خبر لزوم ستر العورة .. فهمي هويدي

الساعة 03:42 م|30 يونيو 2010

بقلم: فهمي هويدي

فجأة هذه الأيام، صرنا نشاهد أخبارًا يومية يبثها التليفزيون المصري عن فتح معبر رفح، وأعداد الداخلين والخارجين منه، وهو ما تزامن مع نشر أخبار شبه يومية في الصحف القومية عن استمرار فتح المعبر. ورغم أنها من الناحية المهنية لا تعد أخبارا، لأنها لا تقول أكثر من أنه لليوم الرابع عشر أو السادس عشر تواصل مصر فتح المعبر، بما يعني أنه لا يوجد جديد يضاف إلى ما لا يعرفه الناس. ومن ثم فهو أقرب إلى الإعلان منه إلى الإعلام. هذا الإلحاح الإخباري يثير الانتباه، إذ يوحي بأننا في «موسم الفتح»، الذي تجاهلناه طويلا، في حين ظلت التعبئة الإعلامية في السابق موجهة صوب التحريض على الأنفاق والتخويف مما تمثله من «خطر» على أمن مصر القومي، الأمر الذي أريد به تبرير إقامة السور الفولاذي على الحدود بين سيناء وقطاع غزة.

 

لم يقف الأمر عند حد الإلحاح اليومي على ترسيخ فكرة قيام مصر بفتح المعبر، وإنما لاحظت أن بث الخبر يستصحب في كل مرة استطرادا ضروريا للحديث عن حرص مصر على رفع المعاناة عن «الإخوة الفلسطينيين»، ودفاعها المستمر عن القضية الفلسطينية، ومحاولاتها الدؤوب لرأب الصدع وإنهاء الانقسام بينهم. أعني أن الجهة التي حرصت على تكثيف نشر «أخبار» فتح المعبر لم تكتف بالإيحاء الكامن فيها، ولكنها حرصت على أن تضمن البث أو النشر إيضاحا مفصلا وصريحا لمضمون الرسالة المراد توصيلها، والتي خلاصتها أن مصر على الخط، وتؤدي ما عليها على أكمل وجه، وأنها لم تقصر في حق «الأشقاء» الفلسطينيين.

 

الملاحظ على هذه اللهجة الجديدة، أن إطلاقها تم بعد ما جرى لأسطول الحرية الذي خطف الأبصار وشغل الناس، في حين أحرج الجميع في المنطقة من حلفاء إسرائيل ومن لف لفهم من أهل «الاعتدال». ذلك أن قدوم الناشطين من 40 دولة من بلاد الفرنجة حاملين معهم معونات على ظهر القافلة البحرية. ثم استشهاد بعضهم وهم في طريقهم لكسر الحصار وإغاثة المحاصرين، ذلك كله فضح مدى التقاعس والتواطؤ في جانب الحلفاء والمعتدلين. إذ بدا أن الناشطين القادمين من موانئ الغرب يتوقدون حماسا ويضحون بأرواحهم في سبيل هدفهم النبيل، في حين أن إخواننا «المعتدلين» يتفرجون على ما يجرى ويشاركون في الحصار بقلب جامد وأعصاب باردة وضمير مستريح.

 

حين جرى ما جرى، ندد الجميع بالحصار وانتقدوا القائمين عليه، وكان لإسرائيل نصيبها الذي فضحها وزاد من عزلتها الدولية. وكان لمصر نصيبها باعتبارها الشريك الثاني في الحصار، الذي يجرمه القانون الإنساني الدولي. في مواجهة هذا المأزق استخدمت مصر الإعلام وصوته العالي في تغطية موقفها، ولجأت في ذلك إلى أسلوبين، أحدهما دفاعي والآخر هجومي. على صعيد الدفاع، لجأت إلى الإعلان اليومي عن فتح المعبر بما ينفي تهمة المشاركة في الحصار. وفي ذات الوقت ركبت مصر موجة المطالبة برفع الحصار الذي تشارك فيه. وفي مجال الهجوم، فتحت مصر ملف المصالحة الفلسطينية، حيث دعت حركة حماس إلى التوقيع على الورقة التي أعدتها بهذا الخصوص، وهي تعلم سلفا بأنها تضمنت شروطا تعجيزية تنهي المقاومة. وتطالب حماس بالخضوع والخروج من اللعبة السياسية. ولأن الأمر كذلك، فقد بدا أن فتح ملف المصالحة في الوقت الراهن أريد به صرف الانتباه عن قصة وتداعيات موضوع أسطول الحرية من ناحية، وإحراج حماس وتصويرها بحسبانها تشكل عقبة في طريق المصالحة التي يفترض أنها تمهد الطريق لرفع الحصار، من جهة ثانية.

 

الطريف والمثير في ذات الوقت، أن ذلك كله ظل مقصورا على السجال الإعلامي، ولا علاقة له بما يجري على الأرض، فمعبر رفح فتح ولم يفتح، بمعنى أن القيود المفروضة على المرور منه ظلت كما كانت في السابق، سواء تعلقت بالأفراد أو بالمعونات. كما أن مطلب رفع الحصار يظل من قبيل الفرقعة الإعلامية، لأن الأطراف المعنية لا تريد رفعه قبل إسقاط حركة حماس، أما موضوع المصالحة فهو رسالة للإحراج كما سبقت الإشارة. ولأن الضجيج الذي يشوش ويصرف الانتباه عن الحقيقة هو المطلوب في نهاية المطاف، فإن الطنطنة التليفزيونية والإلحاح الإخباري يصبحان لازمين لستر العورة والضحك على ذقون العوام، بعدما بدا أن المطلوب تحسين الصورة، وإبقاء «الأصل» على ما هو عليه.