خبر حتى يخرج الدخان -يديعوت

الساعة 08:57 ص|01 يوليو 2010

حتى يخرج الدخان -يديعوت

بقلم: روني شكيد وسميدار بيري

 (المضمون: لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أجراه 6 صحفيين اسرائيليين يبين فيه عن رغبة القيادة الفلسطينية في السلام والمحادثات المباشرة مع الحكومة الاسرائيلية الحالية - المصدر).

        الطريق الى مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبي مازن) في مقاطعة رام الله تمر بسلسلة طويلة من الدارات الفخمة، التي تستهوي الأبصار في الظلام أيضا. من  الباني؟ من هم الأثرياء الجدد وعلى حساب من جمعوا ثرورة ضخمة؟ من لا يخاف ان يستثمر ملايين؟

        الرئيس بخاصة راض. "الوضع الجديد عندنا يجذب مستثمرين فلسطينيين من الخارج. يرون كيف نشأت عندنا ثقافة جديدة من الأمن والاستقرار. أدعوكم الى الخروج للشوارع، والتجوال بين المقاهي، وأن تروا كيف أن كل شيء هادىء مطمئن. ليس أن ديسكين ورجاله في الشاباك يطروننا ويقولون دائما إن "الوضع في الضفة هادىء"، يفخر أبو مازن. "نحن نقوم بالعمل كما يجب. الأمن مصلحتنا، نحن نتولى الأمن منذ ثلاث سنين من غير أن نشترط شروطا. فلا تقولوا اذن إنكم غير قادرين على تسريح سجناء حماس عوض جلعاد شليت لأنكم تخافون أن يجددوا النشاط الارهابي. نحن لا نقبل هذا. لكم جندي مختطف أؤمل جدا ان يسرح سريعا. لكن لنا عندكم 8000 سجين". ونصححه قائلين 6800 سجين فقط فيقول أبو مازن: "لا يهم هذا، فهو ما يزال آلافا".

        خرج الرئيس نفسه، في خروج مغطى اعلاميا لتعزيز الشعبية، في نهاية الاسبوع ليأكل الفلافل ودخل كأنما بالمصادفة مع المرافقين والحراس لمشاهدة لعبة كأس العالم في مطعم شعبي. بازاء القصور الفخمة، على الحائط، ترى صوره الضخمة ومن يبدو أنه بديله في يوم من الأيام، السجين القديم مروان البرغوثي. وكما هي الحال دائما، حرصوا في رام الله ايضا على تصوير البرغوثي يتحدث بالهاتف.

        أهذا هو البديل منك؟ نسأل ويجيب أبو مازن: "لا أنوي البقاء في منصبي الى الأبد. تستطيعان ان تكتبا أنني كبير السن وأن العائلة تضغط علي لاعتزال العمل. في اللحظة التي نعلن فيها انتخابات ليس عندي أي خطط أو نيات للمنافسة، وسأخلي الميدان. حسبي، لقد خصصت قدرا كافيا من السنين من حياتي للسياسة".

        لكن أبا مازن يحذر ألا يشير الى البرغوثي على أنه وريث. أشار في مكتبه الى مستشاريه المقربين الأربعة وقال إنه "ليست مشكلة أن نجد الرئيس القادم: مثلا ياسر (عبد ربه) وهو أصغر مني بست سنين أو (الوزير) نمر حماد، أو الاثنان الآخران اللذان يجلسان هنا، فكل واحد منهما جيد يستحق المنصب".

        بغير أسرار

        لمن من الفلسطينيين اذن ملايين الشواقل للاستثمار في الدارات الفخمة والفنادق؟ شوارع رام الله فارغة، لا تكاد توجد نسمة حية، فالجميع في البيوت قبالة الشاشات، ملازمين لألعاب كأس العالم. بل إن الرئيس يختطف بعض النظرات لعدة دقائق الى الشاشة الكبيرة. ويعترف قائلا: "لست خبيرا كبيرا بكرة القدم".

        على مسامعنا، ونحن ستة صحفيين اسرائيليين وقعت علينا دعوة احتفالية للثرثرة وتناول الطعام على مائدة الرئيس الملأى، لن يقول كلمة انتقاد مباشرة لنتنياهو وحكومته. لكن بين سيجارة مارلبورو حمراء وأخرى يسحبونها ويشعلونها له لا يصعب أن نستوعب سلسلة طويلة من الرسائل والشكاوى. وبخاصة بعد أن أدخل نتنياهو أبا مازن في وضع انتظار من جهة واحدة أجل انتهائه غير معروف. وربما يكون لقاء نتنياهو للرئيس اوباما بعد خمسة أيام في البيت الابيض هو سبب "الحديث من القلب الى القلب" معنا، الذي استمر ثلاث ساعات وهو معد كله للنشر، مع توكيد المستضيف "أنه لا أسرار عندي وليس عندي ما أخفيه".

