد اللطيف مهنا

الساعة 08:38 ص|04 يوليو 2010

ما الذي "يحبط" الأخ ميتشل؟! عبد اللطيف مهنا

 

04/07/2010  09:47 

 

لعل من عادة الغرب عموماً الاستجابة الهيّنة لمشيئة صهاينته. فهو غالباً ما يرى في هذه المشيئة صنواً لمصلحته، وهذه التوأمة بين الأمرين فيها أيضاُ ما يدغدغ خلفية ثقافية لديه وعتيق نظرة عنصرية مستحكمة لما عداه، تجعله في أغلب الأحوال لا يرى إلا بعينين صهيونيتين.

 

هو هذه الأيام مشغول بحكاية اسمها شاليط، ويريد كعادته أن ينشغل معه العالم كله بها... إنه الجندي الإسرائيلي الذي أسرته المقاومة الفلسطينية في كرم أبو سالم، جنوبي قطاع غزة المحاصر، والذي لم يفعل شيئاً سوى أنه ذهب إلى هناك ليطلق النار على الفلسطينيين! الغرب بهذا يحاول فيما يحاول القفز على مجزرة مرمرة، وبعضاً مما يغطي على تجاهله الأسود لشعب أسير بكامله، المحتجز المستفرد به من قبل صهاينته المحتلين، وأيضاً يأتي هذا في سياق مسعى الالتفاف على المطلب الكوني بفك الحصار عن غزة... هذا بعض من خبره في العموم، وفي الخصوص، سمعنا أن مبعوث "المفاوضات غير المباشرة"، التي لا يعلم سوى وسيطها وطرفيها شيئاً عنها، جورج ميتشل، "محبط".

 

هذا ما سربته قبيل قدومه الأخير إلى المنطقة بعض الأوساط الأمريكية ونقلته عنها الصحافة الإسرائيلية. ورغم هذا الإحباط فالرجل المثابر وصل إلى المنطقة وغادرها تماماً كما فعلها في كل إطلالاته السابقة. كانت دائماً هي هي فلا تختلف ولا صاحبها يختلف، ولا تشي في وقائعها وأخبارها أو حصيلتها، أو ابتسامته التي يرسمها في بدايتها ونهايتها، بما هو المختلف.

 

يقابله الإسرائيليون في كل مرة بواحدة من "مفاجآتهم"، التي لا تفاجئ إلا دافني الرؤوس في التراب في بلادنا... مفاجأة "استيطانية" من إياهن، وحزمة قرارات تهويدية جديدة، وإضافة شرط أو شرطين من اشتراطاتهم الموصوفة بالتعجيزية، المتعلقة بشجون وشؤون تلك المفاوضات العتيدة... ويودعونه كما جرت العادة بإطلالة إعلامية يتبادل فيها مع نتنياهو وقبله أو بعده باراك ذات الابتسامة وذات اللازمة، تلك التي يحرص الإسرائيليون على أن يسمعوا عبرها العالم معه بجديدهم الذي هو قديمهم، أما هو فيردد بالمقابل ذات الحكمة الأمريكية السارية منذ أيام الراحل بوش: السلام هو في مصلحة الطرفين، ونحن مصرون على العمل مع الطرفين المعنيين لتحقيقه!!!

 

...ويقابلونه في رام الله ويودعونه بما هو ديدنهم، أو ما ليس لهم سواه، أي مناشدة الوسيط، الذي هو الخصم والحكم والمنحاز الذي لا يريدون عن وساطته غير النزيهة بديلاً، إنقاذ المأسوف على كهولتها "عملية السلام"، وتكرار الشكوى إياها من ذات الصدود التفاوضي الإسرائيلي إياه، ودائماً يقابلون ابتسامته إياها بعشرة أمثالها!

 

ما تقدم يوضح لنا، لماذا لم يعد يؤثر في حكاية ميتشل، أو يغير في معتادها، أو يبدّل في مشهديها، الإسرائيلي والفلسطيني، أو نسختيها الإسرائيلية والفلسطينية، كل ما يعلن بتسارع غير مسبوق من خطوات لإكمال عملية التهويد التام للقدس الذي شارف على الانجاز... هدم البيوت، تشريد العائلات، سحب "الهويات"، طرد "النواب" المقدسيين، أو ممثلي المدينة في "تشريعي" سلطة أوسلو، استبدال الأحياء العربية بالحدائق التاريخية المزعومة، واستيلاد مخططات مستجد الأحياء "الاستيطانية". وأخيراً الإعلان مجدداً عن المعلن والمنفذ سابقاً، وهو ضم شرقها إلى غربها، ثم ما تبع من مخططات تهويدية مزمعة لأكنافها ومن حولها تبتلع ما تبقى من أرض الضفة، وتضيق الخناق على التجمعات السكنية الفلسطينية، أو الكانتونات، أو أشلاء المعتقلات المتناثرة، التي هي برسم الطرد أو الترانسفير عندما يحين الوقت المناسب مستقبلاً... لكن، والحق يقال، هناك بعض إضافة شبه جديدة جاءت من قبل ميتشل هذه المرة، وهو إشادته بإسرائيل "لتحسينها"، أو إبداء استعدادها لتحسين بعضاً من قسوة حصارها المضروب على غزة!

 

بالمناسبة، الحصار على غزة عادة هو مسألة مستبعدة فلا شأن لها بالمفاوضات، ولا خلاف عليها وسيطاً وطرفين، وعملية الالتفاف عليه غدت حالة دولية وبعض إقليمية كل ظواهر الأمور وبواطنها تقول لنا أنها تجري على قدم وساق، إذ يتبارى ويتعاضد لنيل شرف تحقيقها كل من الأمريكان والرباعية والإسرائيليون وعرب التسوية وسائر الامتدادات الدولية، أو كل من يحرص على نيل عضوية هذه الجبهة وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي... بلير هو الأكثر نشاطاً هذه الأيام.

