خبر معلم نتنياهو..هآرتس

الساعة 09:24 ص|02 يوليو 2010

 بقلم: ألوف بن

في حائط المكتبة في مكتب رئيس الحكومة، من وراء مقعده، علق بنيامين نتنياهو صورة بنيامين زئيف هرتسل وونستون تشرتشل، اللذين يراهما مصدري الهامه كسياسي. يطل الاثنان على الضيف الذي يجلس قبالة نتنياهو، وكأن والد الصهيونية وزعيم بريطانيا في الحرب العالمية الثانية هما راعيا رئيس حكومة اسرائيل، كي يدرك زوار المكتب من أين أتى نتنياهو والى اين يسعى.

        يجل نتنياهو زعماء حذروا من أخطار حتى عندما تجاهلها رأي الاكثرية ورآهم منذرين مقلقين باحثين عن المشكلات. فقد لحظ هرتسل على الصواب معاداة السامية العنيفة وحذر تشرتشل من صعود النازية وتسلح المانيا، ويحب نتنياهو التمدح بتحذيراته التي تحققت، من الارهاب وايران والصواريخ على عسقلان. لكن يمكن تخمين أن رئيس الحكومة أيضا يجد تشجيعا في حياة تشرتشل السياسية، الذي شبع من الاخفاقات والتأبين الى أن دعي لانقاذ الوطن في الربيع القاتم من سنة 1940.

        تصف سيرة ذاتية جديدة لتشرتشل في الحرب العالمية الثانية هي "حرب ونستون" تصف "كبير البريطانيين في القرن العشرين"، كما قال المؤلف ماكس هيستنغز، وأنه سياسي منجذ، عمل طوال الوقت بانماء صورته وتخليد مكانه في التاريخ واضعاف خصومه في الداخل، حتى في أصعب ساعات المواجهة مع هتلر.

        من المحقق أن نتنياهو يؤمل أنه اذا حقق الغاية التي نصبها لنفسه، وأنقذ اسرائيل من التهديد الذري الايراني، فسينسون له المعايب والزلات، وقضية القافلة البحرية والادارة المبلبلة لشؤون الدولة، كما نسوا لتشرتشل سلسلة الهزائم المخزية للجيش البريطاني بين دانكرك الى العلمين. يصف هيستنغز كيف اعتقد مقربون وخصوم من الساسة ومواطنون بسطاء أنه يجب اخراج تدبير الحرب من يد الفاشل الدائم، وأن يعين شخص ما آخر وزيرا للدفاع، الى أن رجح النصر في معركة العلمين في الصحراء الغربية ووصول الجيش الامريكي الجبهة المعركة لصالحه، من أزمة لأزمة الى أن حانت ساعته.

        سيتذكر تشرتشل بفضل خطب التشجيع ورفع الروح المعنوي تحت قصف سلاح الجو الالماني في أيام المعركة على بريطانيا. لكن مهمته الرئيسة التي قرن بها نفسه منذ يوم توليه السلطة، كانت أن يجر أمريكا الى الحرب الى جانب البريطانيين. وهذا أيضا هو هدف نتنياهو الذي يسوي بين ايران اليوم والمانيا النازية – أي أن يفضي الى وضع تضرب فيه الولايات المتحدة ايران، وتحبط برنامجها الذري وتحطم مكانتها كقوة صاعدة في المنطقة.

        تحدي كليهما متشابه: ففي 2010 كما في 1940، يعارض الرأي العام الامريكي بشدة مغامرة عسكرية وراء البحار. فقد رأى الامريكيون البريطانيين مستعمرين يحاربون لانقاذ امبراطوريتهم، كما يرون اسرائيل دولة احتلال تصارع عن المستوطنات في الضفة الغربية. برغم اللغة الانجليزية المشتركة، وأحاديث العمل بين الساسة والجنرالات البريطانيين والامريكيين تميزت العلاقات بينهم بالشك المتبادل وصراع القوة.

        يروي هيستنغز ان تشرتشل أبدع مصطلح "قمة" لوصف لقاء بين زعيمي الدولتين. وقد اعتقد ان شخصيته الآسرة وقدرته على الاقناع تستطيعان معادلة فروق القوة بين بريطانيا المصارعة، والمفلسة، وأمريكا الواثقة القوية. لهذا حصر سياسته الخارجية في جهد مقاربة الرئيس فرانكلين روزفلت، وترجيح موقفه من اجل دخول الحرب.

        ذكرت حججه بدعاوى نتنياهو اليوم وكانت أن بريطانيا تحارب حرب العالم الحر للطغيان النازي، كما تحاول اسرائيل ان تقنع الغرب بكونها حصنه المتقدم في  مواجهة الاسلام المتطرف.

        نجح تشرتشل في أن يحصل من روزفلت على مساعدة عسكرية وسلاح ومصاحبة لقوافل الامداد. ونجح نتنياهو، ووزير الدفاع ايهود باراك بزيادة ضغط التهديد الملمح به بمهاجمة اسرائيل للمنشآت الذرية الايرانية، للتمتع بتعاون أمني لم يسبق له مثيل. فقد زار رئيس مقار القيادة المشتركة مايك مالن اسرائيل هذا الاسبوع والتقى رئيس هيئة الاركان غابي اشكنازي للمرة الثالثة عشرة. والتقى سلفاهما لقاء أقل، ويبدو أن هذه المحادثات لم تكن ترمي فقط لأن يقول الادميرال الأمريكي للفريق الاسرائيلي "لا تهاجموا".