        إن خيبة الأمل من انتظار نتنياهو جعلت أبا مازن يجد شركاء جددا في المحادثة هم رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة. فهو يروي لنا مرة بعد أخرى بحماسة عن المحادثات واللقاءات في واشنطن، وعن أسئلة أمطروها عليه، والاجابات المفصلة التي بذلها في صبر، قصدا الى الاستثمار في الشركاء الجدد واقناعهم كي يقنعوا نتنياهو.

        "سألوني، ماذا أصر على تأجيل التحادث المباشر مع نتنياهو. يحاولون أن يبينوا لي، وكأنهم نسوا أن لي 20 سنة أقدمية في التفاوض معكم، وأن المحادثات وجها الى وجه تقصر الاجراءات دائما وتنتهي الى حل متفق عليه. لكنني وكاعداد للقاء مع نتنياهو نقلت اليه قبل شهر، بالوساطة الوسيط الامريكي ميتشل، ورقة موقف في الموضوعين المركزيين: الأمن والحدود (للدولة الفلسطينية المستقبلة)"، يقول "كانت تلك وثيقة مفصلة جدا، عملنا عليها بجدية. كان من المهم عندي أن تكون هذه مرحلة اعداد للقاء، كي لا ينتهي الحوار بيني وبين نتنياهو الى انفجار".

        يزعم أبو مازن أن هذه هي العادة في العمل وأن قصده كان شفافا. "انفجار المحادثات خطر على الطرفين"، يبين. "منذ نقلت الوثيقة لم أتلق جوابا من نتنياهو. لم يجب البتة. أؤمل الان للرئيس اوباما أن ينجح ان شاء الله مع نتنياهو في الموضع الذي لم أنجح فيه بأن أحرك الأمور أو أقدمها. أنا أشد على يد اوباما ليحرك نتنياهو الى شيء ايجابي. وأنا ألتزم أنه في اللحظة التي يظهر فيها تحرك ايجابي في الموضوعات التي تتحدث عنها الوثيقة، فلن تكون عندي مشكلة أو عائق عن لقاء نتنياهو".

        بخلاف سلفه عرفات الذي علقت صورته المكبرة وراء مقعده في قاعة الضيافة – في شبه تذكار مثقل او ظل مطارد – أبو مازن شخص ودود. فهو لا يحرص على الآداب الرسمية، ومجالات اهتمامه متنوعة، ولغته شعبية وصائبة، وهو يقرأ كل كلمة تنشر عندنا وفي واشنطن. وهو يعلم أيضا أنهم يقولون عندنا إنه "ضعيف" و "إنه غير شريك"، وإنه برغم كلامه المسكن في المدارس الفلسطينية وفي المذياع والتلفاز يهيج تحريض شديد علينا.

        "لا أنكر وجود تحريض، وأؤمن أيضا ان التحريض لا يساعد، لأنه يسمم جو السلام"، يقول، "لكن لا يوجد تحريض عندنا فقط. ففي جانبكم يصوروننا بألوان سيئة جدا. وكأن كل فلسطيني مخرب يجب الحذر منه. قبل عشر سنين أنشأنا لجنة مشتركة عالجت مشكلة التحريض والنشرات السلبية. أنا مستعد لأن أجدد هذه اللجنة اليوم، وأن أرسل فريقا من جانبنا يجلس مع فريق منكم من الغد. انقلوا هذا الى نتنياهو باسمي".

        مليون مشكلة

        في حين ما زال ينتظر أبو مازن نتنياهو، تثير التصريحات اليائسة في شوارع الضفة عن انشاء دولة واحدة ثنائية القومية، غضبه. "ليس هذا هو الحل، وأرجو ألا يفهمون على نحو غير صحيح. نحن نريد دولة فلسطينية مستقلة"، يقول. "ستكون لنا دولة عاصمتها شرقي القدس، وتكون عاصمتكم في القدس الغربية".

- أتبادل أراضي؟

+ "نحن نوافق، وقد أثير هذا الموضوع في المحادثات التي أجريتها مع رئيس الحكومة السابق أولمرت".

