خبر حين تتهاوى آلة الإعلام الإسرائيلية.. جمال الخضري

الساعة 07:53 ص|30 يونيو 2010

حين تتهاوى آلة الإعلام الإسرائيلية.. جمال الخضري

 

على مدى سنوات الاحتلال، نجحت آلة الإعلام الإسرائيلية في التغطية على جرائم الاحتلال وسياساته ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وظلت إسرائيل تقدم نفسها كضحية تدافع عن نفسها، بينما تمارس كل ألوان الظلم والعدوان.

وفي حربه الأخيرة على غزة، حاول الاحتلال أن يخدع العالم، على الرغم من مشاهد القتل والموت والدمار، فعلى الرغم من نحو 1400 شهيد، منهم نحو 30% من الأطفال، ونحو 6000 جريح، و20 ألفا من المنازل المدمرة، ومئات الأطنان من حمم الطائرات.. وعلى الرغم من هدم مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.. وعلى الرغم من المجازر الجماعية والفسفور الأبيض.. على الرغم من كل ذلك فقد ظلت آلة إعلام الاحتلال تمارس الخداع بما تدعيه من مبررات لهذه الحرب المجنونة، ولكن كانت بشاعة المأساة ومشاهدها أكبر من هذا التضليل المبرمج.

لكن الإخفاق الأكبر الذي مُني به الاحتلال تمثل في جريمته ضد «أسطول الحرية»، هذه الجريمة التي فشل الاحتلال فشلا ذريعا في محاولته للتغطية عليها، ذلك أنه قد نفذ جريمته ضد متضامنين عزّل من أكثر من 40 دولة على سفن لا تحمل سوى المساعدات الإنسانية، هذه السفن التي حملت على متنها المسلم والمسيحي.. الشيخ والقسيس.. الرجل والمرأة والطفل.

إن الاعتداء على سفن «أسطول الحرية» في عرض البحر بهذه الوحشية، وهذا الإجرام، دون أي تهمة أو جريمة، ودون أي إمكانية للدفاع عن النفس من قبل المتضامنين، قد جعل هذا الحدث فاصلا وهاما في ما يتعلق بقدرة الاحتلال على خداع العالم، بتنفيذ جرائمه تحت ستار الادعاء بالدفاع عن النفس، إذ لا يمكن للاحتلال أن يزعم أن جيشا من الكوماندوز بهذا الحجم الكبير، مدعوما بالطائرات والسفن الحربية، يدافع عن نفسه في مواجهة متضامنين عزّل على سفن مدنية في عرض البحر.

إن يوم 31/5 كان حدثا فاصلا دون شك، لأنه كشف إلى أبعد حد كذب الشعارات التي تطلقها إسرائيل، وأعطى صورة معبرة وصريحة وواضحة عن تهافت كل الادعاءات الإسرائيلية، التي بررت بها جرائمها على مدى سنوات الاحتلال.

إن عودة الاحتلال لإطلاق الشعارات الكاذبة في مواجهة سفن الحرية وفك الحصار، تعبر عن إفلاس كبير في مواجهة هذه السفن التي تجسد أسمى معاني الإنسانية، ولا شك أن روايات الإعلام الإسرائيلي حول أهداف هذه السفن لم تعد لتنطلي على أحد، كما أن اتصالات حكومة الاحتلال بالفاتيكان وأميركا لمنع مشاركة الراهبات والمتضامنين الأميركان، لن تفلح أمام الإرادة والإصرار الذي يتمتع به الآلاف من الأحرار، الذين قرروا عدم الصمت على جريمة حصار غزة.

