خبر علاج السرطان...3 خطوات إلى الأمام

الساعة 07:49 ص|01 يوليو 2010

علاج السرطان...3 خطوات إلى الأمام

علاج السرطان...3 خطوات إلى الأمام

فلسطين اليوم-وكالات

بعد عقود من التجارب، أحرز الباحثون تقدماً في علاج سرطان الخلايا الصبغية، سرطان الرئة وابيضاض الدم.

 

بعض أنواع السرطان أسوأ من غيره. فعلى صعيد خبث الأورام، يحتل سرطان الخلايا الصبغية melanoma الخبيث الصدراة، إذا اكتُشف في وقت مبكر (يكون ورماً صغيراً ظاهراً على البشرة) يمكن استئصاله تماماً. بيد أنه ما إن تنفصل الخلايا عن الورم الأصلي وتستعمر أجزاء أخرى من الجسم، يصبح المشهد ضبابياً: الموت في غضون أشهر من دون علاج فاعل.

 

هذا ما دفع الخبراء في هذا المجال إلى التجمع في شيكاغو لحضور الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لعلم الأورام السريرية American Society of Clinical Oncology، ومشاهدة عرض قدمه كل من ستافن اوداي من معهد Angeles Clinic and Research Institute في لوس أنجليس وستيفن هودي من معهد دانا فاربر للسرطان في بوسطن. كان هذان الباحثان يجريان تجربة سريرية شاملة على عقار ipilimumab، جسم مضاد ينشط أجهزة مناعة المرضى ويحثها على قتل الأورام. وكانا يأملان بأن تتضمن هذه الأخيرة الأورام الثانوية الناجمة عن سرطان الخلايا الصبغية. وقد تمكنا من تحقيق ذلك.

 

على رغم أن هذا الجسم المضاد لا يطيل الحياة إلى حد كبير (3 أشهر ونصف الشهر كمعدل عام)، كان تأثيره فاعلاً ومثّل سابقة في هذا المجال. أدت تجارب أجريت على نطاق ضيق على أدوية أخرى إلى إطالة الحياة لفترة مشابهة. لكنها المرة الأولى التي تثبت فيها الاختبارات الخاضعة للمعايير العلمية الأرقى (اختبارات عشوائية ومزدوجة التعمية شملت مئات الأشخاص) بما لا يقبل الشك صحة ذلك بالنسبة إلى سرطان الخلايا الصبغية في مرحلة متقدمة.

 

لم يكن ذلك الخبر الجيد الوحيد خلال الاجتماع. فقد أظهرت مجموعة أخرى يقودها بانغ يونغ جو من كلية الطب التابعة لجامعة سيول الوطنية في كوريا أن عقاراً يستهدف طفرة جينية معينة يحصر إلى حد كبير الأورام لدى الأشخاص الذين يعانون أحد أنواع سرطان الرئة. كذلك أثبتت دراستان أخريان أن مقاربة مشابهة لعلاج ابيضاض الدم النخاعي المزمن أفضت إلى نتائج واعدة.

 

لإثبات فاعلية عقارهما الجديد، أخضع الدكتور اوداي والدكتور هودي عشوائياً 676 مريضاً مصاباً بسرطان الخلايا الصبغية في مرحلة متقدمة إلى أحد العلاجات الثلاثة التالية: عقار ipilimumab وحده، عقار ipilimumab إلى جانب لقاح اختباري، أو اللقاح الاختباري وحده. فاكتشفا أن من عولج باستعمال عقار ipilimumab أو العقار واللقاح عاش لفترة أطول بخمسين في المئة ممن عولج باللقاح وحده (10 أشهر مقارنة بستة أشهر ونصف الشهر). لكن هذا مجرد معدل متوسط. فقد كان ربع من عولجوا بعقار ipilimumab لا يزالون على قيد الحياة بعد سنتين من بدء العلاج، مقارنة بـ14 في المئة ممن عولجوا باللقاح وحده.

 

وipilimumab الأول ضمن فئة جديدة من عقاقير تحمل اسم مضادات الأجسام التي تستهدف الخلايا التائية T-cell-targeted antibodies، وتعمل من خلال إطلاق العنان لجهاز المناعة، ما يسمح لجسم المريض بتدمير الخلايا السرطانية. وعلى رغم أن البعض يتعرض بفعل ذلك لمضاعفات خطيرة، ومميتة أحياناً، مرتبطة بالمناعة الذاتية (فهذا في المقام الأول السبب وراء لجم جهاز المناعة)، إلا أن الأطباء يعتقدون أنه يمكن التحكم بهذه التأثيرات الجانبية، لا سيما بعدما باتوا يعرفون ما يبحثون عنه.

 

يُذكر أن هذا العقار يعمل من خلال الاتصال ببروتين يحمل اسم CTLA4 وتعطيله. ونجد هذا البروتين على سطح الخلايا التائية الموجودة في جهاز المناعة.