- يوجد مستوطنون يريدون البقاء وإن انتقلت السيادة اليكم. هل توافقون؟

+ "تعالوا نبلغ هذه المرحلة وآنذاك نتخذ قرارات. يعتمد الاقتراح الذي نقلته الى نتنياهو على تفاهماتي مع اولمرت. غزة كلها، والضفة كلها والقدس الشرقية، وأن يكون الحد بيننا البحر الميت، ونهر الأردن، وأن نحصل ايضا على الاراضي المشاع. أنا مستعد في قضية الأمن لقبول قوة ثالثة تكون مقبولة على الطرفين: حلف شمال الاطلسي، أو اليونفيل أو قوة متعددة الجنسيات يكون فيها حتى جنود يهود، بشرط أن لا تكون لهم جنسية اسرائيلية. ليست لي مشكلة مع جنود يهود. الأساس ألا يبقى في الضفة قوات اسرائيلية. هذه معادلة بسيطة: اسرائيل تريد الأمن ونحن نريد السيادة".

        آنذاك يصمت لحظة، ويرفع صوته قليلا. "ليكن واضحا، لا أنوي أن أقوم فجأة وأعلن بأننا أنشأنا الدولة الفلسطينية. إن أمرا مهما بهذا القدر لا يمكن أن يتم في إجراء من جانب واحد، فالعالم لن يعترف بنا. لكنني لم أسمع من حكومة نتنياهو الى هذه اللحظة حتى كلمة واحدة. ولا كلمة تشجيع ولا حتى علامة سؤال. قدمت من طريق المبعوث الامريكي أفكارا مكتوبة، وأقول لنتنياهو: أتريد المحادثة في ذلك أم لا؟. نحن نبحث عن ضوء ما في الأفق. ليجب حتى على نحو مبدئي، ليقل على الأقل ما يريد وما لا يقبل".

        يؤكد أبو مازن أنه قلق من وضع التسويف: "أجد نفسي وحيدا ازاء القيادة الفلسطينية كلها، وأنا مصمم على الاستمرار على محادثات التقارب، ومحاولة أن اجد الصدع لأتوصل الى المحادثات في الحل الدائم. اذا نظرت فيما يحدث عند نتنياهو فانني أعلن أن عندي من المشكلات في حكومتي أكثر بمليون مرة مما عند نتنياهو في حكومته. وأنا أكثر قلقا واهتماما من نتنياهو"، يبين. "لهذا أعمل اليوم في تنبيه السلام من سباته. أبلغكم أنني مستعد للقاء كل اسرائيلي، لأبين له أننا قد نضيع فرصة. أنا قلق في هذه الأثناء، لأننا قد نعود الى العنف بسبب الوضع العالق".

- هل تلتقي المستوطنين أيضا؟

+ "انهم يهاجموننا كل يوم. الاشخاص وأراضينا. لهذا سيكون من الاشكالي لقاؤهم. اذا برهنوا على أنهم يريدون السلام، وكل ما يقتضيه السلام، فسألتقيهم".

        حتى تحين اللحظة، وربما من أجل تقصير الاجراءات ايضا، أبو مازن معني بدفع مبادرة السلام العربية التي صدرت عن عبدالله ملك السعودية. "نحن نتحدث عن حدود 67 وعن دولة فلسطينية مستقلة، كل ذلك موجود في المبادرة العربية التي تقترح عليكم علاقات سلام بـ 57 دولة في العالم العربي والاسلامي حينما تقبلون المبادرة"، يبين، "لكن الى اليوم، وبرغم انه مرت ثماني سنين، تعارض اسرائيل، وتحاول ادخال تغيرات، وعندي انطباع ان مواطني اسرائيل لا يعلمون ما هي المبادرة العربية". يزودنا أحد رجال المكتب بوثيقة، ويتابع أبو مازن قائلا: "ألن يكون رائعا أن تلتزم 57 دولة انشاء علاقات طبيعية بكم؟".

        صياغة غامضة

        الرئيس من أعلى سنيه السبع والسبعين يبدو حسنا ومتيقظا ونشيطا ويدخن سيجارة بعد سيجارة. قبل ثلاثة أشهر نشرت أنباء عن انهيار مفاجىء، وعن علاج في الأردن، وعن ضعف. إن المحقق أنه غير قادر على كف نفسه عن التبغ. "دخنت مع أولمرت لكن لم أدخن سجائره"، يقول. "حتى في واشنطن عندي رخصة خاصة للتدخين في فندق كاريلتون، وفي ركن ما في البيت الابيض، وانا أعلم ان الرئيس اوباما يدخن سرا. وتند عنه ابتسامة اذ قال، لقد دخلت تسيبي لفني معي من آن لآخر. لكنها تدخن سرا سجائر دقيقة".

