خبر أضواء: التطبيع الثقافي والفكري...

الساعة 06:35 م|03 يوليو 2010

أضواء: التطبيع الثقافي والفكري...

فلسطين اليوم: القدس المحتلة*

يحتمل التطبيع أكثر من نوع في الغالب، وهو في العادة يغلب عليه النوع والصنف السياسي والذي يعني: إعادة العلاقات الدبلوماسية بين قطرين قطعت في ظل ظرفٍ ما؛ ولكنّ الحاصلَ اليوم بين المؤسسة الإسرائيلية والعالمَيْن العربي والإسلامي لا يندرج تحت هذا التعريف، وإنما هو عبارة عن إقامة علاقات دبلوماسية، ما يعني الاعتراف بالكيان الإسرائيلي ووجوده.

 

هذا التطبيع لا يقتصر على المذكور أعلاه في أيامنا هذه، وإنما تعداه وسيتعداه إلى ما هو أكثر في ظل المتغيرات الكثيرة و المتسارعة، والمؤثرات المحلية والعالمية والإغراءات بكل أنواعها، والتي كثيرًا ما يخدع بريقها الناس وتحديدًا من يتبوءون مناصب عليا ومراكز رفيعة.

 

إن التطبيع الثقافي والفكري، المشار إليه، لا يختلف اثنان على خطورته وأبعاده الضارة على المجتمع ومسيرته؛ وخطورته تكمن في عملية إقناع الآخر –صاحب الحقوق المسلوبة– بأساليب مختلفة وحجج متنوعة من الطرف المعتدي نفسه، أو ممن هم في صفّه، بعدم واقعية طروحاته.

 

هذا التطبيع، شرٌّ هو، وإن بدا للوهلة الأولى قارب نجاة للبعض، ومتنفّسًا له/ لهم، ومخرجًا وملاذًا أحيانا أخرى تقيهم النوازل؛ فهو سمٌّ لا يستقّر، وإنما يسري ليصيب كافة الجسد، حتى الدماغ؛ وإنّ أخطر ما فيه -ما دام تطبيعًا ثقافيًا وفكريًا- حَمْلُ من يتعرضون إليه، أو يعرّضون أنفسهم إليه، على تبني ثقافة الغير وأفكاره، أو على الأقل بعضًا مما عندهم.
إن هذا الصنف من التطبيع، له رجاله ومؤسساته وأجندته الخاصة المدروسة بعناية فائقة من قبل مختصين يعرفون كيف تؤكل الكتف، ولهذا يوظّفون لخدمتها أصنافًا من الناس يمتازون عن غيرهم بمؤهلات تمكّنهم من إنجاح المهمّة، لا إفشالها.

 

إن هدف التطبيع الثقافي والفكري هذا، هو غزو الآخرين في عقولهم وفكرهم وإقناعهم بكل وسيلة متاحة إعلامية وفكرية -ومادية أحيانًا- بضرورة التحلّي بالواقعيّة والموضوعيّة والنزول عن الشجرة، وقبول الآخر والحوار معه، وربما التعايش معه والقبول بالواقع الحالي؛ كل ذلك إلى جانب نشر مصطلحات ومفاهيم ونظريات تبدو للوهلة الأولى واقعية، غير أنها مسمومة في جوهرها، والاهتمام دائمًا بتكرارها وذكرها لتصبح بعد حين مسلّمات لدى الجميع، وموضع إجماعٍ، حتى وإن لم يقتنع بها الجميع .

 

إن الفئة المعرّضة، أو من يعرضون أنفسهم إلى هكذا طرح لا يختلف اثنان أنهم سيدفعون ثمنًا ما وتنازلات معينة قد لا يستنبطها الجميع للوهلة الأولى، لكن إسقاطاتها مستقبلًا أعظم؛ ولقد مرّت مجتمعاتنا بتجارب من هذا النوع عبناها على أصحابها ودعاتها، ولا تزال، عاشوا مرحلة كثرت فيها المتغيرات وتعرّضت فيها الأمة إلى زلازل ومحنٍ أعظم مما نحن فيه.

 

صحيح، يمر شعبنا، وتمر قضيتنا بمحنة شديدة، في ظل الانقسام الداخلي الأخوي، وتبخّر مشروع إقامة دولة فلسطينية، وفي ظل مخططات المؤسسة الإسرائيلية الدؤوبة لهدم المسجد الأقصى المبارك وتهويد مدينة القدس وابتلاع الضفة الغربية وشطب حق العودة؛ لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال الاستسلام للواقع، وترك فسحة يستغلها الآخر لغزونا في ثقافتنا وفكرنا وثنينا عن ثوابتنا وتغيير قناعاتنا.

 

وأخيرًا.. فالتطبيع الثقافي والفكري هذا قد يجرف البعض ويخدعهم ببريقه ومواقف بعض دعاته، لكنه لن يتمكن من مجتمعنا ولا أمتنا، وسيفشل كما فشلت الغزوات السابقة، من خلال التشبث بالثوابت رغم النوازل، ورفض الدعوات الغربية المتظاهرة بدعمها لقضايا الأمة، بينما تدعم الآخر سرا وعلنا .

*مركز الدراسات المعاصرة