 

في السياق عينه، تجرى اختبارات سريرية أضيق على جسم مضاد ثانٍ يتصل بالخلايا التائية ويرتبط ببروتين آخر يثبط المناعة، بروتين PD1. وقد يحل هذا الجسم المضاد مكان ipilimumab إذا أظهرت الدراسات السريرية أنه يتمتع بالفاعلية عينها، لكنه أقل سمية. ويحتمل أيضاً مزجه بعقار ipilimumab بغية الحصول على تأثير مزدوج.

 

في أبحاثهم المقبلة، سيمزج الخبراء الـ ipilimumab مع عقاقير تستهدف الأورام مباشرة. ولعل أكثر عقار واعد هو PLX4032، جزيئة تثبط بروتيناً ينتج من طفرة معينة في جينة تحمل اسم B-RAF. تحصل هذه الطفرة في 60 في المئة من حالات سرطان الخلايا الصبغية. وتشير التجارب الأولية على الـ PLX4032 إلى أنه قد يكون فاعلاً بقدر الـ ipilimumab أو حتى أفضل منه في تحسين صحة المرضى.

 

يقترح الدكتور بانغ تحديد إحدى الطفرات البارزة التي أدت إلى ظهور السرطان والقضاء عليها، معتبراً نوع السرطان المعني، المعروف بـ{سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة} non-small-cell lung cancer، الشكل الأكثر شيوعاً لهذا المرض فهو المسؤول عن 80 في المئة من حالات السرطان.

 

عام 2007، اكتشفت مجموعة من الباحثين أن اندماج جينتين مستقلتين، EML4

وALK، في جينة واحدة شاذة يؤدي على ما يبدو إلى تشكل الأورام. ومنذ ذلك الحين تبين أن اندماج الجينتين EML4 و ALK يسبب الإصابة بثلاث إلى خمس في المئة من حالات {سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة} (10 آلاف حالة سنوياً تقريباً في الولايات المتحدة وحدها). كذلك تبيّن أن عقار crizotinib يعيق النشاط الجيني في التجارب المخبرية، وهو قيد التطوير.

 

خلال الاجتماع، تحدث الدكتور بانغ عن التجربة السريرية الأولى على عقار crizotinib وشملت 82 مريضاً تظهر لديه الجينة المندمجة EML4-ALK. ومن بين أولئك الذين تناولوا العقار الجديد، أظهر 90 في المئة تقريباً انحساراً في الأورام، فيما لاحظ أكثر من 50 في المئة منهم تقلص الأورام بمعدل الثلث على الأقل. فضلاً عن ذلك، كان 75 في المئة منهم لا يزالون يتجاوبون مع العلاج بعد ستة أشهر.

 

تعطيل السرطان

 

في حالة السرطان، يُصاب المريض بطفرات جديدة تبطل تأثير الأدوية الموجودة فينشط الورم مجدداً. وهذا تحديداً ما يحصل في حالة ابيضاض الدم النخاعي المزمن. المرض. الـ Gleevec، أحد أكثر العقاقير فاعلية في هذا المجال، إذ يعطل بروتيناً شفرته الجينية موجودة في جينة مندمجة أخرى BCR-ABL. لكن تستطيع طفرات أخرى في جينة BCR-ABL تفادي تأثير الـ Gleevec أيضاً، ما يسمح لخلايا الورم بالنمو على رغم وجود العقار. عبر دراسة الموقع المحدد لظهور الطفرات في تسلسل الحمض النووي ومراقبة كيفية ارتباط عقار Gleevec بالبروتين الذي يحفز ظهور الأورام، ابتكر العلماء مركبات جديدة لتفادي هذه المشاكل.

 

استُعمل اثنان من هذه المركبات، عقارا Sprycel) dasatinib)

وTasigna) nilotinib)، طوال سنوات لعلاج مرضى تطور الداء لديهم على رغم تناولهم عقار Gleevec. لكن التجارب التي عُرضت خلال الاجتماع تظهر أن العقارين الجديدين يتمتعان بفاعلية أكبر من الـ Gleevec في صفوف المرضى المشخّصة إصابتهم حديثاً. فقد تسبب كلا العقارين بردود فعل أسرع وأقوى من تلك التي يسببها عقار Gleevec، على رغم أنه من المبكر جداً الجزم ما إذا كانت المركبات الجديدة الموجودة في هذين العقارين تساعد حقاً في إطالة حياة المرضى.

 

بذلك يكون الهدف النهائي واضحاً. سد سبل الهرب الجيني المتاحة أمام الورم عبر تطوير أدوية جديدة تستهدف الطفرات التي تسمح بتفشي الأورام. ما زلنا نجهل عدد هذه الطفرات. في هذا الإطار، يسعى مشروع يشرف عليه ائتلاف جينات السرطان الدولي International Cancer Genome Consortium إلى البحث في هذه المسألة عبر دراسة أنسجة 500 مريض يعاني أحد أنواع السرطان الخمسين. لكن إذا كان بالإمكان فعلاً سد سبل الهرب، لن يكون لدى السرطان في نهاية المطاف مكان يلجأ إليه ولن يبقى بالتالي تشخيص الإصابة به، كما هي الحال اليوم، أشبه بحكم بالموت.