        سألناه ألك شريك في اسرائيل. أبو مازن، الذي تعلم اللعبة الديمقراطية وتحدث بواسطتها الى الشارع الاسرائيلي، حذر في لغته ويلف كلامه في صياغة غامضة. قال "لي شريك. أنا لا أبحث عندكم عن شركاء جدد. شريكي الأول والأخير هو رئيس الحكومة. نحن لا نثير اسئلة وشكوكا في نتنياهو أنا أعمل مع من انتخبه الشعب في اسرائيل".

        قال أبو مازن في نتنياهو: "العلاقات بيننا غير مقطوعة. فهنا، في القريب سيلتقي رئيس حكومتي سلام فياض وزير دفاعكم ايهود باراك". في مقابلة ذلك العلاقة بين أجهزة الأمن في الطرفين ناجحة، والرئيس موضوع في الصورة. في الساعات الثلاث التي تحدثنا فيها، دخل أحد مساعديه وعرض بلاغا سريعا ليراه الرئيس وحده. نظر بجدية وحرك رأسه في رضى. "التنسيق ناجح. أتى الآن تقرير من شخص التقى رجالكم. هذا شيء ما أمني حساس جدا"، قال لنا. "نحن نعمل طوال الوقت. ونتحدث الى ديسكين".

        بحسب اشارة من المستضيف ننتقل الى قاعة كبيرة نظيفة، ونجلس حول مائدة بيضوية للعشاء. إن من يعرف عادات منطقتنا يعلم أن الجو حول المائدة يكون أقل رسمية. "كل شيء مباح"، يضاحكنا أبو مازن، لكن عندما توضع الوجبة الرئيسة، بعد السلطات والمحاشي، يتبين أن الجيران في المقاطعة لم ينجحوا بعد في  حل ألغاز الطبخ الحلال (بحسب الشريعة اليهودية). توضع في الطبق كومة "مجدرة"، وفوقها لحم خروف متبل والى جانبها صحفة بيضاء. لم نلمس ذلك.

        يشعل أبو مازن سيجارة بين وجبة وأخرى. في الجدول الزمني للمبادرات السياسية الى "نشر ثقافة السلام لا ثقافة الحرب"، يكشف لنا عن خطته الجديدة: أن يعقد مؤتمرا في أريحا في مبادرة السلام العربية بمشاركة وفود من اسرائيل والفلسطينيين. ويكشف عن ان خطيبي الشرف سيكونان هو نفسه والرئيس شمعون بيرس. نحن نسكن الحماسة قائلين: الأمن والشاباك لن يدعا الرئيس بيرس يأتي أريحا. أثيرت في الماضي مبادرات كهذه وثبطها الشاباك.

        إن الحلقة الضعيفة في الحديث الذي بلغ ساعة متأخرة من الليل، أعادتنا الى اجازة الدكتوراة لأبي مازن، والى الكلام المغضب الذي صدر عنه في شأن عدد ضحايا المحرقة. كتب في سنة 1982 بحثا عن "العلاقات السرية بين الرايخ الثالث وقادة الحركة الصهيونية"، وزعم أنه "لا أدلة عنده" عن عدد ضحايا المحرقة، وأكد تعاونا مقلقا بين النازيين والقيادة اليهودية في الفترة بين الحربين العالميتين.

        اليكم ما قاله لنا أبو مازن أول من أمس: "هذه قصة منذ قبل أربعين سنة، ومنذ سنة 1982 كفوا عن نشر كتابي. ما الذي كتبته في الحاصل؟ كتبت أنني لا أعلم أقتل في المحرقة 6 آلاف أم 600 ألف أم 6 ملايين؟ لكنني كتبت أيضا أن من يقتل شخصا بريئا واحدا فكأنما قتل الناس جميعا وهذا عمل لا يغفر".

        "أتقولون أنه قتل 6 ملايين يهودي في المحرقة؟ أنا أقبل هذا بلا جدل. وأقول أيضا إن المحرقة جريمة لا يمكن انكارها. ولست أنا من أحدد عدد الضحايا. ومن المهم لي أن تعلموا أنه في السنة الماضية، في يوم المحرقة الدولي، أمرت سفير منظمة التحرير الفلسطينية في بولندا أن يشارك في المراسم المركزية على أنه ممثل رسمي للشعب الفلسطيني، وأمرت سفير منظمة التحرير الفلسطينية في موسكو ان يشارك في مراسم احياء يوم المحرقة في منزل الحاخام الرئيس".