خبر الحياة مثل مسلسل تلفزيوني -هآرتس

الساعة 08:59 ص|01 يوليو 2010

 

الحياة مثل مسلسل تلفزيوني -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

 (المضمون: لن تكون المسيرة الاحتجاجية المؤيدة لاطلاق جلعاد شليت ذات جدوى ما لم يعلم الجمهور الاسرائيلي أن الطريق الى حل جميع المشكلات الاسرائيلية هو مشاركة أقوى في الحياة السياسية - المصدر).

 

        مع مجيء الصيف صحا الخطاب العام من غشيته. والموضوع الساخن هو جلعاد شليت. لكن حتى وهو يبين علامات حياة وتنفسا مستقلا، وعندما أصبح يوجد موضوع جماعي لا يتعلق بقضاء العطلة وسيارة الجيب الصغيرة، ما يزال الخطاب عاطفيا على نحو مخيف.

        أصبح النضال لاطلاق الجندي المختطف مسلسلا تلفزيونيا: فها هو هذا أخوه يحب شابة في خيمة الاحتجاج، وها هي ذي تامي أراد في صورة ناعمة مع ابنتها في الصفحة الأولى من الصحيفة، وهنا الوالدان النبيلان والجد المدهش يسيرون معا، وهنا أيضا السؤال الموجه الى رئيس الحكومة: ماذا كان يحدث لو كان هذا ابنك. مع معطيات البدء هذه يسهل تجنيد التأييد، وكأنه لو كان لشليت والدان غضوبان وجد صارخ، لا من متسبيه هيلا بل من متسبيه رامون، لكان مصيرهم أقل قسوة.

        يحرص المشاركون في الاحتجاج على إدعاء أنه "غير سياسي"، وكأن النضال السياسي وصمة لعمل حرام منحط، كذاك الذي قد يفسد الأمر ويصمه. هذا خطاب صبياني لا مثيل له. إن مصير شليت يثير مشاعر مفهومة فكل والد يفكر في ابنه، لكن عندما يتم هذا الخطاب في الساحة العاطفية فقط، يتم الطمس على الاسئلة الحقيقية وتكنس تحت البساط، ذاك الذي نحب أن نخبىء تحته كل شيء.

        ليس الأمر أمر الثمن المطلوب دفعه عن الاطلاق فقط – يحل ان نخمن ان جزءا من السائرين في المسيرة سيحتجون عليه حينما يحين الوقت ايضا – فالأمر أيضا أمر أشباه جلعاد شليت في المستقبل. اذا كان يوجد قليلون يتحدثون بصدق عن الصفقة، فانه لا أحد يتحدث عن الأمر الآهم وهو ماذا تفعل اسرائيل لمنع ضحايا لا داعي لهم مثل جلعاد. هذا شأن سياسي. بيد أن جواب ذلك موجود في الساحة السياسية فقط لا غير.

        خرجت اسرائيل في حرب بلا جدوى بعد اختطاف جلعاد شليت أيضا، وحظيت بتأييد كاسح، بلا نقاش عام لأهدافها ووسائلها. حتى لو وقع والعياذ بالله جنود في الأسر فيها، لظل التأييد غامرا. إن مصير جندي واحد يؤثر فينا جدا، لكن السؤال هل كان من المناسب الخروج الى حرب قتل فيها 13 اسرائيليا وجرح عشرات، لم يطرح للنقاش. لا يكاد آلاف الاسرائيليين والفلسطينيين الذين قتلوا بسبب الاحتلال يثيرون احتجاجا. إن قتلى المستقبل ومختطفي الغد، والضحايا الذين سيسقطون منا بسبب الاحتلال، لا يخرجون أي مسيرة جماعية. لأن هذا "شأن سياسي"، ولن نتحدث في ذلك.

        الحياة مثل مسلسل تلفزيوني والخطاب العاطفي عنها يجري في ساحات أخرى أيضا. من المناسب أن نتذكر حاييم رامون الذي عاد هذا الاسبوع الى العناوين الصحفية. قال بعد زمن قصير من القبلة المحظورة العاصفة ذاك الذي كان آنذاك وزير العدل، في ذروة حرب لبنان الثانية، التي كان أكبر مؤيديها: "يحل لنا كفر قانا أخرى ويحل لنا ان نهدم كل شيء". إن ايلي يشاي وحده مع قوله "سنجعل جنوب لبنان صندوق رمل"، قد نافسه في دعوته الصريحة الى تنفيذ جرائم حرب. لكن رامون لم يؤثم بسبب ذلك بطبيعة الأمر ولا يذكر له أحد ذلك كأثم. القبلة في الداخل أما الحرب ففي الخارج. إن الضباط الذين يعطون دعون أبناءهم ونساءهم يسوقون سياراتهم العسكرية أمر فاضح؛ لكن عندما يتهم اولئك الضباط بجرائم حرب يكون صمت. إن طيارا ابنا لرائد فضاء قتل في حادثة هو قصة كبيرة أما جندي مجهول قتل عبثا في أثناء تفتيش ليلي لا داعي له في نابلس فلا يكون قصة. وابن قاض في المحكمة العليا قتل في حادثة طرق تكتب فيه عناوين رئيسة؛ اما النضال لتحسين البنية التحتية للشوارع ففيه الصمت. كذلك الضربات التي تلقاها جنود الوحدة البحرية أثرت في قلوبنا أكثر من الفضائح السياسية التي تلقيناها على أثر أختطاف السفن.

        كل شيء عاطفي معد في الموضوعات الاجتماعية ايضا. فالتبرع لبيت الفقراء مؤثر. اما الاقتطاعات الاقتصادية التي تجعل حياة الفقراء بائسة فهي مملة. إن الصدقة لا تنقذ من الموت فقط بل تدفع بنا الى البكاء، لكن النضال من أجل اقتصاد مساواة أكثر عدالة ممل. هكذا تكون الحال عندما تكون كل شيء عاطفيا.

        حان وقت أن نرتفع فوق ذلك وحان وقت أن ننضج وأن ندرك أن كل شيء سياسي، وأن الحل الحقيقي للمشكلات التي نحن ناشبون فيها سياسي، وأن النضال عليها يمكن أن يكون سياسيا فقط. ربما فوق أمواج الاحتجاج الزائف في شأن شليت، في القمصان الزرقاء البيضاء والشرائط الصفراء، نستيقظ لاثارة مسائل أخرى آخر الأمر، أقل عاطفية وأكثر جدية.

أربما نجعل شيئا ما سياسيا، مع كل ذلك، من أجل التغيير؟