وكما يقولون فإن حبل الكذب قصير، إذ كيف يمكن أن تقنع إسرائيل العالم بأن السفن اللبنانية تابعة لحزب الله، بينما تحمل عددا من الراهبات والناشطات الحقوقيات ضمن خمسين سيدة، كما تحظى بدعم من الكنيسة؟ وكيف يمكن للعالم أن يقبل رفض إسرائيل لفتح ممر بحري لميناء غزة بادعاء أنه سيكون ميناء إيرانيا؟.. والفكرة التي رفضتها إسرائيل تقوم على أساس الإشراف على هذا الميناء من قبل مراقبين دوليين يضمنون استخدام هذا الممر البحري للأغراض المدنية.

إن أبواق الاحتلال التي اعتادت إطلاق هذه الشعارات على مدى السنوات الماضية، يجب أن تدرك أنه لم يعد من المجدي بعد مجزرة «أسطول الحرية» خداع العالم بمثل هذه الأكاذيب المكشوفة.

وإن استخدام الإعلام الإسرائيلي لفزاعة حزب الله أو إيران أو حماس أو غير ذلك، من أجل إعطاء المبرر لارتكاب المزيد من الجرائم والتسبب في المزيد من المآسي والمعاناة، لم يعد ينطلي على أحد، إذ لا يمكن بعد كل ما جرى أن يقدم الاحتلال نفسه في صورة الضحية.

لقد عرّت إسرائيل نفسها تماما أمام العالم من خلال ارتكابها هذه الجريمة، وعدم تمكن أسطولها الإعلامي المتمرس على الخداع والكذب من تقديم تبرير لهذه الجريمة النكراء، لكن الاحتلال عاد ليمارس نفس السياسة التي تأكد فشلها.

ربما كان يجدر بالاحتلال الذي يهدد اليوم باقتحام سفينتي «مريم» و«ناجي العلي»، زاعما أنه قد استخلص العبر من جريمته ضد «أسطول الحرية»، فراح يضع خططا عسكرية أكثر إحكاما، للسيطرة على السفن المدنية اللبنانية. ربما كان يجدر بالاحتلال أن يعيد تقييم سياساته وقراراته، التي أدت إلى هذه المجزرة.

إن الاحتلال لو سمح لسفن «أسطول الحرية» بالوصول إلى غزة، وتقديم المساعدات الإغاثية والطبية والإنسانية لضحايا جرائم الاحتلال وحربه، لكان وفر على نفسه نتائج وتبعات هذه الجريمة التي لا تحتاج أي محكمة لمجرمي الحرب لمزيد من الشهود من أجل إدانة القتلة الذين أخذوا القرار، والذين نفذوا الجريمة. وإذا كانت حكومة الاحتلال قد ظنت أنها بهذا المستوى من الدموية في مواجهة سفن الحرية يمكنها أن تمنع المزيد من السفن، فقد ثبت أنها قد أججت من خلال جرائمها مشاعر كل الأحرار، لتصبح في مواجهة عشرات المبادرات لتسيير السفن إلى قطاع غزة.

إن هذا الإصرار من قبل أحرار العالم على تنظيم السفن باتجاه قطاع غزة المحاصر أثبت أنه سلاح فعّال في مواجهة آلة الإعلام الإسرائيلية، وكشف أكاذيبها وتضليلها، وأن هذا التعاطف سوف يتنامى ويستمر ما دامت حكومة الاحتلال مستمرة في إطلاق شعاراتها الكاذبة والمكشوفة، بينما هي مستمرة في ممارسة جرائمها ضد كل الأحرار في العالم، وضد كل القيم الإنسانية والأعراف الدولية.

إن السبيل الوحيد أمام الاحتلال يتمثل في رفع الحصار عن قطاع غزة رفعا كاملا، بفتح كل المعابر وإدخال كل المواد اللازمة لاستمرار الحياة، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى فتح الممر البحري باتجاه قطاع غزة، وفتح الممر البري بين غزة والضفة الغربية، وإلا فإن إخفاقات الاحتلال سوف تتوالى، ويوما بعد يوم سوف تتضح الصورة أكثر فأكثر، وسوف تجد إسرائيل نفسها في مواجهة ما غرسته أيديها من مشاعر الحقد والظلم والكراهية.