        لن يستطيع هجوم اسرائيلي، حتى لو نجح في تدمير المنشآت الذرية في ايران، ترجيح ميزان القوى الاقليمي. فستظل ايران اذا قصفت قوية وتهدد استقرار نظم الحكم الموالية لامريكا في الدول المنتجة للنفط  وفي الأردن ومصر. وهنا مشكلة أوباما: هل تستطيع أمريكا أن تسمح لنفسها بأن يسيطر آيات الله في ايران والرئيس محمود أحمدي نجاد على امداد الغرب بالنفط، من طريق تأثيرهم المزداد في الشرق الاوسط؟

        إن خبراء اسرائيليين ذوي تجربة مقتنعون بأن الامريكيين قد سلموا للقنبلة الذرية الايرانية، وأن كلامهم على صد ذلك معد لمحاضر الجلسات فقط. لكن اذا كان الأمر كذلك، فكيف سيعيش الامريكيون مع التأثيرات الاستراتيجية لايران الذرية؟

 

    الحرب الباردة الجديدة

   لم ينجحشرتشل في اقناع روزفلت بدخول الحرب. حدث ذلك فقط بعد أن هاجمت اليابان "بيرل هاربر" وأعلن حليفها هتلر حربا على الولايات المتحدة. لكن الهجوم على بيرل هاربر سبقته أزمة شديدة بين طوكيو وواشنطن، كانت ذروتها حظر النفط الامريكي لليابان. دفع اليابانيون الى التحرش وهاجموا أمريكا وكانت كلفة ذلك خراب بلدهم وحطها الى مكانة قوة ثانوية.

        وما الذي يريده نتنياهو اليوم من اوباما؟ أن يفعل ما فعله روزفلت باليابانيين بالضبط أي: حظر بيع الوقود المصفى (البنزين والسولار ووقود الطائرات) الحيوي للنقل الايراني، وعقوبات على تصدير النفط من ايران. ما يزال الغرب غير موافق على ذلك، لكن قرار مجلس الأمن الأخير على توسيع العقوبات، والقانون الذي صاحب ذلك في مجلس النواب الامريكي يوثقان الحصار الاقتصادي. اذا استمر هذا الاجراء، فهل ستكون العقوبات كافية لدفع ايران الى تحرش يثير عليها ضربة مضادة ساحقة من أمريكا؟

        اليكم سابقة: في 1981 هاجمت اسرائيل المفاعل الذري العراقي، لكن تأخير عمل برنامج صدام حسين الذري لم يكن كافيا لتقويض قوة بلده الاقليمية. بعد أن أحدث صدام التحرش باحتلال الكويت، استيقظت الولايات المتحدة وضربته في حرب الخليج في 1991. واحتيج الى حرب أخرى في 2003 لمحو التهديد نهائيا واضعاف العراق سنين طويلة.

        تجري الان في الشرق الاوسط حرب باردة بين امريكا وايران. من طريق حليفاتهما في المنطقة وفي الساحة الدولية. فايران تسلح حزب الله وحماس، وتسلح الولايات المتحدة الجيش الاسرائيلي. تنشر كل يوم أنباء عن اعتقال جواسيس في لبنان واسرائيل، وعن اطلاق قمر التجسس الاسرائيلي، وعن القوافل البحرية الى غزة وتخفيف الحصار. تلقيت هذا الاسبوع قصاصة ورق من قيادة الجبهة الداخلية تدعوني الى تبديل القناع الواقي. اشتعال الأمور يقترب، على خلفية تشديد العقوبات على ايران والمقاطعة الايرانية المضادة للكوكا كولا، وانتل وشركات يملكها يهود.

        هذه هي خلفية لقاء القمة بين نتنياهو واوباما في يوم الثلاثاء القادم. لم ينجح رئيس الحكومة في السنة الاخيرة في الاقتراب من الرئيس؛ وتمت علاقاتهما في محاولة لمكاسرة الأيدي. على حسب ما يقول هيستنغز، تمت اللقاءات على هذا النحو ايضا بين تشرتشل وروزفلت وأن اظهرا نحو الخارج صداقة وشراكة. أراد روزفلت أن تنقض بريطانيا الامبراطورية، كما يريد اوباما نهاية الاحتلال والمستوطنات ودولة فلسطينية في الضفة الغربية. كان هذا ثمنا باهظا لتشرتشل الاستعماري ونتنياهو رجل اليمين. لكن لا توجد صفقة أخرى ولا يمكن أن تكون. الهند عوض المانيا، والضفة عوض ايران.

        يحسن أن يقرأ نتنياهو في كتاب هيستنغز، في رحلته الجوية الى واشنطن بعد غد، كي يحصل على الهام ومشورة. وهو يعرف المؤلف جيدا: فقد نشر هيستنغز في 1979 السيرة الذاتية لشقيق رئيس الحكومة الأكبر "يوني البطل في عنتيبا".