 

... وبالمناسبة، أيضاً، يلاحظ أن ضجيج ما يبشر بإسهامات شعبية عربية الطابع في حملات "أساطيل الحرية" لكسر الحصار على غزة، قد بدأ في الخفوت شيئاً فشيئاً ويخشى عليه التلاشي. لم نعد نسمع عن سفينة "جوليا" ولا أختها "مريم"، أو الشعارات النبيلة لنسوتها المتحمسات اللواتي شاهدناهن بكثافة قبل ما ينوف على أسبوع عبر الشاشات... هنا لا بد من القول أنه إذا كانت مكتومات الضغوط قد نجحت في أن تحول بين هاتين السفينتين اللبنانيتين والإبحار، فكان الأجدى من أخواتنا البحارات المتطوعات والزملاء إعلاميي السفينة الأخرى بالاستعاضة عن ركوب البحر والتوجه براً لكسر الحصار عن المخيمات التي هي على مقربة والتي يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام... الضجيج ثم الخفوت، أو الحماسة ثم النكوص، أسوأ بكثير من تجاهل معاناة غزة... لأنه، أولاً، يحبط شعبها الصامد المرابط المتحدي الذي لازال يعلق آمالاً على أمته وينتظر نصرتها، وثانياً، يجهض أو يسهم مع شتى صنوف الضغوط المتعددة في إجهاض الحالة الكونية الإنسانية الهابّة أساطيلها الموعودة والفاعلة لنجدة غزة وكسر الحصار عنها... هذا الضجيج ثم الخفوت والتلاشي، يسهم في محصلته شاء أصحابه أم أبوا، أو يوظّفه أعداء غزة، في عملية الالتفاف على مطلب كسر الحصار الذي غدا كونياً.

 

وهناك إضافة جديدة لقديم إسرائيلي، جاءتنا مستبقة ومودعة لميتشل، جاءت هذه المرة من ليبرمان، كان يرد فيها على الرباعية "الدولية"، التي لطالما تكرر دون أن تعني ما تكرره اكليشيه "الدولة الفلسطينية" الموهومة إياها، كورقة تدفع بها دون جدوى شبهة تواطئها المعهود مع الاحتلال، تهويداً، وتقتيلاً، وقمعاً، وحصاراً. يقول ليبرمان، وليسمع ميتشل ولتسمع معه رام الله، والجامعة العربية، وكل من يهمه الأمر: "لا أرى فرصة لقيام دولة فلسطينية قبل العام 2012". بمعنى أن هذه المدة هي كافية عنده لتهويد القدس نهائياً، وتوطين ما يزيد على ربع مليون مستوطن يهودي جديد فيها، بحيث تغدو نسبة تعداد أهلها العرب فيها لا تزيد عن 15%، وفق مستمر المخطط الدائم، الذي يتم على مدار الساعة تصعيد وتيرة العمل على انجازه.

 

وإذا كنا نتعرض للجديد الإسرائيلي القديم، فالشيء بالشيء يذكر، فلا بد لنا والحالة هذه من التعرض ولو للقديم "الفلسطيني" على هامش الإطلالة الميتشلية السنية، وهو ما كان من الدكتور صائب عريقات، المسؤول عن ملف المفاوضات في رام الله، وصاحب نظرية "الحياة مفاوضات"، الذي أنذر للمرة "الخمسمائة"، وفق ما أحصاه له أحد الزملاء، بأن ضم القدس الشرقية إلى الغربية "سيعني انهيار العملية السلمية برمتها"!!!

 

صاحب الإحصاء هو الكاتب عبد الرحيم كتانة المقيم في الضفة المحتلة، والذي قرأت له مقالاً يقترح فيه إدخال الدكتور عريقات في موسوعة "غينس" للأرقام القياسية لاستخدامه هذه المصطلح حتى الآن فقط لخمسمائة مرة... الزميل استبعد الدكتور نبيل أبو ردينة من الموسوعة لأنه لم يستخدم ذات المصطلح أكثر من 450 مرة!

 

الزميل استوحى فكرته من تقليعه تشجعها رام الله في سياق نضالها لإرساء دعائم "الدولة" المأمولة، رغم أنف ليبرمان، وهي مسلسل تسجيل الأرقام الفلسطينية القياسية في موسوعة "غينس"، أو هذه الموضة النضالية المستشرية راهناً في الضفة المحتلة، والتي عددها في مقالته: أكبر صحن تبولة، أكبر طبق كنافة، أطول كوفية وأكبر رغيف مسخّن... الزميل سامحه الله غفل عن ذكر أكبر ثوب تقليدي... وأشياء أخرى، ليست من شأن موسوعة "غينس"، من مثل احتفالية أسبوع جني المشمش!!!

 

إذا ما جارينا الزميل كتانة، لابد لنا من المطالبة بتعميم مقترحه هذا عربياً، وبالتالي، يتسنى لنا إدخال الجامعة العربية في هذه الموسوعة الكونية التي يتبارى المتبارون على طريقتهم في مواجهة التهويد للفوز بشرف دخول سجلها النضالي... يكفي هنا ذكر مصطلحين، استخدمتهما الجامعة، وبما يفوق بكثير أرقام الدكتور عريقات ومعه الدكتور أبو ردينة، حتى أصبحا وكأنما هما بندان رئيسان من بنود ميثاقها العتيق العصي على التطوير، هما، "المبادرة العربية للسلام"... وحكاية "السلام خياراً استراتيجياً وحيداً"... لم يقل لنا أحد ما الذي يحبط الأخ ميتشل؟!!